خطبة حول الآية (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
يوليو 23, 2022خطبة عن الهُدى والهداية وقوله تعالى (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
يوليو 23, 2022الخطبة الأولى ( ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ جَابِرٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ ،فَأَبْصَرَهُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ،فَقَالَ :« ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ ». فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى.
إخوة الإسلام
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6] ، وفي الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ » ، فمما سبق تتبين لنا أهمية الوضوء ومنزلته ، وأنه شرط لصحة الصلاة ، الوضوء مأخوذ من الوضاءة، وهي الطهر والضياء، والحسن والبهاء والبهجة ،وقد عرف الفقهاء الوضوء بأنه: طهارة مائية لأعضاء مخصوصة بنية التعبد، ويسمونه: بالطهارة الصغرى، ويسمون الغسل من الجنابة والحيض والنفاس: بالطهارة الكبرى، وللوضوء فروض وسنن، ومستحبات وشروط وآداب ،ذكرها الفقهاء في كتبهم .ولكي يكون وضوؤك أيها الأخ المسلم تاماً عليك أن تراعي هذه الآداب ،فإنك تؤجر على ذلك ويزداد إيمانك، وإياك أن تترك لمعة في عضو من أعضاء الوضوء دون أن يصيبها الماء؛ فإن ذلك يفسد الوضوء، وبفساده تفسد الصلاة ففي الحديث المتقدم ،هذا الرجل ترك موضع ظفر على قدمه لم يصبه الماء، فرآه النبي – صلى الله عليه وسلم – فأمره أن يرجع إلى موضع الماء ،ليغسل ما تركه من قدمه، وما ذاك إلا ليعلم الرجل أن وضوءه فاسد ،لا تجوز الصلاة به ،حتى يتدارك ما فاته من غسله، وقد رجع الرجل ،فأحسن وضوءه كما أمره النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولو كان الأمر هيناً ، ما أمره بإحسان الوضوء، وإحسان الوضوء في الحديث المتقدم معناه تحصيل الفريضة، وهو غسل العضو، وتعميمه بالماء طاعة لله عز وجل، وإذا أردت أن يزداد إيمانك ويقوي يقينك ويصفو قلبك، وتخشع في صلاتك خشوع العارفين بالله، فاحرص على ثلاثة أمور من أول عضو تغسله إلى آخر عضو : وهي أن تذكر نعمة الله عليك في كل عضو تغسله فتشكره عليه، وتذكر ما وقع منه من الذنوب فتستغفر الله له، وتعزم على أن تعصمه مما وقع فيه، فتخرج من وضوئك ذاكراً شاكراً مستغفراً تائباً ،فإذا جلست عند الماء فاذكر نعمة الله عليك في إيجاده ،وتمكينه لك من استعماله، واشكر الله على ذلك بقلبك ولسانك ، وإذا غسلت كفيك فاذكر نعمة الله عليك في إيجادهما، واشكره على ذلك، واذكر خطاياهما، واستغفره من ذلك، وتب توبة نصوحاً، فعسى الله أن يقبلها منك ، وإذا تمضمضت فاذكر نعم الله عليك في هذا الفم وما يحتويه، واشكره على ذلك، واستغفر الله من ذنوب لسانك، وما أكثرها ، وهكذا فافعل في غسل وجهك ويديك، وفي مسح رأسك وفي غسل رجليك، فإنك لو فعلت ذلك ، عرفت أنه هو الوضوء بمعناه الصحيح، ولا شك أن هذا الوضوء يحقق لك الطهارة بكل أنواعها، وعندئذ يستطيع المتوضئ أن يدخل الصلاة بقلب طاهر مستنير ،قد تحصن من الشيطان، فلا يستطيع أن يقتحمه ليصرف صاحبه عن صلاته، ويحول بينه وبين الخشوع .
أيها المسلمون
إن الوضوء إجراء تحضيري يتقدم الصلاة فلابد أن يكون على هذا النحو، لا على النحو الذي يفعله عامة الناس، وهناك بعد الوضوء سنن ينبغي مراعاتها، ومنها : أن يرفع المتوضئ يده إلى السماء ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رب اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فقد روى مسلم في صحيحه : (« مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ – أَوْ فَيُسْبِغُ – الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ».، ومن سنن الوضوء أن يصلي ركعتين سنة الوضوء ، قبل أن يقبل على صلاة الفريضة ، ويستحضر قلبه بذكر الموت، ويتحصن من الشيطان بالاستعاذة، ويقبل على صلاته وكأنه مودع.
