خطبة عن قوله تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ)
أكتوبر 19, 2019خطبة عن (الْتَمس رِضَا اللَّهِ)
أكتوبر 24, 2019الخطبة الأولى ( الرَّحْمَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في مسند الإمام احمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِىٍّ ».
إخوة الإسلام
ففي هذا الحديث النبوي يرغبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخلق بخلق الرحمة ، ويحذرنا فيه من قسوة القلب ، والجفاء ،ففي قوله صلى الله عليه وسلم :« لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِىٍّ ».يقول الامام المناوي: “الرَّحْمَة هي رقة في القلب، ورقة القلب من علامة الإيمان، ومن لا رأفة ولا رحمة له ، فلا إيمان له، ومن لا إيمان له شقي في الدنيا والآخرة ، فمن لا رحمة عنده فهو شقي”، وقال الامام القرطبي: ” الرحمة رقة وحنوّ ، يجده الإنسان في نفسه عند رؤية مُبْتَلَى ، أو صغيرٍ ، أو ضعيف، يحمله ذلك على الإحسان إليه ، فمن خلق اللّه في قلبه هذه الرحمة، فقد رحمه اللّه بذلك في الجنان، وجعل ذلك على رحمته إياه في المآل، ويقول العلامة السعدي: ” فليعمل العبد بجميع الأسباب التي تنال بها رحمته، والتي تجتمع كلها في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]، والمحسنون هم المحسنون في عبادة الله، ومحسنون إلى عباد الله ” ، (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ » (رواه البخاري) ، وقد أثنى الله تعالى على المتَّصفين بالرَّحْمَة ، والمتخلِّقين بها، فقد قال الله تعالى واصفًا رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الذين معه : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) [الفتح: 29]، وقال الله تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) [البلد: 11 – 18].
أيها المسلمون
وحينما تنعدم الرحمة من القلوب ، وتحل القسوة بدلا منها ، فإنها تصبح مثل الحجارة أو أشد قسوة، وقد ذمَّ الله ـ عز وجل ـ أقواماً وصلوا إلى تلك الحالة من القسوة ،وانعدام الرحمة، فقال الله تعالى عن بني إسرائيل : {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } (البقرة : 74) . وقسوة القلب تعني البعد عن الله، وتؤدي إلى الشقاء، قال الله تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } (الزمر: 22)، وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي ) رواه الترمذي . وقال ابن القيم: ” ما ضُرب عبد بعقوبة ، أعظم من قسوة القلب، والبعد عن الله ” . فالشفقة والرحمة بالآخرين أمر يحبه الله ـ عز وجل ـ ويرضاه لعباده، وهو من هدي ، وحال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الناس عامة، ومع المؤمنين خاصة، قال الله ـ تعالى ـ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } (الأنبياء : 107)، وقال الله تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } (التوبة : 128)، وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه الترمذي ، فالرَّحْمَة والعطف على جميع المخلوقات من انسان أو حيون واجبة على كل مسلم، فكن أخي المؤمن وأختي المؤمنة رحيمًا لنفسك ولغيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذَّليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم بعطفك، فأقرب النَّاس من رحمة الله أرحمهم بخلقه، فمن كثرت منه الشفقة على خلقه، والرَّحْمَة على عباده، رحمه الله برحمته، وأدخله دار كرامته، ووقاه عذاب قبره، وهول موقفه، وأظله بظله إذ كل ذلك من رحمته) ، وقد عرف الصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ هذا الخلق من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحسوا به في تعاملهم معه، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً ، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا ) رواه البخاري،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الرَّحْمَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له النصيب الأوفر من الشفقة والرحمة بالآخرين، ويظهر ذلك واضحاً جلياً في مواقف كثيرة من حياته وسيرته، وأذكر لكم منها : أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة ـ رضي الله عنه ـ يقوم لها ، ويقبلها ، ويقول لها: « مَرْحَبًا بِابْنَتِي » رواه البخاري . وكان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إذا دخل في الصلاة وهو ينوي الإطالة، يقصر ويخفف فيها إن سمع بكاء الطفل الصغير، فعن أَنَسَ بْن مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ » رواه البخاري . وفي أشد يوم مر به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يوم الطائف ، بعث الله ـ عز وجل ـ له ملَكَ الجبال لِيُطْبق على من آذاه الجبال، فرفض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففي الصحيحين : (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا » ، ومن المواقف التي تعبر عن مدى رحمته بالخَلْقِ جميعاً (الإنسان والحيوان) ما روي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا » رواه أبو داود وصححه الألباني .
أيها المسلمون
فأين نحن من هذا الخلق؟ ، وما هو نصيبه من حياتنا وواقعنا ؟ ، فهل نحن رحماء مع آبائنا وأمهاتنا؟ ،والله تعالى يقول : {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } الإسراء24, وأين نحن من رحمة أبنائنا وبناتنا وأزواجنا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : « مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ » رواه البخاري ومسلم ، وأين نحن من رحمة الضعفاء والمساكين ، والله عز وجل يقول: { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ(9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} (9) ،(10) الضحى , ، وأين نحن من التراحم فيما بيننا ؟ ، والله عز وجل يقول : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } الفتح 29.
الدعاء