خطبة حول حديث (لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةُ)
مايو 7, 2022خطبة عن ( الدليل على أن من مات يهوديا أو نصرانيا فهو كافر)
مايو 14, 2022الخطبة الأولى ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (34) :(36) القلم
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (35) :(36) القلم ، يقول ابن كثير في تفسيرها : أي : أفنساوي بين هؤلاء وهؤلاء في الجزاء ؟ كلا ورب الأرض والسماء ; ويقول الطبري : أفنجعل أيها الناس في كرامتي ونعمتي في الآخرة الذين خضعوا لي بالطاعة، وذلوا لي بالعبودية، وخشعوا لأمري ونهيي، كالمجرمين الذي اكتسبوا المآثم، وركبوا المعاصي، وخالفوا أمري ونهيي؟. وقال السعدى :(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ) فإن حكمته تعالى لا تقتضي أن يجعل المسلمين القانتين لربهم، المنقادين لأوامره، المتبعين لمراضيه كالمجرمين الذين أوضعوا في معاصيه، والكفر بآياته، ومعاندة رسله، ومحاربة أوليائه،وفي الوسيط لطنطاوي : أنحيف في أحكامنا فنجعل الذين أخلصوا لنا العبادة . كالذين أشركوا معنا آلهة أخرى؟ أو نجعل الذين أسلموا وجوههم لنا ، كالذين فسقوا عن أمرنا؟ كلا ، لن نجعل هؤلاء كهؤلاء ، فإن عدالتنا تقتضى التفريق بينهم . وهكذا يبين الله تعالى لنا في هذه الآية الكريمة ، أنه ليس من العدل أن يتساوى من خاف مقام ربه فأطاع أوامره واجتنب معاصيه ، مع من عاداه وأصر على العداء ،فكفر وعصاه ، وصد عن سبيله ، وحارب شرائعه وأولياءه , لا يحكم عقل سليم بينهم بالمساواة في المكانة ولا في الجزاء. فهذا المجرم ـ الذى لا يمكن أن يكون مسلما مسالما أو مسلما ـ بل تراه بطل الأحداث المؤلمة في مسيرة ، لا يمكن أن يستوي في ميزان رب العزة مع المسلم المسالم الساعي في الخير وارضاء الله عزو جلّ ، لذا يقول الله تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ؟ ).
ولكننا في الحياة الواقعية للبشر ،حيث ينتشر الظلم ،وحيث يحكم المجرمون البلاد والعباد ـ تجد العكس ، وهو أن يتعرض للظلم والاضطهاد الصالحون بأعمالهم ،المسالمون ، الدعاة للحق والخير والسلام والعدل ، ويتحكم فيهم المجرمون الذين يقلبون الحق باطلا والباطل حقا . وحتى في مجالات العمل تجد أولئك الفجّار الظالمون المستبدون لا يقرّبون منهم إلا (أهل الثقة ) أي الذين يثقون في ولائهم ،والذين يشاركونهم في فسادهم وظلمهم ، يفتحون لهم أبواب التوظف والترقي التي يغلقونها أمام ذوى الخبرة ،الذين لا يجيدون الرقص والاستبداد ، لذا قال الله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار ) ( ص 28 )، ولكن ماذا تقول حين يتحكم الفجار المستبدون المجرمون في شعب بأكمله ، ويذيقونه الظلم والقهر والتعذيب ، ثم لا يكتفون بالتحكم في الدنيا ، بل يتحكمون في الدين ، فيضطهدون من يخالفهم في فسادهم ، فهم قوم يتطهرون ؟ ، فمن ينافقهم ويوافقهم يحيطونه بالوظائف والمخصصات والمكافئات والعلاوات والأراضي والقصور و الشاليهات ، ومن يخالفهم فمصيره التعذيب والسجن والتشريد .
