خطبة عن (التسويف والتفريط: الأسباب والمظاهر والنتائج والعلاج)
يوليو 17, 2022خطبة حول الآية (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
يوليو 23, 2022الخطبة الأولى ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) (48) ،(49) الطور
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) (48) ،(49) الطور ، فقد جاء في التفسير الميسر : واصبر -أيها الرسول- لحكم ربك وأمره فيما حَمَّلك من الرسالة، وعلى ما يلحقك من أذى قومك، فإنك بمرأى منا وحفظ واعتناء، وسبِّح بحمد ربك حين تقوم إلى الصلاة، وحين تقوم من نومك، ومن الليل فسبِّح بحمد ربك وعظِّمه، وصلِّ له، وافعل ذلك عند صلاة الصبح وقت إدبار النجوم. “وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا” إنها كلماتٌ يسيرات، و لكنها تُزيح ضيقاً وزن الجبال من قلبٍ ثَقُلَت عليه الهموم وتراكمت عليه الغموم. قالها الرَّحْمَن لرسولِه (ﷺ) كي يُثَبِّت بها فؤادَه، وليقتدي به المؤمنون في ثباته وصبره، لعلهم ينالوا هذه العناية الإلهية إذا وضعهم اللهُ بأعْيُنِه كما وضع أنبيائه ورسله. وقوله تعالى :“بِأَعْيُنِنَا” هنا لا تعني مجرد الرؤية، فالله على كل شيء شهيد، وهو بصيرٌ بالمؤمنين والكافرين. وإنما تعني “العناية الإلهية” التي يخصُّ بها اللهُ عِبَادَه المؤمنين الصابرين . لقد تحمل النبي وأصحابه الكثير من أذى قومه بصبر جميل وعزم طويل ، استمر سنوات والرسول يحتشد وأصحابه لعظائم الأمور ، ويستحثهم على مواجهة نزق الكافرين، وظلم المتكبرين بمزيد من الصبر الجميل ، روى البخاري بسنده عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : ” بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَلا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاهَا فَيَجِيءُ بِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَبَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنْ الضَّحِكِ فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلام وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَثَبَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ :” قَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ” ثُمَّ سَمَّى “اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ” قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم “وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً“، وروى الترمذي بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” لَقَدْ أُخِفْتُ في الله وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ في الله وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاَثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَالِي وَلِبِلاَلٍ طَعَامٌ يَأْكُلُه ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَيْءٌ يُوَارِيه إِبْطُ بِلاَلٍ» ، ومع هذا البلاء الشديد، والجرح الغائر، والملاحقة المستمرة ، والتضييق الدائم ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث الأمل في أصحابه، أن يغير الله تعالى من هذه المحن ، لتكون منحا ربانية وفي ذلك ما رواه البخاري في صحيحه : (خَبَّابًا يَقُولُ أَتَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً ، وَهْوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً فَقُلْتُ أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ فَقَعَدَ وَهْوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ فَقَالَ « لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ ، فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ » . زَادَ بَيَانٌ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ) ، (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) ، فالتوجيه إلى الصبر ، إيذان بالإعزاز الرباني، والعناية الإلهية، والأنس الحبيب الذي يمسح على مشقات الطريق مسحا، ويجعل الصبر عليه أمرا محببا، وهو الوسيلة إلى هذا الإعزاز الكريم: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) ، فيا له من تعبير! ويا له من تصوير! ويا له من تقدير! إنها مرتبة لم يبلغها قط إنسان. هذه المرتبة التي يصورها هذا التعبير الفريد في القرآن كله. حتى بين التعبيرات المشابهة. لقد قيل لموسى عليه السلام: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) (13) طه، وقيل له أيضا: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (39) طه ، وقيل له: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (41) طه، وكلها تعبيرات تدل على مقامات رفيعة. ولكن قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } وهو تعبير فيه إعزاز خاص، وأنس خاص. وهو يلقي ظلا فريدا أرق وأشف من كل ظل.. ولا يملك التعبير البشري أن يترجم هذا التعبير الخاص. فحسبنا أن نشير إلى ظلاله، وأن نعيش في هذه الظلال. ومع هذا الإيناس هداية إلى طريق الصلة الدائمة به: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ }.. فعلى مدار اليوم. عند اليقظة من النوم. وفي ثنايا الليل. وعند إدبار النجوم في الفجر. هنالك مجال الاستمتاع بهذا الإيناس الحبيب. والتسبيح زاد وأنس ومناجاة للقلوب. فكيف بقلب المحب الحبيب القريب؟ .
