خطبة حول قوله تعالى (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)
يوليو 17, 2022خطبة عن اسباغ الوضوء وحديث (ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ)
يوليو 23, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (37) ق
إخوة الإسلام
إذا أردتم الانتفاع بالقرآن ،فاجمعوا قلوبكم عند تلاوته وسماعه، وأَلْقوا أسماعكم، واحضروا حضور من يخاطبه ربه سبحانه وتعالى، وقد تضمنت هذه الآية الكريمة بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه ، فقوله تعالى: “إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى” إشارة إلى ما تقدم من أول السورة ، وقوله تعالى: “لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ” فهذا هو المَحِل القابل، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله، وقوله تعالى : “أوْ أَلْقَى السَّمْعَ” أي: وجَّه سمعه ،وأصغى أذنه إلى ما يقال له، وقوله تعالى “وَهُوَ شَهِيدٌ” أي: شاهد القلب حاضر غير غائب ، قد جمع بين قلبه وبين معاني القرآن ، فطريق حصول الهداية أن يفرغ سمعه للكلام ،وقلبه لتأمله والتفكر فيه، فيعلم حينئذ أنه الحق ، وقد أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم على نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون نوراً للناس وضياءً، يُخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، فنزوله رحمة من الله لعباده، به يهتدون، وإليه يتحاكمون، وهو مرجعهم تلاوةً وعملاً، ومن الجدير بالذكر أنّ لسماع القرآن الكريم الأثر العظيم في النفوس، ومن ذلك إصلاحها، وانشراحها، وشفاؤها من الأمراض المختلفة، ومن الأدلة على ذلك ما جاء في قول الله تبارك وتعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا)، [الاسراء :82 ] ، ومن الأدلة التي جاءت في السنة النبوية على فضل سماع القرآن الكريم أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُحبّ أن يسمع القرآن من غيره، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – قَالَ :قَالَ لِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « اقْرَأْ عَلَىَّ » . قُلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ « إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِى » ، وصوت القرآن يؤثر على قلب المؤمن ،ويجعله مستقراً وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. ،فكان من الأجدر بنا -ونحن أصحاب أعظم كتاب على وجه الأرض- أن نستفيد من هذا الكتاب العظيم ،فنستمع إليه كل يوم ، ونتأمل ونتدبر آياته ، لتطمئن قلوبنا ، وتسمو به أرواحنا ، ونجد في تلاوته وسماعه سعادتنا ومسرتنا .
أيها المسلمون
ولقد أدرك السلف الصالح (رضوان الله عليهم) من الصحابة والتابعين فضل القرآن الكريم، وعظيم المنة بإنزاله على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن من تبعه فإنه لا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكا ، فأقبلوا على كتاب ربهم ،يحفظونه ،ويرتلونه آناء الليل وأطراف النهار، فجعلوه غذاء أرواحهم ،وقوت قلوبهم ،وقرة أعينهم، ونفذوا أحكامه ، وأقاموا شرائعه ، قال الإمام الأوزاعي رحمه الله :” كان يقال : (خمس كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعون بإحسان : لزوم الجماعة واتباع السنة وعمارة المسجد وتلاوة القرآن والجهاد في سبيل الله” ، ومن الصحابة الذين اعتنوا بالقرآن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، ففي مسند أحمد وغيره : (فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَشَّرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضاًّ كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأَهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ » ، ولما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ابن مسعود قال :” قرأ القرآن ثم وقف عنده وكفى به علما”، ولقد بلغ ابن مسعود مبلغاً عظيماً في العلم بمعاني القرآن وتفسيره وما يتعلق به من علم حتى قال عن نفسه: ” والله الذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وأعلم فيم نزلت، ولو أعلم أن أحداً أعلم بكتاب الله مني تناله المطي لأتيته ” .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن وصايا هذا الصحابي الجليل في القرآن قوله رضي الله عنه : إذا سمعت الله يقول : ” يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه” ، ففي هذه الوصية حث على الاستماع والإنصات لكتاب الله ،وذلك لأجل تدبر كلام الله ، ثم العمل به، وقال الحسن البصري : ” أُنزِل القرآنُ لِيُعمَل به، فاتخذوا تلاوته عملًا ” ، فالله تعالى ما أمر ولا نهى إلا ليمتثل الأمر بالفعل والنهي بالترك، وجميع الأوامر والنواهي في القرآن جاءت لتحقيق المصالح وتكثيرها، ودفع المفاسد وتقليلها ، فجميع أوامر القرآن الكريم متضمنة لمصالح العباد في العاجل والآجل ، وجميع النواهي متضمنة دفع المفاسد عنهم في العاجل والآجل ، فعلى المسلم إذا قرأ القرآن أن يكون معلوما لديه أنه مخاطب به، فيأتمر بأمره وينتهي عن نهيه، ويصدق خبره ، وها هو الصحابي الجليل أبو طلحة الأنصاري يستجيب لله ورسوله ، ففي صحيح البخاري : (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « بَخْ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ » . فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِى عَمِّهِ)
الدعاء