خطبة حول قوله تعالى (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
يونيو 11, 2022خطبة حول حديث (الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ فِي الْمَرْأَةِ وَالْمَسْكَنِ وَالدَّابَّةِ)
يونيو 11, 2022الخطبة الأولى ( إِذَا كَانَ ثَلاَثَةٌ فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم « إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى رَجُلاَنِ دُونَ الآخَرِ، حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ » وفي رواية : (قَالَ – صلى الله عليه وسلم -:«إِذَا كَانَ ثَلاَثَةٌ فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ ».
إخوة الإسلام
قَالَ الله تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (9) ،(10) المجادلة ، فمِمَّا جاءتْ به الشريعةُ الاسلامية الغراء : تأليفُ قلوبِ المسلمين بعضِهم على بعضٍ، ولهذا نَهى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن تَناجِي الرجُلَيْن (وهو أن يُكلِّمَ الرجلُ الآخَرَ سِرًّا) بِحُضُور آخَرَ، هذا إنْ كانت النَّجْوَى في مُباحٍ، ثُمَّ بيَّن صلى الله عليه وسلم عِلَّةَ هذا النَّهيِ، فقال: (أَجْلَ أن يُحزِنَه)، أي: مِن أجلِ أنَّ ذلك يُحزِنُه؛ لِمَا قد يُوَسوِس له به الشيطانُ مِن أنَّهما يَتناجيان للإضرارِ به، أو يَحْزَن لاختصاصِ غيرِه بالمناجاةِ، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ هذا النهيَ يَزُولُ إذا كانوا في جماعةٍ وخُلْطَةٍ بالناسِ؛ لِزَوَالِ الرِّيبَة ، والنهي الوارد ظاهره التحريم ، فيحرم أن يتناجى اثنان دون الثالث ، أو مجموعة من الناس دون واحد منهم . قال النووي رحمه الله : ” وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث النَّهْي عَنْ تُنَاجِي اِثْنَيْنِ بِحَضْرَةِ ثَالِث , وَكَذَا ثَلَاثَة وَأَكْثَر بِحَضْرَةِ وَاحِد وَهُوَ نَهْي تَحْرِيم , فَيُحَرِّم عَلَى الْجَمَاعَة الْمُنَاجَاة دُون وَاحِد مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يَأْذَن ” ” شرح مسلم للنووي
وهكذا يتبين لنا أن من أهم الآداب الإسلامية احترام الآخرين وإكرامهم ، وعدم الإساءة لهم، وإيقاع الشك والحزن في نفوسهم ، ومن مقتضى هذا الاحترام والإكرام ، ومن المعلوم أن التناجي بالسوء سرّاً صفة من صفات المنافقين ، فقد قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [المجادلة:8] ، فالإسلام يأمر بجبر القلوب ،وحسن المجالسة والمحادثة ، وينهى عن كل ما يسيء إلى المسلم ويخوفه ، ويوجب له الظنون، والغاية الكبرى من هذه التوجيهات ، هي حرص الإسلام على نقاوة المجتمع من ألوان الكراهية والبغضاء والحزازات ، وزرع الفرقة بين الناس ، فعلى المسلم والمسلمة أن يكون حذراً من الإساءة لغيره في المجالس المختلطة ، فلا يتسبب في الإساءة للآخرين ، ولا يكون عوناً للشيطان في قطع عرى المودة ،والصلة بين المسلمين، والله تعالى سيحاسب كل من أساء لنفسه أو لغيره ، كما أن الله تعالى رحيم بعباده الأبرار المحبين للخير المبتعدين عن الشر والأذى.