أيها المسلمون
نعم لا يستوي من يصدون عن سبيل الله، ويطلبون السبل المعوجة، ولا يقيمون وزناً لما بعد هذه الحياة. والذين يعملون الصالحات، والذين هداهم الله إلى الحق المبين، فاطمأنت قلوبهم إلى رحمة الله ورضوانه، قال الله سبحانه: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [هود:24]. فقد جاءت هذه الآية الكريمة توضيحاً وتبياناً وتذكيراً للفارق بين المؤمنين والكافرين، بين المؤمنين الذين فتحوا بصائرهم وأبصارهم للحق المبين، وبين الذين أعموا أبصارهم، فضلوا عن سواء السبيل؛ فكلاهما لا يستويان في الصفات والمزايا والتوجهات والأهداف، مثلما لا يستوي الأعمى والأصم، والبصير والسميع في الخلقة والتكوين، والحركة والنشاط.
أيها المسلمون
ومن المؤسف والمحزن أننا نسمع أحيانا من يقول : الكفار أحسن خُلقاً من المسلمين ، فمن قال إن أخلاق الكفار أفضل من أخلاق المسلمين – بهذا الإطلاق – فهذا محرم لا شك في ذلك ، بل يستتاب صاحبه ، لأن رأس الأخلاق وأهمها الخلق مع الله تعالى ، والأدب معه ،وترك عبادة ما سواه ، وهذا متحقق في المسلمين دون الكافرين ، كما أن فيه تعميما على كل المسلمين ، ولا بد أن يكون منهم من هو قائم بأخلاق الإسلام ، وبشرع الله تعالى .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويكفي الكفار سوء خلق ما فعلوه مع ربهم جل وعلا وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام ، فقد سبوا الله تعالى ، وادعوا له الولد ، وقدحوا في أنبيائه وكذبوهم ، فأي خلق يفيدهم مع الناس إذا كانت أخلاقهم مع ربهم جل وعلا من أسوأ الأخلاق .ثم كيف نرى أخلاق عشرة أو مائة من الكفار ، ونحكم عليهم بأن أخلاقهم جيدة ، ونسينا أخلاق أكثرهم من اليهود والنصارى ، فكم غدروا بالمسلمين ، وكم أفسدوا ديارهم ، وكم فتنوهم عن دينهم ، وكم أضاعوا من ثرواتهم ، وكم مكروا وتربصوا وتجبروا وطغوا .. إن خلق بعضهم الجيد لا يساوي شيئا أمام خلق أكثرهم القبيح ، فضلا على أن خلقهم هذا لا يقصدون منه نفس الخلق ، وإنما يقصدون منه نفع أنفسهم ، واستقامة أمورهم الدنيوية ، وتحصيل مصالحهم ، في أغلب أحوالهم . نعم هناك من بين المسلمين ممن ساءت أخلاقهم ،وذلك نتيجة لبعدهم عن دينهم ، ولكن هؤلاء لا يمثلون الاسلام والمسلمين ، بل من الواجب علينا أن ننصحهم ليعودوا إلى دينهم وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن وصف الكفار بالصدق والأمانة وحسن العمل ؟ فأجاب بقوله : هذه الأخلاق إن صحت مع أن فيهم الكذب والغدر والخيانة والسطو أكثر مما يوجد في بعض البلاد الإسلامية وهذا معلوم ، لكن إذا صحت هذه فإنها أخلاق يدعو إليها الإسلام ، والمسلمون أولى أن يقوموا بها ليكسبوا بذلك حسن الأخلاق مع الأجر والثواب . أما الكفار فإنهم لا يقصدون بها إلا أمرا ماديا فيصدقون في المعاملة لجلب الناس إليهم . لكن المسلم إذا تخلق بمثل هذه الأمور فهو يريد بالإضافة إلى الأمر المادي أمرا شرعيا وهو تحقيق الإيمان والثواب من الله – عز وجل – وهذا هو الفارق بين المسلم والكافر . فهؤلاء مهما عملوا من الخير فإنه نزر قليل مغمور في جانب سيئاتهم ، وكفرهم ، وظلمهم فلا خير فيهم . وصدق الله العظيم إذ يقول : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (35) :(36) القلم
الدعاء