خطبة عن (الاسلام ولغة الآخرين وحكم تعلمها)
مايو 7, 2022خطبة حول حديث (لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةُ)
مايو 7, 2022الخطبة الأولى ( احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا .. اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنِ الْمِقْدَادِ قَالَ أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَانْطَلَقَ بِنَا إِلَى أَهْلِهِ فَإِذَا ثَلاَثَةُ أَعْنُزٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا ». قَالَ فَكُنَّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا نَصِيبَهُ وَنَرْفَعُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- نَصِيبَهُ – قَالَ – فَيَجِيءُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لاَ يُوقِظُ نَائِمًا وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ – قَالَ – ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّى ثُمَّ يَأْتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُ فَأَتَانِي الشَّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبِي فَقَالَ مُحَمَّدٌ يَأْتِي الأَنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ وَيُصِيبُ عِنْدَهُمْ مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الْجُرْعَةِ فَأَتَيْتُهَا فَشَرِبْتُهَا فَلَمَّا أَنْ وَغَلَتْ فِي بَطْنِي وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ – قَالَ – نَدَّمَنِي الشَّيْطَانُ فَقَالَ وَيْحَكَ مَا صَنَعْتَ أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ فَيَجِيءُ فَلاَ يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِكُ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ. وَعَلَىَّ شَمْلَةٌ إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأْسِي وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي خَرَجَ قَدَمَايَ وَجَعَلَ لاَ يَجِيئُنِي النَّوْمُ وَأَمَّا صَاحِبَايَ فَنَامَا وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ – قَالَ – فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يُسَلِّمُ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقُلْتُ الآنَ يَدْعُو عَلَىَّ فَأَهْلِكُ. فَقَالَ « اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي ». قَالَ فَعَمَدْتُ إِلَى الشَّمْلَةِ فَشَدَدْتُهَا عَلَىَّ وَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الأَعْنُزِ أَيُّهَا أَسْمَنُ فَأَذْبَحُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا هِيَ حَافِلَةٌ وَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ فَعَمَدْتُ إِلَى إِنَاءٍ لآلِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتَلِبُوا فِيهِ – قَالَ – فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ رَغْوَةٌ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَشَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيْلَةَ ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَلَمَّا عَرَفْتُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ رَوِىَ وَأَصَبْتُ دَعْوَتَهُ ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الأَرْضِ – قَالَ – فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِحْدَى سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ مِنْ أَمْرِى كَذَا وَكَذَا وَفَعَلْتُ كَذَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَا هَذِهِ إِلاَّ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ أَفَلاَ كُنْتَ آذَنْتَنِي فَنُوقِظَ صَاحِبَيْنَا فَيُصِيبَانِ مِنْهَا ». قَالَ فَقُلْتُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُبَالِى إِذَا أَصَبْتَهَا وَأَصَبْتُهَا مَعَكَ مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاسِ.
