خطبة عن ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا)
يوليو 16, 2022خطبة عن الموعظة وحديث (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ)
يوليو 16, 2022الخطبة الأولى ( مَثَلُ أُمَّتِى مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه بسند حسنه ، وصححه الألباني : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « مَثَلُ أُمَّتِى مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ »
إخوة الإسلام
لقد جَعَل اللهُ الخيرَ في الأمَّةِ الإسلاميَّةِ إلى آخِرِ الزَّمانِ؛ فهي أمَّةُ الخيرِ ، أمة الهُدى والرَّشادِ ، وهي أمة حاملةُ للِواءِ الحقِّ، ومعَها الهدى والنُّورُ ، تَسيرُ به في ظُلماتِ الكفرِ والشِّركِ، فتُضيءُ به الظُّلماتِ، وتُزيلُ به الغِشاوةَ مِن الأعيُنِ الضَّالَّةِ، وفي هذا الحديثِ النبوي الكريم، يقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “مَثَلُ أمَّتي مَثلُ المطَرِ”، أي: مثل المطر في نفْعِه، ثمَّ أوضَح ذلك “لا يُدْرَى أوَّلُه خيرٌ”، أي: أنفَعُ، “أم آخِرُه”، فقد قيل: أن المراد هنا بخيريَّةِ مَن تأَخَّر عهدُه هو النَّفعُ، ولا يَلزَمُ مِنه فضيلتَه على القُرونِ الأولى؛ فهُم أفضلُ ممَّن بعدَهم بلا شكٍّ، وقيل أيضا : لقد أراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بهذا الحديث أن يَصِفَ الأمَّةَ كلَّها بالخيرِ ؛ فكأنَّ هذه الأمة للنَّاظِرِ إليها نسيجٌ واحدٌ ،لا يَرى خِلافًا ظاهِرًا في أوَّلِها وآخِرِها؛ لِكَثرةِ الخيرِ في جميعِ طبَقاتِها، فكأنَّما هي سِلسلةٌ متَّصِلةٌ، مع اختِصاصِ كلِّ طبقةٍ بخاصيَّةٍ وفضيلةٍ تُوجِبُ خيريَّتَها، كما أنَّ كلَّ نَوْبةٍ مِن نُوَبِ المطرِ لها فائدةٌ في النُّشوءِ والنَّماءِ لا يُمكِنُ إنكارُها؛ فإنَّ الأوَّلين : آمَنوا وشاهَدوا مِن المعجزاتِ، وتلَقَّوا دَعوةَ الرَّسولِ بالإجابةِ والإيمانِ، والآخِرين : آمَنوا بالغَيبِ؛ لِمَا تَواتَر عِندَهم مِن الآياتِ، واتَّبعوا مَن قَبلَهم بإحسانٍ، وكما أنَّ المتقدِّمين اجتهَدوا في التَّأسيسِ والتَّمهيدِ، فإن المتأخِّرين بذَلوا وُسْعَهم في التَّلخيصِ والتَّجريدِ، وصرَفوا عُمرَهم في التَّقديرِ والتَّأكيدِ؛ فكلٌّ مغفورٌ له، وسَعيُهم مشكورٌ، وأجرُهم موفورٌ. فالأمة الإسلام أمة ولود، لا تخلو عن قائم لله بالحق، ويصدق فيها قول الشاعر: إذا مات منا سيد قام سيد .. قؤول لما قال الكرام فعول
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مِثْل أُمَّتِي كَمَثَلِ الْغَيْث لَا يَدْرِي أَوَّله خَيْر أَوْ آخِره }، مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الْأُمَّةِ مِنْ يُقَارِبُ أَوَّلهمْ فِي الْفَضْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ ، حَتَّى يُشْتَبَهَ عَلَى النَّاظِرِ أَيّهمَا أَفْضَل، وَإِنْ كَانَ اللَّه يَعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّل أَفْضَلَ ،كَمَا يُقَالُ فِي الثَّوْبِ الْمُتَشَابِهِ الطَّرَفَيْنِ : هَذَا الثَّوْبُ لَا يَدْرِي أَيّ طَرَفَيْهِ خَيْر ،مَعَ الْعِلْم بِأَنَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ خَيْر مِنْ الْآخَرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ : لَا يَدْرِي أَوَّله خَيْر أَوْ آخِره ،وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّه يَعْلَمُ أَيّهمَا خَيْر إذَا كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ ،وَإِنَّمَا يَنْفِي الْعِلْم عَنْ الْمَخْلُوقِ لَا عَنْ الْخَالِقِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَابُه وَالتَّقَارُب ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ اشْتَبَهَ عَلَى الْمَخْلُوقِ أَيّهمَا خَيْر . وفي تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم للأمة الإسلامية بالمطر ، فيه دلالة على أنها أمة مباركة ، لا يدرى أولها خير من آخرها، أو آخرها خير من أولها، لتقارب أوصافهم ، وتشابه أفعالهم ، كالعلم ، والجهاد ، والذب عن بيضة الإسلام، وقُرْب نعوت بعضهم من بعض في ظواهرهم، فلا يكاد يميز الناظر بينهم، ولذا قيل هم كالحلقة المفرغة ، لا يدرى أين طرفاها، وهذا لا يتناقض مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ..) ، لأنهم إنما كانوا خيرا لأنهم نصروه ،وآووه ،وجاهدوا معه، وقد يوجد من شبه هذه الأفعال أو قريبا منها في أزمنة أخرى غير زمانه صلى الله عليه وسلم، وذلك حين يكثر أعوان الباطل، ويقفون في وجه الحق ،وتطبيق الشرع، وتنفيذ الأحكام التي لا تفرق – في الدين – بين كبير وصغير، وحاكم ومحكوم، وقال الْإِمَامُ القرطبي في تفسيره : “إِنَّمَا فُضِّلَ قَرْنهُ لِأَنَّهُمْ كانوا غُرَبَاءَ في إيمانهم، لكثرة الكفار ،وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم، وإِنَّ أواخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين ،وتمسكوا به ،وصبروا على طاعة ربهم عند ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر، وعندما يُذَلُّ المؤمن وَيُعَزُّ الفاجر ،ويعود الدين غريبا كما بدأ غريبا، ويكون القائم فيه كالقابض على الْجَمْرِ، كانوا عند ذلك أيضا غرباء، وزَكَتْ أعمالهم في ذلك الوقت ، كما زَكَتْ أعمال أوائلهم، فيستوي حينئذ أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل ، إلا أهل بدر والحديبية، ومن تدبر آثار هذا الباب بان له الصواب، والله يؤتي فضله من يشاء”.