أيها المسلمون
وللوضوء فضائل عظيمة ، فمن فضائل الوضوء ، أولا : أن الوضوء سبب لحب الله تعالى ، قال الله سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: ” قال الله سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} ، وهذا يستدعي ملازمة الوضوء والحرص عليه فما أعظم الغاية، وهي نيل حب الله الكريم، ومن نال محبة الله ذي الجلال والإكرام فقد سعد في الدارين. ثانيا : أن الوضوء سبب في دخول الجنة ، ففي صحيح مسلم :« مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ». قَالَ فَقُلْتُ مَا أَجْوَدَ هَذِهِ. فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَىَّ يَقُولُ الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ قَالَ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا قَالَ « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ – أَوْ فَيُسْبِغُ – الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ». ثالثا : من فضائل الوضوء رفع الدرجات في الجنة ، فقد روى مسلم في صحيحه: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ». رابعا : ومن فضائل الوضوء أنه سبب في الورود على حوض النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ خرجَ إلى المقبَرةِ ، فقالَ : «السَّلامُ عليكُم دارَ قومٍ مُؤمنينَ، وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ بِكُم لاحقونَ، وَدِدْتُ أنِّي قد رَأيتُ إخوانَنا. قالوا يا رسولَ اللَّهِ، ألَسنا إخوانَكَ ؟ قالَ: بل أنتُمْ أصحابي وإخواني الَّذينَ لم يَأتوا بعدُ وأَنا فرَطُهُم على الحَوض. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ تعرِفُ مَن يأتي بعدَكَ مِن أمَّتِكَ ؟ قالَ: أرأَيتَ لو كانَ لرجلٍ خَيلٌ غرٌّ محجَّلةٌ في خيلٍ بُهْمٍ دُهْمٍ ألا يعرفُ خيلَهُ ؟ قالوا: بلَى. قالَ: فإنَّهم يأتونَ يومَ القيامةِ غرًّا مُحجَّلينَ منَ الوضوءِ وأَنا فَرَطُهُم على الحوضِ» [رواه النسائي ]،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضائل الوضوء : تكفير الخطايا ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً ». ومن فضائل الوضوء أنه علامة من علامات المؤمن : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ ». [رواه ابن ماجه ]، ومن فضائل الوضوء أن الوضوء قبل النوم سبب في الموت على الفطرة عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: « إذا أتيتَ مضجعَكَ ، فتوضَّأْ وضوءَكَ للصَّلاةِ ، ثمَّ اضطجِعْ على شقِّكَ الأيمنِ ، وقُلِ : اللَّهمَّ أسلَمتُ وجهي إليكَ ، وفوَّضتُ أمري إليكَ ، وألجأتُ ظَهْري إليكَ ، رَهْبةً ورغبةً إليكَ ، لا مَلجأَ ولا مَنجى منكَ إلَّا إليكَ ، آمنتُ بِكِتابِكَ الَّذي أنزلتَ ، وبنبيِّكَ الَّذي أرسَلتَ ، فإن متَّ متَّ على الفطرةِ فاجعَلهنَّ آخرَ ما تقولُ فقلتُ أستذكُرُهُنَّ : وبرسولِكَ الَّذي أرسَلتَ . قالَ : لا، وبنبيِّكَ الَّذي أرسَلتَ» [رواه البخاري ومسلم] واللفظ للبخاري،
أيها المسلمون
ومن الفوائد التي يرشد إليها هذا الحديث : الفائدة الأولى : أن الحديث فيه دلالة على وجوب إيصال الماء إلى جميع أجزاء أعضاء الوضوء وأن من ترك شيئاً ولو قليلاً لم يصح وضوءه ، وبالتالي لا تصح صلاته ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر من ترك موضع ظفر أن يحسن وضوءه. الفائدة الثانية : يستدل بهذا الحديث : على وجوب إزالة أي شيء يمنع وصول الماء إلى البشرة فلو كان على اليد أو القدم أو أي عضو من أعضاء الوضوء عجين أو صبغ أو جص أو مادة صمغية لها جرم تمنع وصول الماء كالغراء وكذلك صبغ الأظفار عند النساء المسمى (بالمناكير) فإنه يجب إزالته لأن ما تحته لا يصله الماء فيكون غير مغسول فلا تتم الطهارة. الفائدة الثالثة : استدل بعض أهل العلم بحديث الباب على وجوب الموالاة في الوضوء، والموالاة هي متابعة غسل الأعضاء عضواً بعد عضو بلا فاصل والمراد أن يغسل العضو قبل أن يجف الذي قبله في زمن معتدل، فلا يُعتد بسرعة الجفاف لشدة الحر أو لوجود هواء شديد ولا بتأخر الجفاف لشدة البرد وكذلك من اشتغل بما يخص طهارته فجف العضو كأن يتوضأ بماء لم يكفيه ثم ذهب وطلب الماء فإنه يكمل وضوءه ولو جف العضو فلا يعتد بذلك. الفائدة الرابعة : في الحديث دلالة على أن المسلم مرآة أخيه ينصحه وينبهه على خطئه فيبيِّن له تقصيره ويصحح له عبادته وهذا يؤخذ من تنبيه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي ترك موضع ظفر على قدمه لم يغسله.
الدعاء