خطبة حول حديث (وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ)
يوليو 17, 2022خطبة عن العلم والعمل وحديث (مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟)
يوليو 17, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ».
إخوة الإسلام
يُبيِّن النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديث وغيره أنَّ أَحبَّ الأسماءِ إلى الله : عبد الله، وعبد الرحمن؛ لكونِهما صِدقًا، ولأنَّ لفظَ (الله) اسمُ الذاتِ، وقيل : إنَّه اسمُه الأعظمُ، والرَّحمنُ أهمُّ صفةٍ بين العبدِ وبين اللهِ تعالى، فصارتْ نِسبةُ العبدِ إلى هذَيْن اللَّفظَيْنِ أحبَّ مِن غيرِهما. وروى أبو داود وصححه الألباني : (عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ ) ، وكانت الأسماء المعبدة لله تعالى أحب إلى الله من غيرها ؛ لأن فيها إقرارا لله تعالى بوصفه اللائق به سبحانه ، والذي لا يليق بغيره ، وليس لأحد من الخلق فيه حق ولا نصيب ؛ وهو ألوهيته لخلقه سبحانه . وفيها مع ذلك الإقرار إقرارٌ من العبد بوصفه اللائق به ، والذي لا يليق به غيره ، ولا يخرج عنه طرفة عين من حياته أو أقل ، وهو وصف العبودية لربه . فَصَدَق الاسم على مسماه ، وَشُرِّفَ المسمى بإضافته إلى عبودية ربه جل وعلا ، فحصلت الْفَضِيلَة لهذه الأسماء . فالتعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية الخالصة ، والتعلق الذي بين الله وبين العبد إنما هو الرحمة التامة ، فبرحمته كان وجوده ، وكمال وجوده ، والغاية التي أوجده لأجلها أن يتعبد له وحده ، محبة وخوفا ورجاء وإجلالا وتعظيما ، فيكون عبدًا لله . وهذا هو مدلول ذلك الاسم : تعبيد صاحبه لما في اسم الله من معنى الإلهية ، التي يستحيل أن تكون لغيره . ولما كانت رحمته تسبق غضبه ، وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب ، كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر ونحوها من الأسماء .فإذا تضمن الاسم الإشارة إلى هذين المقامين ، مقام الألوهية ومقام العبودية ، أوجب تذكره الدائم مقام الذل للعبد بين يدي ربه ، واستدعى رحمة الرب سبحانه لبعده الفقير الذليل . وذكر بعض أهل العلم أن في هذين الاسمين من الخصوصية أيضا : أَنَّهُ لَمْ يَقَع فِي الْقُرْآن إِضَافَة عَبْد إِلَى اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى غَيْرهمَا , قَالَ اللَّه تَعَالَى ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْد اللَّه يَدْعُوهُ ) وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى ( وَعِبَاد الرَّحْمَن ) وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى ( قُلْ ادْعُوا اللَّه أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَن ) .وإذا كان الطفل أول ما يعي ويعقل ، يطرق ذلك الاسم سمعه ، وقر في قلبه أنه عبد الله ، وأن الله هو سيده ومولاه الرحمن الرحيم ، وسهل تربيته على ذلك .