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يَحكي لنا فيه الصحابي الجليل الْمِقدادُ بنُ عَمْرٍو (رضِي اللهُ عنه) أنَّه أقبلَ هو وصَاحبانِ له ،وقد ذهبتْ أَسماعُهم وأَبصارُهم مِنَ الجهدِ، أي: ضَعُفَتْ حتَّى قَاربَتِ الذَّهابِ مِنَ الجوعِ والمشقَّةِ، فَجعَلُوا يَعرِضُونَ أنفسَهم على أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِيُطعِمُوهم؛ وذلك لِشدَّةِ ما كانوا عليه مِنَ الجوعِ والضَّعفِ، فَليسَ أحدٌ منهم يَقبَلُهم، أي: يُطعِمُهم، ولعلَّ ذلك؛ لأنَّهم ما وَجدُوا شيئًا يُطعِمونَهم إيَّاه، فَذَهبوا إلى النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) فَانطلقَ، أي: ذَهبَ بهم إلى أهْلِه، فإذا ثلاثةُ أَعْنُزٍ، أي: ماعزٍ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: احتَلِبُوا هذا اللَّبنَ بَيْنَنَا، فَكانوا يَحتلِبُونَ فَيَشربُ كلُّ إنسانٍ منهم نَصيبَه، أي: حقَّهُ، ويَرفَعونَ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَصيبَه، ويَحكي الْمِقْدادُ (رضِي اللهُ عنه) أنَّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) حينما كان يَجيءُ مِنَ اللَّيلِ ،ويَدخُلُ عليهم، كانَ يُسلِّمُ تَسليمًا لا يُوقظُ نائمًا، ويُسمعُ اليقظانَ، أي: بِصوْتٍ معتدلٍ، ثُمَّ يأتي المسجدَ، فَيُصلِّي، ثُمَّ يأتِي شَرابَه مِنَ اللَّبنِ فَيشربُ، فَأتى الشَّيطانُ المقدادَ ذاتَ ليلةٍ، أي: وَسوَسَ إليه، بعدَ أنْ شَرِبَ نَصيبَه، بِأنَّ مُحمَّدًا ( صلى الله عليه وسلم ) يأتي الأنصارَ “فَيُتْحِفُونَه”، أي: يُعطونَه الهديَّةَ، والمرادُ بها هنا الطَّعامُ، ويُصيبُ عندَهم ما به حاجةٌ إلى هذه “الجَرعةِ”، أي: الشَّرْبَة الواحدِة مِنَ اللَّبنِ، ويقولُ المقدادُ رضِي اللهُ عنه: فَأَتَيتُها فَشرِبتُها، فَلمَّا أنْ “وَغَلَتْ” في بَطنِي، أي: دخلَتْ فيه وتمكَّنَتْ منه، وعلِمْتُ أنَّه ليس إليها سبيلٌ، أي: طريقٌ، قال نَدَّمَنِي الشَّيطانُ، أي: جَعلَنِي نادمًا، فقال: وَيحَكَ! والوَيْحُ الزَّجْرُ لِمَنْ أشرفَ على الهلكةِ، ما صنعْتَ؟ أَشرِبْتَ شرابَ محمَّدٍ؟ فَيَجيءُ فلا يَجدُه فَيدعو عليكَ فَتهلِكُ، فتذهبُ، أي: تَضيعُ عليكَ دُنياكَ وآخرتُكَ، وعلَيَّ “شَملَةٌ” وهي كِساءٌ صغيرٌ يَشتمِلُ به، أي: يَلتحِفُ به على كيفِيَّةٍ مَخصوصةٍ، إذا وضعْتُها على قدمَيَّ خرَجَ رأسْي، وإذا وضعْتُها على رأسْي خرَجَ قَدمَايَ دليلٌ على صغَرِها، وجعلَ لا يَجيئُني النَّومُ؛ نتيجةَ فِعْلي هذا، وأمَّا صَاحِبايَ فَنامَا ولم يصنَعَا ما صنعْتُ، أي: لم يَشرَبَا نَصِيبَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. قال فجاءَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَسلَّمَ كما كان يُسلِّمُ بِصوتٍ معتدلٍ، ثُمَّ أتى المسجدَ، يعني به مسجدَ بيتِه، أي: حيثُ كان يُصلِّي النَّوافلَ، ثُمَّ أتى شَرابَه فَكشَفَ عنه، أي: رَفَعَ الغِطاءَ عنه فلمْ يَجِدْ فيه شيئًا، فَرفعَ رأسَه إلى السَّماءِ، فقال المقدادُ رضِي اللهُ عنه: الآنَ يَدعو علَيَّ فَأهلِكُ، فَدعا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللَّهمَّ أَطعِمْ مَن أطعَمَنِي، واسْقِ مَن سَقانِي فَلم يَسألْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن نَصيبِه، ولم يُعرِّجْ على كلِّ ذلك، لكنَّه دعا اللهَ تعالى، ولَمَّا فَهِمَ المقدادُ رضِي اللهُ عنه منه الدُّعاءَ وطلَبَ أنْ يفعلَ اللهُ ذلك معه في الحالِ عَرَفَ أنَّ اللهَ يُجيبُه ولا يردُّ دعوَتَه لا سِيَّما عند شدَّةِ الحاجةِ والفاقةِ، فقامَ لِينظُرَ له شيئًا تكونُ به إجابةُ دعوتِهِ فأخَذَ الشَّفرةَ، أي: