خطبة عن (جزاء من لم يؤمن بالقرآن)
مايو 21, 2022خطبة عن (حقيقة الموت)
مايو 22, 2022الخطبة الأولى ( حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه : (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ لاَ تُسْبَقُ – قَالَ حُمَيْدٌ أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ – فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، حَتَّى عَرَفَهُ فَقَالَ : « حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ »
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي يبين لنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة من سنن الله في خلقه ، ألا وهي : (لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ الله) ،فمِن سُنَّةِ اللهِ في خَلْقِه أنَّ بعدَ الصُّعودِ يكونُ الهبوطُ، ، فمهما ارتفعَ شيءٌ في الدُّنيا ،وضَعَه اللهُ تعالى، ففي هذا الحديث : عندما سبَقَتْ قَعودٌ لِأعرابيٍّ، ناقةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الَّتي كانت تُسمَّى العضْبَاءَ، وكانتْ ناقةً لا تُسبَقُ، وشَقَّ ذلك على المسلمينَ حتَّى عُرِفَ وظَهرَ على وُجوهِهم، فقال لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (حقٌّ على اللهِ ألَّا يَرتفعَ شيءٌ مِنَ الدُّنيا إلَّا وَضعَه)، فبيَّن لهم أِنَّ هذه سُنَّةُ اللهِ في خلْقِه ، فكل ارتفاع يكون في الدنيا فإنه لابد أن يئول إلى انخفاض، فإن صحب هذا الارتفاع ارتفاع في النفوس ،وعلو في النفوس ،فإن الوضع إليه أسرع ، لأن الوضع يكون عقوبة، وأما إذا لم يصحبه شيء، فإنه لابد أن يرجع ويوضع كما قال الله تبارك وتعالى :(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ) (يونس: 24) ، أي ظهر فيه من كل نوع. (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَاأَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) (يونس: 24) أي ذهبت كلها. فكل هذه الزينة، وكل هذا النبات الذي اختلط من كل صنف، كله يزول كأن لم يكن، وهكذا الدنيا كلها تزول كأن لم تكن، حتى الإنسان نفسه يبدو صغيراً ضعيفاً، ثم يقوى، فإذا انتهت قوته عاد إلى الضعف والهرم، ثم إلى الفناء والعدم، فما من شيء ارتفع من الدنيا إلا وضعه الله عزّ وجلّ. وفي قوله عليه الصلاة والسلام : (مِنَ الدُّنْيَا) دليلٌ على أن ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله، فقوله تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (المجادلة: 11) ، هؤلاء لا يضعهم الله عزّ وجلّ ما داموا على وصف العلم والإيمان ، فإنه لا يمكن أن يضعهم الله؛ بل يرفع لهم الذكر ، ويرفع درجاتهم في الآخرة .
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم « حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ » : تنبيه إلى عدم المباهاة ،وترك المفاخرة ،وإلى هوان الدنيا على الله، وأنها ناقصة، لا ينبغي الاهتمام بها، والركون إليها، فهذه الدار ليست محلَّ تمام النعيم، فإنها منغصة ،ويعتريها ما يعتريها من النَّقص، حتى ولو كان الرسلُ وهم أفضل الخلق عليهم الصلاة والسلام يُصيبهم من اللَّأْواء والبلاء ما يُصيبهم، وبيَّن ﷺ أنَّ هذه الدنيا ما هي دار نعيم، ولا دار كمال، ولكنها دار امتحان، ودار عبادة، ودار عمل، وفي قوله صلى الله عليه وسلم « حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ » : أمل لنا أن تزول عروش الظلم ،وأمل لنا أن يزول قانون الطغاة القائلين بمقولة فرعون : (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (29) غافر ، فلتبشر أمة الإسلام …فالبقاء على الحال من المحال .. وثق بالله أيها المؤمن ولا تغتر بما يفعل الطغاة المغترين بقوتهم ،فهم أهل الفتن الذين يوقدون نارها ،ويسعّرونها من خلف الكواليس ،وتراهم أمام الناس وكأنهم ناصحين ، كما قال الله تعالى على لسان فرعون : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر (26) ،فهم قد جمعوا بين الفساد والنفاق ،وتلك هي حال الطغاة على مر العصور، يراهم الناس في حالة من الرفعة والقوة ،ولكنها مؤقتة ومزيفة ،لو كانوا يعلمون ،ومصارِع الأُمم شاهدة على ذلك ، فقد اعتزت أُمَم بِقُوّتَها فأذَلَّها الله ، قال الله تعالى : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) النحل : 26 ، واعْتَزّ شيخ الطُّغاة ” فِرعون ” بِكثرة قومه ، وبأن أنهار مصر تجري مِن تحته … فأخرجه الله منها ذليلا صاغِرا … وأغرقه في الماء الذي كان يزعم أنه يملكه ! وفي النهاية ، كان حالهم كَحَال “إبليس” (إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) (16) ،(17) الحشر ، ومما يستفاد من هذا الحديث أيضا : أنه عندما شاهد الرسول وجوه الصحابة التي تملكها الحزن والأسف على ما حدث، وقف أمامهم رافضاً موقفهم هذا، قائلاً لهم صلوات الله وسلامه عليه: « حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ » موضحاً لهم بذلك أن النصر والغلبة منه سبحانه، وهو وحده من يقرر من ينتصر ومن لا ينتصر، وأن علينا تقبّل قضائه في جميع الأحوال والظروف، وأن الاعتراض على حكمه وقضائه ليس من الإيمان في شيء، فإن المؤمن الحق هو من يرضى بحكمه وقضائه مهما كان هذا القضاء، كما يوضح أيضاً أنه ليس هناك شيء دائم في هذه الحياة، فمهما نال الإنسان من رفعة فيها ومهما نال من مناصب، فلا بد أن يأتي يوم ويزول منه كل هذا، لأن الحياة هي بذاتها دار زوال، وحالها لا يدوم على حال، فعلى الإنسان أن يخلص في عمله ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب.
أيها المسلمون
ومما يستفاد أيضا من هذا الحديث : تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتواضع لأصحابه ويعاملهم برأفة ورحمة ويَلين لهم ويبتسم بوجوههم وهو الذي كان يقول لهم كما في صحيح مسلم: « وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ». لقد كانت الفتاة الصغيرة تستوقفه – عليه الصلاة والسلام – وتكلمه، فيجيبها، وتأخذ بيده فينقاد لها، وتذهب به لحاجتها أي مكان كان قريباً أو بعيداً. ففي صحيح البخاري: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ( كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ) . وفيه أيضا : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ » . فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ » قال أنس: ليس من المعيب أن يعمل الإنسان بأجر زهيد ومهنة بسيطة، إنما العار أن يمد يده يتكفف الناس وهو قادر على العمل. ومن صور تواضعه صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ ، وَلَوْ أُهْدِىَ إِلَىَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ » والكراع هو ساق البقر أو الغنم لا لحم فيها.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَىْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور تواضعه ما رواه مسلم في صحيحه : (قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَخْطُبُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لاَ يَدْرِى مَا دِينُهُ – قَالَ – فَأَقْبَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَىَّ فَأُتِىَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا – قَالَ – فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا. ومِن صور ومظاهر تواضعه عليه الصلاة والسلام ما قالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سألها أحدهم: ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ)، فكان صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله ، يُفَلّي ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويعلف ناقته، وينظف البيت، ويأكل مع الخادم لا يتكبر عليها، ويعجن معها، ويحمل بضاعته من السوق .. وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير خلقه، أفلا نتخذه أسوة وقدوة فنفعل ما يفعل؟،
الدعاء