خطبة عن (بَشَريةُ الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَمَ من خلال القرآن الكريم)
مايو 7, 2022خطبة عن حديث (احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا ( اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي)
مايو 7, 2022الخطبة الأولى ( لغة الآخرين ، وحكم تعلمها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه وصححه : (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتِ كِتَابِ يَهُودَ. قَالَ « إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ ». قَالَ فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ قَالَ فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ. وفي رواية : (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ. وفي رواية في سنن أبي داود : (قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَ يَهُودَ وَقَالَ « إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي ». فَتَعَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَمُرَّ بِي إِلاَّ نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِذَا كَتَبَ وَأَقْرَأُ لَهُ إِذَا كُتِبَ إِلَيْهِ.
إخوة الإسلام
إنّ تعلّم اللّغات يُتيح للفرد التّعرف إلى ثقافات جديدة، ويُمكّنه من تبادل الخبرات والمعرفة بينه وبين الآخرين؛ مما يعزّز الوعيّ الثّقافيّ، وعن طريق الثّقافة يتمكّن الشّخص من بناء علاقات مع النّاس في مختلف مناطق العالم، إلى جانب تعلّم احترام القيم والأعراق والثّقافات المختلفة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم تأتيه الرسائل من كل حدب وصوب، لذا كان يستعين صلى الله عليه وسلم ببعض الصحابة الكرام ، ممن يتقنون تلك اللغات غير العربية ، أو يأمرهم بتعلم لغة معينة حتى يعرف ما يأتيه من رسائل.، ومن هؤلاء هذا الصحابي الجليل الذي أمره النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أن يتعلم لغة اليهود، وهي اللغة السريانية حتى يقرأ له الرسائل التي تأتيه بهذه اللغة، قال الطحاوي في المعتصر: إنما أمره بتعلم السريانية لعدم أمنه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم وخيانتهم وليكون كتابه إذا ورد على اليهود بقراءة عامتهم فيأمن من كتمان ما فيه وتحريفه لا سيما إن كان الذي يقرؤه لهم من عبدة الأوثان الذين في قلوبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ما لا خفاء به ولأهل الكتاب في قلوبهم ما فيها، ومن المعلوم أن هذا الصحابي(زَيْد بْن ثَابِتٍ ) كان من كتاب الوحي فكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كل ما نزل الوحي عليه، بعث إليه فكتبه، وهو من الراسخين في العلم، وقد طلب منه سيدنا أبو بكر الصديق الخليفة الراشد الأول أن يقوم بمهمة جمع القرآن بعد أن مات الكثير من حفظته في حروب الردة، فدعاه وقال له: “إنك شاب عاقل لا نتهمك”، وأمره أن يبدأ جمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة. وفي أمره صلى الله عليه وسلم للصحابي (زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) : كما في قوله : ( أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتِ كِتَابِ يَهُودَ. قَالَ « إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ ». ففي هذا شاهد ودليل على جواز تعلم اللغة الأجنبية للمصلحة والحاجة وهذا لا ينازع فيه أهل العلم ، فدراسة لغات الشعوب لها أهمية خاصة في ظل هذا التطور العلمي المذهل ، ويمكن أن نجمل أهمية دراسة اللغات في النقاط التالية : الأولى : أننا نعيش في عصر معلوماتي مفتوح تشترك فيه المعلومات الحياتية والتكنولوجية والعلمية بحيث يكون فهم اللغة التي كتبت بها البحوث والدراسات أساس للاستفادة منها وأنت تدرك إلى أي مدى تنتفع الأمة بذلك.
ثانيا : إن دعوة الشعوب الأخرى إلى الإسلام يحتاج من الداعية فهم طبيعة تلك الشعوب وخصائصها وتاريخها ومنجزاتها ونقاط قواتها وضعفها ولا شك أن الباب إلى ذلك هو إتقان لغتهم وفك رموز لسانهم. ثالثا : ولست في حاجة أن أنبهكم إلى مدى ما يحاك للإسلام من خطط ومخططات وحبائل ومؤامرات وتدابير ومناورات لهزيمة أمتنا وكسر حصانة نفوسها وتشتيت شمل أبنائها ومعرفة لغات أولئك وإتقان مسالكها أساس كبير في متابعة تلك الخطط وإفشال تلك المؤامرات وقد قيل قديما (من عرف لغة قوم أمن مكرهم) ، رابعا : إن نقل الثقافة الإسلامية الصحيحة بلا تشويه ولا تزوير يحتاج إلى مترجمين أكفاء يدينون بالولاء لهذا الدين فيكونون أمناء فيما ينقلون وما يكتبون. ، خامسا : إن الفقه بالواقع الذي نحياه ومتطلباته وحاجاته يستلزم منا متابعة دائمة لكل متغيراته وتفسيرا مستمرا لكل مفرداته ولا يتأتى ذلك بدون معرفة لغات القوم ورموزهم وإطلاقاتهم..