أيها المسلمون
ومن السُّنّة أن يُسمَّى المولود في اليوم السابعِ من ولادته أو يوم الولادة ، فقد روى الترمذي: (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ ) ، وفيه أيضا 🙁 وعن سمرة بن جُندب رضي اللّه عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ”كُلُّ غُلامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِهِ، ويُحْلَقُ، وَيُسَمَّى” ، وفي سنن أبي داود، بالإِسناد الجيد، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ”إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ بأسْمائكُمْ وأسماءِ آبائِكُمْ فأحْسِنُوا أسْماءَكُمْ”، لذا فقد ورد النهي عن التسميةِ بالأسماءِ المَكْرُوهة ففي صحيح مسلم، عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ”لا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسَاراً، وَلا رَباحاً، وَلا نَجاحاً، وَلا أفْلَحَ، فإنَّكَ تَقُولُ أثَمَّ هُوَ؟ فَلا يَكُونُ، فَتَقُولُ: لا. إنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلا تَزِيدونَ عَليَّ”. وفي الصحيحين البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: ”إنَّ أخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ” وفي رواية ”أخنى” بدل ”أخنع”. وفي رواية لمسلم ”أغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ وأخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ، لا مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ” قال العلماء: معنى أخنع وأخنى: أوضع وأذلّ وأرذل. وجاء في الصحيح عن سفيان بن عيينة قال: ملك الأملاك مثل شاهان شاه. وقد حرص الإسلام على تثبيت الأسماء الحسنة أيا كانت، ومن حقوق الولد على والده إحسان تسميته ، ففي الصحيحين : (عَنْ سَهْلٍ قَالَ أُتِىَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِى أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – حِينَ وُلِدَ ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ ، فَلَهَا النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – بِشَىْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَاسْتَفَاقَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « أَيْنَ الصَّبِىُّ » . فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « مَا اسْمُهُ » . قَالَ فُلاَنٌ . قَالَ « وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ » . فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ ). وروى مسلم في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ وَقَالَ « أَنْتِ جَمِيلَةُ ». وفي سنن أبي داود : (بَشِيرُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عَمِّهِ أُسَامَةَ بْنِ أَخْدَرِىٍّ أَنَّ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ أَصْرَمُ كَانَ فِى النَّفَرِ الَّذِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا اسْمُكَ ». قَالَ أَنَا أَصْرَمُ. قَالَ « بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ ». وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمع بالاسم القبيح حوله إلى ما هو أحسن منه، وإن كانت أراضي أو أمكنة ، أو قرى وبلاد ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويتعلق بهذا الحديث فوائد: الفائدة الأولى : الأسماء – في الجملة – لها تأثير في الأشخاص، وكما قيل: الأسماء قوالب للمعاني، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثُّر بأسمائها في الحُسن والقُبح؛ كما قيل: وقلَّما أبصَرَتْ عيناك ذا لقَبٍ إلا ومَعْناه إنْ فكَّرْت في لَقَبِهْ ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسَن، ويأمر به، ويكره الاسم القبيح، وينهى عنه، ويغيِّره، وكان بعض أهل الذكاء والفِراسة يتوقع اسم الشخص إذا نظر إليه؛ فمن ذلك: أن إياس بن معاوية – رحمه الله – كان يرى الشخص فيقول: ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت، فلا يكاد يخطئ ، وأحسن الأسماء ما كان معبَّدًا لله تعالى، وأفضلها: عبدالله، وعبدالرحمن؛ كما دل عليه الحديث؛ وذلك لأنها ينبغي أن تُشعِر صاحبها بعبوديته لله تعالى، وانقياده له، كما أنه ينبغي أن تُشعِرَه بشرَف عبوديته لله تعالى، وعظيم حقه عليه، كما يُبعِده تأمُّلُه في معنى اسمه عن الترفع والتعالي والتكبُّر على خلق الله تعالى. الفائدة الثانية : تحرُم التسمية بأسماء معبَّدة لغير الله تعالى؛ مثل: عبد الكعبة، وعبد الرسول، وعبد النبي، وعبد عليٍّ، وعبدالحسين ، وغيرها، ومما يحرم أيضًا التسمية بـ: (غلام الرسول)، و(غلام أحمد) ونحوهما؛ لأنها بمعنى عبد الرسول، وتُكرَه التسمية بالأسماء القبيحة، مثل: حَزْنٍ، وخنيفس، وجمل، وعاصٍ، وعاصية، وجُعَل، ونحوها، ويجب تغيير الاسم المحرم، ويستحب تغيير الاسم المكروه، ففي سنن الترمذي : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُغَيِّرُ الاِسْمَ الْقَبِيحَ. ) ، الفائدة الثالثة : تستحب التسمية باسمي النبي صلى الله عليه وسلم: محمد وأحمد، فهما من أحسن الأسماء، ولكن لم يثبت لذلك فضل خاص، أما ما يذكره بعض الناس على أنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو: (خير الأسماء ما حُمِّد وعُبِّد)، فإنه خبرٌ باطلٌ ليس له أصلٌ، ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يروى عنه بإسناد صحيح ولا ضعيف، وكذا ما يروى في فضل التسمي بأحمد أو محمد كله ليس له أصل صحيح؛ كما نبَّه على ذلك غير واحد من العلماء رحمهم الله تعالى، قال السخاوي رحمه الله تعالى: ما يذكر على الألسنة: (خير الأسماء ما حُمِّد أو عُبِّد) باطلٌ؛
الدعاء