خطبة حول حديث (إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ)
مارس 19, 2022خطبة عن حديث (مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا)
مارس 19, 2022الخطبة الأولى ( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (79): (81) النمل
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) النمل (79)، قال الطبري في تفسيرها: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ففوِّض إلى الله يا محمد أمورك, وثق به فيها, فإنه كافيك.(إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ) لمن تأمَّله, وفكر ما فيه بعقل, وتدبره بفهم, أنه الحقّ, دون ما عليه اليهود والنصارى، المختلفون من بني إسرائيل, ودون ما عليه أهل الأوثان، المكذّبوك فيما أتيتهم به من الحقّ, ويقول السعدى : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) أي: اعتمد على ربك في جلب المصالح ودفع المضار ،وفي تبليغ الرسالة ، وإقامة الدين وجهاد الأعداء. { إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ } الواضح والذي على الحق يدعو إليه، ويقوم بنصرته أحق من غيره بالتوكل فإنه يسعى في أمر مجزوم به معلوم صدقه لا شك فيه ولا مرية. وأيضا فهو حق في غاية البيان لا خفاء به ولا اشتباه، وإذا قمت بما حملت وتوكلت على الله في ذلك فلا يضرك ضلال من ضل وليس عليك هداهم ، فالآية بمنزلة : تنبيه على أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بالله في نصرته ، وفيها جواب للسؤال عن عدم إيمانهم مع كون الرسول صلى الله عليه وسلم على الحق المبين ،وفيها تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، وعذر له عن عدم إيمانهم، فهؤلاء الكفار لا يستحقون أن يؤسف عليهم؛ لأنهم اختاروا ذلك لأنفسهم، ولأنه لم يترك من تحذيرهم ما لو ألقاه إليهم لأقلعوا عما هم فيه، فلم يبقَ ما يوجب أسفه عليهم، فكأن الله تعالى ينهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أن يحزن عليهم إن لم يؤمنوا، كقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 3].
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) النمل (79) ، فيه أمر من الله تعالى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه من المؤمنين بالتوكل عليه، فالتوكل على الله عبادة قلبية من أجل العبادات ، وهو قربة من أعظم القربات ، والتوكل فريضة يجب إخلاصه لله – تعالى – وهو أجمع أنواع العبادة ، وأعلى مقامات التوحيد ، وأعظمها وأجلها ، لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة ، فان العبد إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية ، دون كل ما سواه ، صح إخلاصه ومعاملته مع الله ، ولذلك أمر الله به في غير أية من كتابه ، بل جعله شرطا في الإيمان والإسلام ، كما في قوله تعالى :(وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (23) المائدة، وقوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (84) يونس ، وفي الصحيحين ، واللفظ للبخاري : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ، هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » ، وفي مسند أحمد :(يَقُولُ عُمَرُ بْن ُالْخَطَّابِ إِنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً » ، والتوكل على الله نصف الدين ،والنصف الثاني الإنابة ، فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة ، والإنابة هي العبادة ، ومنزلة التوكل على الله أوسع المنازل واجمعها ، قال الإمام أحمد: التوكل عمل القلب ومعنى ذلك: أنه عمل قلبي ، ليس بقول اللسان ، ولا عمل الجوارح ، وقال ابن القيم – رحمه الله تعالى -” والتوكل تارة يكون توكل اضطرار وإلجاء ، بحيث لا يجد العبد ملجأ ولا وزراً إلا التوكل ،كما إذا ضاقت عليه الأسباب، وضاقت عليه نفسه ،وظن إن لا ملجأ من الله إلا إليه ، وهذا لا يختلف عنه الفرج والتيسير البتة. وتارة يكون توكل اختيار وذلك: التوكل مع وجود السبب المفضي إلى المراد ،فإن كان السبب مأمورا به ذم على تركه ، وإن قام بالسبب وترك التوكل ذم على تركه أيضا ،فإنه واجب باتفاق الأمة ونص القرآن ،والواجب القيام بهما والجمع بينهما ،
أيها المسلمون
والمتأمل في حياتنا اليوم ، يجد أنواعا وصوراً وأمثلة كثيرة على ضعف التوكل على الله في قلوبنا ، ومن ذلك : أن الكثير منا إذا كانت له حاجة دنيوية ، كطلب وظيفة ، أو مال ،مثلا ، تجده أن أول من يخطر في باله هو فلان بن فلان ، وأنه بيده الأمر ، فتجده يتوجه إليه ويطلبه ، وربما نافق له ، أو مدحه ، ونسي أن الله هو الذي بيده كل شيء ، وهو على كل شيء قدير، وكذا من أصابه ضر أو مرض ، أول ما يخطر بباله الطبيب ، وتسأله هل دعوت الله؟ ، هل توجهت إلى الله؟ ،هل سألت ربك قضاء هذه الحاجة؟ ، وليس معنى هذا عدم الأخذ بالأسباب ، ولكن المقصود أن يكون الله ببالك عند كل أمر ، وفي كل حالة ، فتدعوه وتتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب ، فالأخذ بالأسباب لا يقدح في التوكل .