السِّكِّينَ وذَهبَ إلى الأعنُزِ الثَّلاثِ أَيُّها أَسمَنُ فَيذبحُها لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَوجدَ الأعنُزَ “حُفَّلًا”، أي: مُمتلِئَةَ الضُّروعَ بِاللَّبنِ، قال: فَعمدْتُ إلى إناءٍ لآلِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما كانوا يَطْمعونَ أنْ يَحتَلبُوا فيه، أي ما كانوا يَحتلِبونَ فيه، قال: فَحلبْتُ فيه حتَّى علَتْهُ “رَغوةٌ” وهو ما يَعلو اللَّبَنَ عند الصَّبِّ والحلْبِ، فَجئتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَسألَني: أَشرَبْتُم شَرابَكمُ اللَّيلةَ؟ فَأجبْتُه: يا رسولَ اللهِ اشرَبْ فَشرِبَ ثُمَّ نَاولنِي، أي: أعطاني الإناءَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ اشربْ، فَشرِبَ ثُمَّ نَاولَني، فَلمَّا عرفْتُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد رَوِيَ مِن عطَشِه، وأصبْتُ دَعوتَه، ضحِكتُ حتَّى أَلقيْتُ نَفْسي إلى الأرضِ مِن شِدَّةِ الفَرحِ بها، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إحدى سَوآتِكَ يا مِقدادُ، أي: هذه الحالةُ حالةٌ سيِّئَةٌ مِن جملةِ حالاتِكَ الَّتي تَسوءُ مِنكِرًا لذلك؛ لأنَّ كثرةَ الضَّحكِ يُميتُ القلْبَ، فَأخبرَ المقدادُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما كان مِن أمْرِه وفِعلِه فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما هذه إلَّا رحمةٌ مِنَ اللهِ؛ اعترافًا بِفضْلِ الله تعالى، وشكرًا لِنعمَتِه، وإقرارًا بِمنَّتِه، أَفَلا كنْتَ آذَنْتَنِي، أي: أَعلمْتَني وأَخبرتَنِي، فَنوقظُ صَاحبَيْنَا فَيُصيبانِ منها، أي: يَشربانِ مَعنا، فقال المقدادُ رضِي اللهُ عنه: والَّذي بَعثكَ بِالحقِّ ما أُبالي، أي: ما أَهتمُّ إذا أَصبْتَها وأَصبْتُها معكَ مَن أصابَها مِنَ النَّاسِ، والمعنى: أنَّ الفَرحةَ كلَّ الفرحةِ أنَّكَ شَربتْ منها يا رسولَ اللهِ ولو شَرِبَ معك النَّاسُ جميعًا.
أيها المسلمون
إننا لا نكاد أن نحصي الكم الهائل من الصور الرائعة التي يحويها هذا الحديث بين ثناياه، ومنها : رحمة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي أرسله ربه رحمة للعالمين.. فالحديث يظهر تعاملاً فيه من الأبوة والحنان والرحمة بأصحابه ما لا تخطئه العين. وفي قوله (صلى الله عليه وسلم) : « احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا » فيه دلالات كثيرة، فهو لم يقل احلبوه لي، وفي ذلك رسالة للقادة والزعماء في كيفية التعامل مع من هم تحتهم تواضعاً وإيثاراً ورحمة وعطفا. وفي قوله المقداد : (فَيَجِيءُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لاَ يُوقِظُ نَائِمًا وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ ) فيه بيان لرقة نبينا صلى الله عليه وسلم وسموّ أخلاقه ، وهذا أدب نحتاجه في بيوتنا ،وفي كل مكان نغشاه، وفي قوله : (فَعَمَدْتُ إِلَى إِنَاءٍ لآلِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتَلِبُوا فِيهِ – قَالَ – فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ رَغْوَةٌ ) فيه شاهد ودليل على بركة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الأعنز لم يعهد بهنّ أن يكنّ حفّلاً باللبن ،وفي الحديث بيان احبّ الصحابة الشديد لنبيهم صلى الله عليه وسلم ، فهذا المقداد (رضي الله عنه) لم تهنأ نفسه ولم يرق له جفن فرقاً مما فعله مع نبيه، ثم هو يفزع لدى سماعه حبيبه يدعو« اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي ». فإذ به يسارع مباشرة شفقة على حبيبه الجائع، وطمعاً أن يكون هو من يحظى بتلك الدعوة. لا يبالي