خطبة حول حديث (إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ)
يونيو 4, 2022خطبة عن (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ)
يونيو 4, 2022الخطبة الأولى ( الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي وغيره بسند حسنه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- « الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ ».
إخوة الإسلام
في هذا الأدب النبوي ، يوجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمور منها : أن يستشير المسلم أصحاب الرأي والعلم والحكمة فيما يلتبس عليه أمره ، وفي نفس الوقت يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم المستشار أن يكون أمينا في نصحه وارشاده ، مبينا لمن استشاره الوجهة الصحيحة ، والطريق القويم ، وأن يكون أمينا على أسرار من استشاره ،وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم لنا تطبيقاً عملياً لهذا الخلق الرفيع، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد: ( عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الهيثم: ” هل لك خادم؟”. قال: لا. قال: “فإذا أتانا سبيٌ، فأتِنا”. فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالثٌ، فأتاه أبو الهيثم. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” اختر منهما”. قال: يا رسول الله ! اختر لي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن المستشار مؤتمن، خذ هذا؛ فإني رأيته يصلي، واستوص به خيراً”. فقالت امرأته : ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تعتقه. قال: فهو عتيق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة، إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانةً لا تألوه خبالاً، ومن يوق بطانة السوء فقد وُقيَ”. ومثال آخر لنصح النبي -صلى الله عليه وسلم – للمستشير ما أخرجه مسلم في صحيحه : (عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ. فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ ». فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِى بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ « تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّى عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي ». قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتَقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ». فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ « انْكِحِى أُسَامَةَ ». فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ بِهِ ). ، وقال الامام علي – رضي الله عنه -: «المشاورة حصن من الندامة وأمن عن الملامة»، وقيل: «الأحمق من قطعه العجب عن الاستشارة، والاستبداد عن الاستخارة». وقال الشيخ ابن سعدي مبيناً فضل الاستشارة: «المشاورة تنور الأفكار، وتحل الاشتباه والإشكال، وتبلغ العبد الآمال، المشاورة عنوان العقل، والاستبداد من نتائج الجهل، ما ندم من استعان بالله واستخاره، وشاور الناصحين». فمن المحمود أن يرجع المرء إلى غيره ليستشيره في أمره، ويستظهر برأيه عاقبة فعله، وينبغي للعاقل أن يختار من يستشير، فليس كل بالغ عاقل، ولا كل عاقل رشيد، ولهذا قال الراغب في الذريعة: «لكن اعتبار من تجوز أن تعتمد مشاورته صعب جدًّا، فإنه يحتاج أن يكون صديقًا أمينًا مجربًا حازمًا ناصحاً رابط الجأش، غير معجب بنفسه، ولا متلون في رأيه، ولا كاذب في مقاله، فمن كذب لسانه كذب رأيه، ويجب أن يكون فارغ البال في وقت ما يستشار». ، والاستشارة والنصح فيها من حقوق المسلم على أخيه المسلم ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ». قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ».، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «دعُوا الناس يُصيب بعضهم من بعض، فإذا استنصح رجل أخاه فلينصحه» أخرجه الطبراني وصححه الألباني ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يصور علاقة المسلم بأخيه كالمرآة التي يبصر بها نفسه فيرى فيها ما لا يراه بعينه من المحاسن والمثالب، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الْمُؤْمِنُ مَرْآةُ أَخِيهِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ» أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
أيها المسلمون
« الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ »، فعلى كل مستشار في أمر الدين أو الدنيا أن يتعرف أولا على أحوال من استشاره ،ليقدم له المشورة التي تتفق وأحواله ، وعليه أن ينظر له نظرَه لنفسه ، ونظره لأحب الناس إليه ،كابنه وأخيه ، وأن إبداء المشورة على هذا النحو، هو كأداء الأمانة ، وردِّ الوديعة إذا طلبت منه ، فإن كان المستشار من أهل العلم والصلاح ، تأكد في حقه تجويد المشورة ، وإخلاص النصح ، لا سيّما وأنه يعلم الأحكام الشرعية ، وما يحِلُّ وما يحرم ، وما يكون به مصلحة المستشير في دينه ، فيقدمها له عند المشورة إذا تعارضت مع مغنم من مغانم الدنيا ، ولهذا ينبغي للعاقل الفطن ألا يستشير إلا أهل العلم العاملين ، والمعروفين بالصلاح والاستقامة وكمال العقل ، فهؤلاء هم الذين يخلصون النصح ، ويعرفون المصالح، بما لديهم من تقوى وبما عندهم من العلم . قال المناوي في فيض القدير : (المستشار مؤتمن) أي : أمين على ما استشير فيه ،فمن أفضى إلى أخيه بسرِّه ،وأمِنه على نفسه ،فقد جعله بمحلها، فيجب عليه ألا يشير عليه إلا بما يراه صوابا، فإنه كالأمانة للرجل الذي لا يأمن على إيداع ماله إلا ثقة ، والسرُّ قد يكون في إذاعته تلف النفس ،وهذا أولى بأن لا يجُعل إلا عند موثوق به ، وفيه حثٌّ على ما يحصل به معظم الدين وهو النصح لله ورسوله وعامة المسلمين ، وبه يحصل التحابب والائتلاف، وبضده يكون التباغض والاختلاف ، وقالوا : يحتاج المشير والناصح إلى علم وعقل وفكر صحيح ورؤية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة وتأنٍّ ، فإن لم تجمع هذه الخصال فخطأه أسرع من إصابته ،فلا يشير ولا ينصح ، قالوا : وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
( الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ ) : فعلى المستشار أن يحرص على الصدق والنصح، ويحذر الكتمان والغش لمن سأله المشورة، فالغش محرم في الدين كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: « وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا » أخرجه مسلم، والغش أنواع عديدة، ومنها الغش في النصح، والمراد به عدم الإخلاص للمنصوح وإرشاده إلى غير المصلحة. وقال البهوتي في كشاف القناع : وعلى من استشير في خاطب أو مخطوبة أن يذكر ما فيه من مساوئ :أي عيوب وغيرها ، ولا يكون غيبة محرمة إذا قصد به النصيحة والخلاصة أن المسلم قد يكون له حالتان :- الأولى: إن كان ممن يحتاج إلى مشورة ونصح فعليه أن يلتمس ذلك ممن له ديانة ظاهرة، وعقل راجح، وتجربة محمودة، فإن ذلك من محمود الخصال وحسن الأعمال. – والثانية: إن كان ممن أنعم الله تعالى عليه بالعلم ورجاحة العقل وحسن التدبير فلا يبخل على من قصده ملتمساً نصحه وتوجيهه، فإن ذلك من شكر الله تعالى أن يحسن للناس كما أحسن الله إليه، ومن القيام بحقوق المسلمين، وذلك من خصال المؤمنين.
الدعاء