خطبة عن (المؤمن لاَ يَدْخُلِ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إِزَارٍ ولاَ يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ)
مايو 7, 2022خطبة عن سُنن الْفِطْرَةِ وحديث (عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ)
مايو 7, 2022الخطبة الأولى ( مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي وحسنه ، وأبو داود ، وصححه الألباني : (عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا ».
إخوة الإسلام
لقد عَظَّمَ الإسلامُ كلَّ ما مِن شأنِه أن يُنمِّيَ العَلاقاتِ الحَسَنةِ بَينَ المُسلِمينَ، واهتَمَّ بكلِّ ما يَدْعو إلى التَّرابُطِ الاجتِماعيِّ ،والتَّسامُحِ والتَّحابِّ بينَ أفرادِ المجتمَعِ ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “ما مِن مُسلِمَينِ يَلتَقِيانِ”، أي: يَجتَمِعانِ في طَريقٍ أو نَحوِه، “فيتَصافَحانِ”، أي: فيُسلِّمُ أحَدُهما على الآخَرِ مُصافَحةً باليَدِ، “إلَّا غُفِرَ لهما”، أي: كان ثَوابُهما مَغْفِرةً مِن اللهِ تعالى، “قَبْلَ أن يَفْتَرِقا”، أي: يُغْفَرُ لهما في ذلك الموقِفِ قبلَ أن يَتْرُكَ أحَدُهما الآخَرَ، فيَفْترِقا في الطُّرُقِ، وفي هذا بيان بأن المصافحة عند اللقاء والسلام من آداب الإسلام وأخلاقه الكريمة ، فهي تعبير عن المحبة والمودة بين المتصافحين ، كما أنها تذهب الغل والحقد والكراهية بين المسلمين ، وقد كانت المصافحة من العادات المشهورة بين الصحابة رضوان الله عليهم . فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : هَلْ كَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وقال ابن بطال : المصافحة حسنة عند عامة العلماء . وقال النووي : المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي . وتقع المصافحة حين يضع الرجل صفح كفه في صفح كف صاحبه ، ولذا فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن المصافحة باليد الواحدة هي السنة المجزئة ، وهي العادة المطردة التي كانت بين المسلمين وبين الصحابة رضوان الله عليهم . يقول الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” : ” الأخذ باليد الواحدة في المصافحة ، وقد جاء ذكرها في أحاديث كثيرة ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمَّا جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَدْ جَاءَكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ جَاءَ بِالْمُصَافَحَةِ ». رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد صحيح. ورَوَى التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ « لاَ ». قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ « لاَ ». قَالَ أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ « نَعَمْ ». وروى الطبراني في ” الأوسط ” ( إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر )
والمصافحة لابد أن تكون من قلبك، وليست مجرد يد تلامس يدًا أخرى، دون إحساس بالانتماء أو الحب أو الإخوة ، فالنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وهو خير الأنام، كان لا ينزع يده من يد من صافحه قبل أن ينزع المصافح يده، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ لاَ يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ الَّذِى يَنْزِعُ وَلاَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِى يَصْرِفُهُ) والمصافحة من الأمور التي تظهر الود والحب بين الناس ، فقد روى البخاري ومسلم عن كعب بن مالك في معرض الحديث عن توبته بعد تخلفه عن غزوة تبوك قال: « وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ . قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَىَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَىَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ، ..». فهذا مما يؤكد أن المصافحة تعني الفرح، والإخوة في الله، فلماذا إذن نفتقدها الآن، من غير سبب، أو عذر؟، بل إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتطيبون قبل السلام على الآخرين، فأين نحن منهم الآن ، ففي صحيح الأدب المفرد للبخاري : (عن ثابت البناني: ” أن أنساً كان إذا أصبح ادهن يده بدهن طيب، لمصافحة إخوانه”. وإذا كانت المصافحة سنة مؤكدة ، ومجمع عليها عند التلاقي، إلا أننا نرى كثيرًا من الناس يشير بعضهم لبعض من بعيد، دون سلام، ودون التفوه بكلمات السلام ، فقط يقومون بالإشارة بالأيدي ، وهو أمر لم يرد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضوان الله عليهم أجمعين.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما ما ذهب إليه بعض الفقهاء من الحنفية والمالكية من استحباب المصافحة بكلتا اليدين ، فيضع بطن كفه اليسرى على ظهر كف أخيه ، فهذا لم يثبت فيه سنة معتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، وإنما غاية ما فيه أنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يد الصحابي بكلتا كفيه لمزيد عناية من تعليم وإرشاد وغيره ، ومع هذا ، فلا توصف المصافحة باليدين جميعا بأنها بدعة ، بل هي أمر جائز ، غير أن السنة والأفضل الاقتصار على المصافحة بيد واحدة ، فقد جاء عن حماد بن زيد أنه صافح عبد الله بن المبارك بكلتا يديه ، كما في صحيح البخاري معلقا وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” : ” أما المصافحة باليدين جميعا فلا نعلم فيه شيئا ، ولكنه لا ينبغي ، فالأَوْلى أن يكون بواحدة “ ، أما عن التقبيل أثناء المصافحة : فعن صفوان بن عسال رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فأتيا رَسُول اللَّهِ ﷺ فسألاه عن تسع آيات بينات، فذكر الحديث إلى قوله: فقبلا يده ورجله وقالا: نشهد أنك نبي. رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وغيره بأسانيد صحيحة. وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما قصة قال فيها: فدنونا من النبي ﷺ فقبلنا يده. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ. وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورَسُول اللَّهِ ﷺ في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه النبي ﷺ يجر ثوبه فاعتنقه وقبله. رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. كما يستحب التقبيل مع مصافحة الوالدين مع أولادهما. والمحارم بعضهم مع بعض، كما فعله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع فاطمة، والحسن، والحسين، وأسامة رضي الله عنهم. وكذا الزّوج مع زوجته. ومع من طالت غيبتُه، كما فعله جابر بن عبد الله مع عبد الله بن أنيس رضي الله عنهم ، أو من طالَ جفاؤُك له، فإنّ الجفاء والهجر له حكم طول الغياب، ولعلّه يذيب جليد اللّوم والعتاب. وفي هذا الحديثِ فوائد جمة ومتعددة ومن أهمها : الحثُّ على إفشاءِ السَّلامِ، وبيانُ عَظيمِ أَجْرِ مُصافَحةِ المسلِمِ لأخيه المُسلِمِ.
الدعاء