أيها المسلمون
ويستثنى من النهي الوارد في مسألة التناجي أمور ، ومنها : أولا : إذا تناجى الاثنان بإذن الثالث ، فأذن لهم ، جاز ذلك ؛ لما روى الامام أحمد (عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ، إِلَّا بِإِذْنِهِ ،فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ ) ، ثانيا : إذا كان العدد أكثر من ثلاثة ، فيجوز أن يتناجى اثنان دون البقية ؛ لما روى أبو داود ( وفيه : قَالَ أَبُو صَالِحٍ ، فَقُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ : فَأَرْبَعَةٌ ؟ قَالَ : (لَا يَضُرُّكَ) .قال النووي رحمه الله في ” شرح مسلم ” :” أَمَّا إِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً فَتَنَاجَى اِثْنَانِ دُونَ اِثْنَيْنِ , فَلَا بَأْسَ بِالْإِجْمَاعِ) ، وقال الشيخ محمد بن عبد الهادي السندي رحمه الله : ” قَوْله : ( إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَة ) يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوز ذَلِكَ إِذَا كَانَ أَكْثَر مِنْ ثَلَاثَة ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِن أَنْ يَأْتَنِس الثَّالِث بِالرَّابِعِ ، وَأَيْضًا بِوُجُودِ الرَّابِع لَا يَخَاف الثَّالِث عَلَى نَفْسه مِنْهُمَا الشَّرّ ” ” حاشية السندي على سنن ابن ماجة ” . ثالثا : إذا كانت هناك حاجة أو مصلحة راجحة على مفسدة التناجي ، فيجوز في هذه الحال أن يتناجى اثنان دون الثالث ، فقد قال النووي رحمه الله في ” رياض الصالحين ” : باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إلا لحاجة . وقال الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله في – ذكر صورة من صور التناجي المباح – : ” ومن هذه الصور مثلاً : أحياناً يأتيك ضيف أنت وهو في المجلس فيأتي إليك ولدك أو خادمك فتضطر أن تسر في أذن الولد أو الخادم كلاماً عن تجهيز الطعام مثلاً ، أو عن تفريغ طريق مثلاً ، أو أحياناً يقول لك ولدك : إن أمي تقول كذا وكذا ، وفي هذه الحالة فقد درجت مروءة الناس على عدم الجهر بهذه الأشياء أمام الضيوف ، فهذه المسألة هي مصلحة راجحة تقاوم المفسدة المشكوك بها ، لأن الضيف سوف يقدر أن ولدك هذا عندما تسر إليه بكلام لن تقول كلاماً سيئاً عنه ، وإنما سوف ترتب أنت وإياه أمراً يتعلق بالضيافة ، أو يتعلق بداخل أهلك بداخل البيت ، فلذلك لن يحزن ، هذا مثال على التناجي الجائز ”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِذَا كَانَ ثَلاَثَةٌ فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه 🙁 قَالَ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ » ، والشيطان حريص على أن يوقع العداوة والبغضاء في نفوس الناس، ليفرقهم ، ويشغلهم بالشحناء ، والتدابر والتقاطع، ويلهيهم عن العبادة ،وعن ذكر الله، فلا يجد لذلك وسيلة إلا اتبعها، وأهم وسائله ظن السوء، فكان على المؤمنين أن يغلقوا في وجهه الأبواب التي يتسرب منها إلى غرس ظن السوء في القلوب، وكان الحديث الشريف المتصدر هذه الخطبة شاهدا على ذلك ، ومحذرا من النجوى التي تفسد العلاقة بين الناس ، وقد فهم الصحابة (رضوان الله عليهم ) هذه المسألة، فروى الإمام مالك في الموطإ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بْنِ عُقْبَةَ الَّتِي بِالسُّوقِ فَجَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَحَدٌ غَيْرِى وَغَيْرُ الرَّجُلِ الَّذِى يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَجُلاً آخَرَ حَتَّى كُنَّا أَرْبَعَةً فَقَالَ لِي وَلِلرَّجُلِ الَّذِى دَعَاهُ اسْتَأْخِرَا شَيْئًا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ ». وإذا رأيت اثنين يتناجيان فيما بينهما، وأنت لم تكن معهما، فإنه لا يجوز لك أن تدخل وتجلس بينهما، أو تقرب رأسك منهما حتى تسمع كلامهما؛ ففي المعجم الكبير للطبراني : (عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يدنو الرجل من الرجلين وهما يتناجيان إلا أن يستأذنهما ) ، وفي تأكيد منع الاستماع أو الدنو من المتناجين ،يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري : (وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، والآنك هو: الرصاص المذاب من شدة الحرارة، يوم القيامة
الدعاء