في سبيل تحقيقها أن يذبح أعنز نبيه صلى الله عليه وسلم!! أو ألا يصيب صاحبيه شيء من ذلك (وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُبَالِى إِذَا أَصَبْتَهَا وَأَصَبْتُهَا مَعَكَ مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاسِ) . وفي قصة الحديث بيان لفضل الصحابي الجليل المقداد بن الأسود وظرفه وخفة ظله، وحلاوة روحه المرحة، وقد انعكس ذلك على تعامل النبي صلى الله عليه وسلم معه بروح مرحة ومداعبة لطيفة راقية فيها دلالة على حبّ النبي صلى الله عليه وسلم له، وفيه لفتة تربوية راقية لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين القائد وجنوده والحاكم وأتباعه من معرفة عميقة بطبائعهم ونفسياتهم.
وفي قصة الحديث صورة واضحة تجسد تضحية أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحمّلهم الجوع والعطش والفاقة في سبيل الله. يقول فيها المقداد رضي الله عنها (ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ) ،والحديث يرسم لنا صورة مضيئة مشرقة للنّفس المؤمنة السويّة التي تتغلب فيها النفس اللوّامة على النّفس الأمّارة بالسوء ، حتى إنّ المقداد رضي الله عنه يصوّر لنا مشهداً متخيّلاً عجيباً بينه وبين شيطانه بتفاصيل دقيقة تبهر السامعين ، وذلك الصحابي الجليل يعطينا تطبيقاً عملياً لكيفية معالجة النّفس عندما تمرّ بحالة ضعف وانخفاض في منسوب الإيمان أو التقوى، بسرعة أوبتهم ومسارعتهم لإتباع السيئة الحسنة، فقد اجتهد للتكفير عن فعلته بشربه نصيب النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن بأن يعوضه بما هو أفضل فقال: (وَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الأَعْنُزِ أَيُّهَا أَسْمَنُ فَأَذْبَحُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ). وفيه إننا عندما نرتكب خطأً أو نعصي الله، فلنتذكر أنّه واسع الرحمة والمغفرة، وأنّ رحمته سبقت غضبه، فالمشهد كان يعكس جميل رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بحلم ربّ العباد وسعة رحمته ورأفته بعباده..
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا .. اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد والثمرات التي يمكن لنا أن نستنبطها من قصة هذا الحديث : أولا : ففي الحديثِ: دَلائلُ نبوَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ثانيا : وفيه أيضا : أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السَّلامَ عند دخولِ البيتِ. ثالثا : وفيه: كرَمُ أخلاقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونَزاهةُ نفْسِه، قال النووي رحمه الله: “وفيه [في الحديث] مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحِلْم وَالْأَخْلَاق الْمُرضِيَة وَالْمَحَاسِن الْمُرْضِيَة وَكَرَم النَّفْس وَالصَّبْر وَالْإِغْضَاء عَنْ حُقُوقه ; فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَل عَنْ نَصِيبه مِنْ اللَّبَن.”. رابعا : وفيه: فضْلُ الْمِقدادِ بنِ عَمْرٍو رضِي اللهُ عنه خامسا : فيه بيان لمشروعية السلام ولو لم يكن أحد.ـ وخفض الصوت بالسلام لمن كان نائما ـ وشأن قيام الليل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .ـ ومشروعية القيام في المسجد . وعدم الجلوس قبل الركعتين . سادسا : وفيه أيضا : الحذر من ووسوسة الشيطان وشراكه، وفضل التراجع للصواب وعدم التمادي في الغلط. سابعا : فيه الدعاء للمحسن والخادم ولمن سيفعل خيرا. ثامنا : وفيه خوف الصحابة من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم ، وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه
الدعاء