أيها المسلمون
فكما بينت لكم آنفا : فإن العلماء أجازوا تعلّم اللغات للحاجة والضرورة، بل قد يكون تعلُّمها واجباً إذا احتاج إليها المسلمون لمثل أخذ الحيطة والاستعداد للأعداء وتعريب العلوم، إلى غير ذلك من الأمور التي تفيد منَعَة أهل الإسلام وعزّهم، وهناك قاعدة أصولية مشهورة ومعروفة بين أهل العلم وهي: “ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب مثله”، وأما تعلم لغات الآخرين بهدف إذابة الثقافة الاسلامية في ثقافاتهم ، وتقليدهم الأعمى في عقائدهم وسلوكهم وأخلاقهم فهذا أمر يرفضه الدين ، ولا تقره الشريعة ، فما يُشاهَد في زماننا هذا من افتتان فِئام مِن المسلمين بِتعلُّم لُغات الكُفَّار ،بل والتفاخُر بها ، وربما كان هذا على حِساب لغة القرآن ، اللغة العربية ، فهذا ضَعْف وانْهِزامية ، وعلى هذا يُحمَل كراهة السَّلَف لِـعلُّم لُغات الكُفّار والتَّحَدُّث بألسنتهم مِن غير حاجة ، قال عمر رضي الله عنه : (لا تَعَلَّمُوا رَطَانة الأعاجم ، ولا تَدْخُلُوا عليهم في كَنائسهم يَوم عِيدهم ، فإن السُّخْطة تَنْزِل عليهم ) . رواه عبد الرزاق ، فتعلم هذه اللغات لغير حاجة ، وجعلها فرضاً في مناهج التعليم في أكثر المستويات ، فهذا دليل على الإعجاب بالغرب ، والتأثر بهم وهو مذموم شرعاً ، وأقبح منه إقرار مزاحمة اللغات الأجنبية للغة القرآن ولغة الإسلام ، فإذا اعتاد الناس في بيوتهم وبلادهم التخاطب باللغة الأجنبية ، صارت اللغة العربية مهجورة لدى الكثير وعزّ عليهم فهم القرآن والإسلام، وحينها ترقَّب الفساد والميل إلى علوم الغربيين ،واعتناق سبيل المجرمين ،وهذا ما صنعته بلاد الاستعمار في الدول العربية ، هذا بجانب أن ما تقوم به العديد من الدول القوية في عصرنا هذا من نشر للغاتها ، ليس سوى أحد أوجه استخدامها لما بات يعرف (بالقوة الناعمة)، وهي ضرب من الإغواء بالثقافة ،تهدف من خلاله تلك الدول لأن تأمن مكرنا وتروضنا حتى نسلم بحتمية سيادتها علينا وعلى غيرنا دون الحاجة إلى تجييش الجيوش وإطلاق الصواريخ من قبل تلك الدول، فأحيانا يكون قصف العقول أنجع وأقل تكلفة من تدمير البلدان واحتلالها
فالفيصل في تعلم لغات الآخرين هي النية والهدف ، فإنما الأعمال بالنيات، فمن كان يريد تعلم لغة قوم ليأمن مكرهم ، كان له ما أراد ، حتى وإن كان حديث “من تعلم لغة قوم أمن مكرهم” لا أصل له، ومن كان ينوي تعلم لغة قوم ليضر بها قومه بصورة مباشرة أو غير مباشرة ،وليغوص في وحل العمالة حصل على مراده، ومن تعلم لغة قوم طلبا لعلم نافع لديهم فلا تثريب عليه، ومن تعلم لغة قوم رغبة في الهجرة إلى بلادهم فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن تعلم لغة قوم ليستعلي بها على قومه ،ويوهم ذاته بتقدمه وتحضره كان له من التمايز والتقدم الزائفين ما أراد. وقد سئل الامام ابن عثيمين عن حكم تعلم اللغة الانجليزية ، فأجاب : أما تعلم اللغة غير العربية فهذا ليس حراماً، بل قد يكون واجباً إذا توقفت دعوة غير العربي على تعلم لغته، بمعنى أننا لا يمكن أن ندعوه للإسلام إلا إذا عرفنا لغته لنخاطبه بها ، صار تعلم لغته فرض كفاية؛ لأنه لا بد أن نبلغ هؤلاء الأعاجم -وأعني بالأعاجم ما ليسوا بعرب- دين الله وبأي وسيلة؟ بلغتهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم:4] فأحياناً يكون تعلم اللغة الأجنبية واجباً إذا توقفت دعوة أهل هذه اللغة على تعلم لغتهم. لكن الذي أنكره وأرى أننا على خطر منه أن نعلم أبناءنا الصغار ذوي الخمس سنين، وأربع سنين، وما أشبه ذلك، اللغة الإنجليزية حتى تكون لسانهم الطيع في المستقبل، هذا هو الذي أنكره، وإلا إذا دعت الحاجة إلى تعلم اللغة الإنجليزية لدعوة الناس إلى الإسلام صارت فرض كفاية، وإن دعت الحاجة لأمور دنيوية مباحة صار تعلمها مباحاً.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أهمية تعلم لغة الآخرين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي الحديث أيضا دعوة إلى العلم التعلم ، يقول الصحابي (زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ) : فَتَعَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَمُرَّ بِي إِلاَّ نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِذَا كَتَبَ وَأَقْرَأُ لَهُ إِذَا كُتِبَ إِلَيْهِ. فالجهل من أهم عوائق التفكير السليم، اذا فقد حض المصطفى صلى الله عليه وسلم على التخلص من الجهل ، وكان ذلك بحضه صلى الله عليه وسلم على العلم، ففي سن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)، وعندما سئل عن أفضل الناس صلى الله عليه وسلم ربط الأفضلية بالفقه الذي هو العلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: (أَتْقَاهُمْ). فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: (فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ) قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: (فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِ؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، إِذَا فَقُهُوا) رواه البخاري، كما حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من الركون إلى الجهل والتخلف، وعد رفع العلم وفشو الجهل من أشراط الساعة، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : “إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا” رواه البخاري
الدعاء