أيها المسلمون
إن الحق المبين هو استئناف الحياة الإسلامية بتحكيم الإسلام كاملا شاملا غير منقوص ، فتجعل السيادة للشرع ،وتعيد للأمة سلطانها المغصوب ، وتتحرر الأمة من التبعية للشرق أو للغرب الكافر ، وتربط بينهم عقيدة الإسلام التي صهرتهم سابقا في بوتقة واحدة وألفت بين قلوبهم فصاروا بنعمة الله إخوانا، والحق المبين يكون بنصرة الضعفاء من المسلمين ورفع الظلم عنهم ،وتحقيق ما يطالبون به من تطبيق الإسلام وأحكامه ، فالحق المبين هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فتمسكوا بهما ، واجعلوهما لكم ميزاناً تزنون عليه أقوال الرجال وأفعالهم، واجعلوا من حلال الله وحرامه مقياس أعمالكم وما تقيسون به أفعالكم وأقوالكم ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهناك وسائل للثبات على الحق ينبغي على المسلمين الالتزام بها، ومن هذه الوسائل ما يلي أولا : التّمسك بالكتاب والسنّة ، فقد حذّر النّبي صلى الله عليه وسلم المسلمين في خطبة الوداع من أمورٍ كثيرة من بينها : التّفرق والتّشرذم، كما في الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ جَرِيرٍ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ « اسْتَنْصِتِ النَّاسَ » . ثُمَّ قَالَ « لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا ، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ »، كما دعا صلى الله عليه وسلم إلى الاعتصام بالكتاب والسّنّة النّبويّة الشّريفة والتّمسك بهما، ففي صحيح مسلم : يقول صلى الله عليه وسلم : (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ). وفي موطإ مالك : (عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ». فإنّ أهمّ شيءٍ يساعد المسلم على الثّبات على الحقّ هو التّمسك بالكتاب والسّنّة، والتّمسك بهما يعني أموراً كثيرة منها : تطبيق أحكامهما ، والاستنان بسنّتهما، والعمل بهديهما، والحكم بهما، والاسترشاد بنورهما، والبعد عن البدع والأفكار الشّاذّة عن منهج أهل السّنة والجماعة، فكلّ ذلك كفيلٌ بأن يجعل المسلم ثابتاً على الحقّ لا يتزحزح عنه ،مهما واجه من ابتلاءاتٍ أو فتن، ثانيا : ومن وسائل الثبات على الحق : التّمسك بهدي السّلف الصالح ، فهو من الأمور التي تعين المسلم على الثّبات على الحقّ في زماننا هذا، فينظر المسلم في حال السّلف الصّالح ،وكيف كانوا ثابتين على الحقّ في كلّ الظّروف والأحوال، لذلك وصفهم الله عز وجل بصفاتٍ عالية وأخلاق مثلى، قال الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (23) الأحزاب ، ولذلك فقد استحقوا أن يكونوا خيرة البشر ،بشهادة النّبي عليه الصّلاة والسّلام، فالاقتداء بهم والسّير على نهجهم واقتفاء أثرهم يعين المرء على الثّبات على الحقّ بعون الله تعالى. ثالثا : ومن الوسائل المعينة على الثبات على الحق : التواصي بالحقّ : فيجب على المسلمين أن يحرصوا على خلق التّواصي بالحقّ، قال الله تعالى : (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (1) :(3) العصر ، رابعا : ويكون التّواصي بالحقّ بين المسلمين من خلال الجماعة، بحيث يكونون يداً واحدة، يتناصحون فيما بينهم، ويتناهون عن المنكر، ويأمرون بالمعروف، ويشدّ بعضهم أزر بعض في صورة تعينهم على الثّبات على الحقّ والتّمسك به.
الدعاء