وهكذا يتبين لما أن في هذا الحديث إشارة إلى فضيلة آخر هذه الأمة، وأنها -أحياناً- تشبه أولها في الفضل فأول هذه الأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأبو بكر ،وعمر ، وعثمان ، وآخر هذه الأمة المهدي عليه السلام، وعيسى بن مريم، وأولئك الرجال الأفاضل الأشاوس الذين يقتلون الدجال، وأولئك الأبطال الذين يفتحون بيت المقدس، وأولئك الفرسان الذين يقتحمون القسطنطينية، فمن رآهم ورأى فضائلهم، وقد إشادة النبي صلى الله عليه وسلم بهم ،تذكر قوله: {مَثَلُ أُمَّتِى مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ} ، وكما جاء في صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِى لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِى يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ ».، فهؤلاء الناس الذين أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ود الواحد منهم أن يكون رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لو اقتضى ذلك أن يتخلى عن أهله وماله؛ لشدة محبتهم له، فهؤلاء: من أشد أمته حباً له، ومن أفضل أمته عليه الصلاة والسلام، فلو قارنت هؤلاء بأقوام عاشوا معه صلى الله عليه وسلم فما نشطوا بصحبته، وما ذهبوا إليه، وربما أسلموا وبقوا في قبائلهم، وبقوا في ديارهم، وربما جلسوا معه ثم غادروه بعد ذلك ،فلم يقتبسوا منه علماً، ولم يرووا عنه حديثا، ولم يهاجروا معه، ولم يجاهدوا معه، ولم يحجوا معه، ولم يشهدوا معه المشاهد؛ لأدركت أن في آخر هذه الأمة فضلاً كثيراً، كما هو في أولها، نعم ، فهناك قدر مشترك بين الأولين والآخرين من هذه الأمة : فمثلا الشجاعة في الحق ،والثبات على المبدأ ، والسعي الى تحقيق الهدف السامي ، هي القاسم المشترك بين عظماء الأمة، فهم يدورون مع الحق حيثما دار، ومواقفهم في مواجهة الباطل ، وجرأتهم ، في هذا دليل على أَنَّهم لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يخشون سلطانا ولا سجانا، ولا يهابون الموت في سبيل الله، بل هو عندهم أسمى أمانيهم ، وهؤلاء العظماء كثيرون على مر الأزمان والعصور،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَثَلُ أُمَّتِى مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ « السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ». قَالُوا أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ ». فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ « أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ..) فهذا الحديث فيه دليلٌ على أن النبي صلى الله عليه وسلم تمنى أن يكون رأى من لم يأتِ من أمته من الأخيار والصالحين، وأهل الوضوء، وأهل الصلوات، وأهل الذكر، وأهل الأوراد، وأهل التسبيح، وأهل الجهاد، وأهل الصبر، وأهل الصدقة، وحسبهم شرفاً وفخراً أن النبي صلى الله عليه وسلم تمنى أن يكون رآهم: { وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا} وحسبهم شرفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وسمهم بوسم الأخوة، فهم إخوة النبي صلى الله عليه وسلم، وإخوة أصحابه في الإسلام والتوحيد والاتباع، الذي جمعهم عليه جميعاً ، وفي سنن الترمذي وغيره : (عَنْ أَبِى أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ أَيَّةُ آيَةٍ قُلْتُ قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْىٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ « لاَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ »، وهكذا بين صلى الله عليه وسلم أن المسلم في آخر هذه الأمة إذا عمل عملاً أُجِرَ عليه أجر خمسين من الصحابة ، وفي سنن ابن ماجه : ( أن أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلاَنِيَّ وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ ».
الدعاء