خطبة عن ( محبة أولياء الله الصالحين)
مارس 28, 2016خطبة عن ( نبي الله داوود حاكما وقاضيا)
مارس 29, 2016الخطبة الأولى ( أولياء الله بين الغالين والمنكرين )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته ، وهو أصدق القائلين : (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يونس 62 : 64
إخوة الإسلام
ما معنى الولاية ؟ ومن هم أولياء الله ؟ وما درجاتهم ؟ وما صفاتهم ؟ وكيف نحبهم ؟ وما معنى كرامات الأولياء ؟ وهل لكل ولي كرامة ؟ ، ولماذا أخطأ البعض في فهم الولاية؟ ، ذلك وغيره سوف أحاول الإجابة عليه إن شاء الله بداية أقول : ( الولاية معناها : المحبة والقرب ) ، فنقول : فلان ولي الله ، أي محب لله ، ويتقرب إلى الله ، وعلى هذا ، فكل من آمن بالله ، وأحب الله ، ويتقرب بأعماله الصالحة إلى الله ، فهو من أولياء الله ، وهذا هو معنى قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) ،وأيضا ، من آمن بالله ، وأحب الله ، وتقرب إليه بأعمال صالحة ، والاه الله ، ( أي أحبه الله ، وقربه إليه ) وأمده بمدده ، وحفظه بعنايته ، وهداه إلى صراطه المستقيم ،فمن والى الله ، والاه الله ، ومن والى غير الله ، أبعده الله ، وسخط عليه ، وأضله ،يقول سبحانه : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) الأعراف 196 ، ويقول سبحانه : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) المائدة 55 ،
إذن ،، فالناس كلهم أولياء ، ، إما أولياء للرحمن ، وإما أولياء للشيطان ، والناس حزبان ، حزب الله ، وحزب الشيطان ، يقول سبحانه ، عن حزب الله ، أولياء الرحمن : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) المائدة 56 ، ويقول سبحانه : (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) المجادلة: 22 ، وعلى العكس من ذلك ، فمن أحب الشيطان ، وأتباع الشيطان وأعوانه ، وتقرب إليهم ، كان وليا للشيطان ،وكان من حزبه ، يقول سبحانه : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) المجادلة 19 ، ويقول سبحانه (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) النحل 98 : 100 ، ويقول سبحانه : (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران: 175 ،
أيها المؤمنون
وبعد أن تعرفنا على هذين السؤالين (ما معنى الولاية ؟ ، ومن هم أولياء الله ؟) ، ننتقل إلى السؤال التالي وهو ، (ما صفاتهم ؟ ، وما درجاتهم ؟) ،فقد وصف الله تعالى أولياءه بصفتين (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )، فمن حيث العقيدة ، هم (الَّذِينَ آمَنُوا) ، الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره ، هذا من حيث العقيدة ، وأما من حيث العمل (وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) ، فهم من المتقين ، والتقوى كلمة جامعة لكل خصال الخير والبر والطاعة ، والتقوى كما عرفها الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه : ( هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ) ، أما عن درجاتهم ، فدرجات أولياء الله تتفاوت بتفاوت درجات إيمانهم ،والإيمان يزيد وينقص، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ) الفتح (4) . وقال تعالى : ( وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) الكهف (13) ، وقال تعالى : ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ) مريم (76) ، وقال سبحانه: ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) محمد (17) ، ويقول سبحانه : ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ) المدثر (31) ، وفي سنن أبي داود (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ ». لذلك كان الأنبياء والمرسلون في أعلى درجات الولاية ، ثم الصديقون ، ثم الشهداء والصالحون )، فدرجة الولاية تختلف بين المؤمنين باختلاف درجات الإيمان والتقوى والأعمال الصالحة ، قال تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) فاطر 32 ، ونستطيع أن نقول : أن هناك أولياء درجة عالية، (نسأل الله أن يجعلنا منهم ، ويحشرنا معهم )، وهم الذين قال الله فيهم : (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ) فاطر (32) ، وهناك أولياء درجة أقل وهم (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) فاطر (32) ، وهناك ولي درجة أخيرة (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) فاطر (32) ، وهم المؤمنون الذين ظلموا أنفسهم ، (خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) التوبة (102) ،إذن فكل المؤمنين من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولياء لله ، وإن اختلفت درجات ولايتهم ، ونحن عندما ندعوا الله سبحانه وتعالى أن يحشرنا مع أوليائه المقربين ، فنحن نقصد درجة الولاية العالية ، درجة (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) فاطر 32، فهم السابقون بالخيرات ، والمقربون لرب الأرض والسموات ، الذين علت درجاتهم ، وسمت منازلهم ، وهؤلاء هم المعنيون بقوله في الحديث القدسي الذي رواه البخاري وغيره (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بشيء أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شيء أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ») ،
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أولياء الله الصالحون )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أولياء الله الصالحون ، هم الذين أصلحوا ظاهرهم ، باتباع الكتاب والسنة ، فأصلح الله باطنهم ، كما في صحيح مسلم : (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ )، ( فلا صلاح للباطن ، إلا بصلاح الظاهر ) ، أولياء الله ، هم رجال عرفوا الله فأحبوه ، وعبدوه بأداء الفرائض ، وتقربوا إليه بالنوافل، فأحبهم الله ، فأنار الله بصيرتهم ، فسمت أرواحهم ، وصفت قلوبهم وفي الحديث القدسي الصحيح : (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بشيء أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا )، أولياء الله ، هم الذين صاموا نهارهم ، وقاموا ليلهم ، قال تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) الذاريات 17 : 19، أولياء الله هم عباد للرحمن ، قال تعالى : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) الفرقان (63 ) : (67 ) ، أولياء الله هم المؤمنون ، الخاشعون ، المستسلمون ، الذين وصفهم الله بقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) المؤمنون من 1 : 11 ، أولياء الله هم الذين حققوا درجة الإيمان الحقة ، الذي لا مراء فيه ولا شك ، قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال 2 : 4 ،
الدعاء