أيها المسلمون
فقوله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [الطور:48]، فالتسبيح هنا له سر في تقوية القلب، تعزيز النفس، الصبر على صعوبات الحياة، تحقيق النجاح، تحصيل السعادة، الرضا، القرب؛ ولذلك إدمان التسبيح مجرب أنه ترياق خاصة للناس الذين يواجهون مواقف صعبة أو عمل شاق ، فكل إنسان يواجه تحديات، فالتسبيح هنا له سر عظيم. وقوله تعالى : ((حِينَ تَقُومُ)) فالمعنى: حين تقوم من النوم فالتسبيح مشروع، فأول ما يصحو الإنسان يسبح ويحمد ربه؛ وفي صحيح البخاري : (عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي . أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ » ، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) [الطور:48]، قال بعضهم: من الظهيرة، من القيلولة؛ لأنهم كانوا يقيلون قبل صلاة الظهر، فإذا صحا من القيلولة سبح ربه واستعد. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) يعني: من مجلسك، وهذا ما يسمى بكفارة المجلس؛ ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ »
أيها المسلمون
(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) ، فإن الذي يضعه الله بأعينه قد نال الستر الأعظم ، والحماية المطلقة ،التي لا تتأثر بما حولها من ظروفٍ مُعادية. بل إِنَّ المؤمن – الذي بأعيُنِ الله – قد يحميه اللهُ من المصائب وكيد الأعداء بدون عِلْمِه! ـ فقد يخطط لهُ الأعداءُ ، وينصبون له الفخ ، وهو لا يعلم أن هؤلاء أعداء، ولا ينتبه لما ينصبون له من فخاخ، إلا أنَّ الله يقيه سيئات ما مكروا ،دون أن يعلم أنه قد دخل عرين السباع المفترسة وخرج منه سالماً! ، ففي قصة موسى (عليه السلام)، قال الله تعالى : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (26) :(28) غافر، ففرعون قد همّ بالبطش بموسى وقَتْلِه، واستعاذ موسى (ﷺ) بالله، فسخَّرَ اللهُ لموسى رجلاً من آل فرعون، أدخلَ في قلبه الإيمان فآمن بما جاء به، ليدافع عن موسى ويثني فرعون عن ما كان يهمُّ به. ولَم يُخبرُنا عز وجل أن موسى عليه السلام كان على علمٍ بهذا الرجل ، أو بما قام به من دفاعٍ عنه داخل القصر الفرعوني.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إِنَّ اللهَ قد يُسخر من الأدوات البسيطة والضعيفة ما يحمي به عباده من الطامَّات الكبرى. إنها أدواتٌ قد يسخر منها الظالمون للعباد، فإذا بتلك الأدوات تنجي الذين بأعيُن ربهم، وتملأُ قلوبَ ظالميهم غيظاً وندماً جزاءً على ظلمهم. ونجد في كتابِ الله درساً رائعاً في قصة نوح (ﷺ)، حين طفح به الكيل من قَوْمِه، (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) القمر 10، فكان الرَّد الالهي المُدَمِّر : (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) القمر (11) :(14) ، وهنا يدرك المؤمن الدرس المستفاد : أنه إِن كان بأعيُن الله فما عليه إلا أن يصبر على ما أمره الله، ولا يستصغر أي أداة أو وسيلة قد ينجيه اللهُ بها من محنته ،طالما هذه الوسيلة لا تخالف شرع الله. فمن كان بأعيُنِ الله فهو في حمايةٍ مطلقة لا تتأثر بما حولها من ظروف، بل وقد يكون اللهُ حاميهِ من مكائدٍ ومصائبٍ دون أن يدري وبطُرُقٍ لا علم له بها ، ولكن كيف لنا أن نكون بأعيُنِ الله؟ هو طريق واحد لا غير: الاقتداء بالأنبياء. الاقتداء بثباتهم على الحق والصبر عليه؛ الاقتداء بحبهم لله وتعبُّدِهم له، وبحبهم للخير وبغضهم للشر، قال الله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (89) ،(90) الانعام
الدعاء