خطبة عن حرمة سب الدهر وحديث ( فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ )
أغسطس 6, 2022خطبة عن قوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً )
أغسطس 6, 2022الخطبة الأولى ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) (85) النساء
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ،ونرتشف من رحيقها المختوم ،فقد جاء في تفسيرها ،قال ابن كثير : أي: من سعى في أمر ،فترتب عليه خير، كان له نصيب من ذلك ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ : « اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ، وَيَقْضِى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ – صلى الله عليه وسلم – مَا شَاءَ » ، ومن سعى في أمر وترتب عليه شر ،يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته ، وهكذا يُخبِرنا الله تعالى أنَّ مَن يسعَ لمعاونةِ غيرِه في أمرٍ من الأمورِ ،فيه منفعةٌ وخيرٌ لذلك الغَيْرِ، فإنَّ للساعي حظًّا من ثوابِ الله تعالى، وفي ذلك حثُّ الناس على التَّعاونِ على البِرِّ والتَّقوى؛ وذلك بإعطاءِ المتعاونين نصيبًا من الأجرِ على ما تعاونوا عليه ، ومَن يسعَ في معاونة غيره على أمرٍ من أمور الشَّرِّ ،يكُنْ عليه جزءٌ من الإثمِ والوِزر المترتِّبِ على سَعيِه ونيَّته، وفي ذلك تحذيرُ مِن الشَّفاعةِ السَّيِّئة ، وكان الله على كل شيءٍ مقتدرًا، وهو على كلِّ شيء حفيظٌ وحسيبٌ ، فالعلماء متفقون على أن شفاعة الناس بعضهم لبعض تدخل في عموم الآية ، وأنها قسمان : حسنة وسيئة ، فالحسنة أن يشفع الشافع لإزالة ضرر ورفع مظلمة عن مظلوم أو جر منفعة إلى مستحق ، ليس في جرها إليه ضرر ولا ضرار ، والسيئة أن يشفع في إسقاط حد ، أو هضم حق ، أو إعطائه لغير مستحق ، أو محاباة في عمل ، بما يجر إلى الخلل والزلل ، والضابط العام أن الشفاعة الحسنة هي ما كانت فيما استحسنه الشرع ، والسيئة فيما كرهه أو حرمه ، فالشفاعة الحسنة: هي التي يتوصل بها المسلم إلى أخذ حقه الذي لا ينازعه فيه أحد، ويكون أهلا لذلك الحق، يملك جميع الكفاءات التي ترشحه إليه، بشهادة أهل الخبرة والاختصاص ، وأما الشفاعة السيئة: فهي التي يتوصل بها إلى أخذ حقوق الآخرين، لا لكفاءة ولا لتفوق، وإنما للمعرفة والقرابة والصحبة ، والشفاعة السيئة لا تكون إلا في الأمور المشتركة بين جماعة من الناس، كالوظائف العامة في الدولة التي يتقاسمها جميع المواطنين،
ومن العبر في الآية أن نتذكر بها : أن الحاكم العادل لا تنفع الشفاعة عنده إلا بإعلامه ما لم يكن يعلم من مظلمة المشفوع له ،أو استحقاقه لما يطلب له ، ولا يقبل الشفاعة لأجل إرضاء الشافع فيما يخالف الحق والعدل ،وينافي المصلحة العامة ، وأما الحاكم المستبد الظالم فهو الذي تروج عنده الشفاعات ; لأنه يحابي أعوانه المقربين منه ،ليكونوا شركاء له في استبداده ، فيثق بثباتهم على خدمته ،وإخلاصهم له ، وما الذئاب الضارية بأفتك من الغنم من فتك الشفاعات في إفساد الحكومات والدول ، فإن الحكومة التي تروج فيها الشفاعات ، يعتمد التابعون لها على الشفاعة في كل ما يطلبون منها ،لا على الحق والعدل ، فتضيع فيها الحقوق ، ويحل الظلم محل العدل ، ويسري ذلك من الدولة إلى الأمة فيكون الفساد عاما .
أيها المسلمون
لقد خلق الله الخلق فجعلهم درجات، وفاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والأعمال والعقول وغير ذلك، وكل ذلك من أجل أن يتخذ بعضهم بعضاً سخرياً، يكون كل منهم مسخراً لخدمة الآخر والسعي في حاجته، الغنيُ يخدمُ الفقير بجاهه وماله، والفقير يخدم الغني بعمله وسعيه، ومن نعم الله على العبد المسلم نعمة الجاه والمكانة بين الناس، إذا قام بشكرها كانت نعمة، وإذا قام بكفرها فحجب هذا الجاه عن أهله المستحقين له كانت نقمة ووبالاً عظيماً، قال – صلى الله عليه وسلم -:« مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ ».رواه مسلم ، ومن أعظم أبواب النفع للمسلمين باب الشفاعة الحسنة ، فالشفاعة الحسنة وبذل الجاه والمكانة للمسلمين أياً ما كانوا أصبح في حكم المعدوم والنادر في هذا الزمان، وتناسى أصحاب المكانات والجاه والرئاسة الفضل العظيم في قبول الشفاعات الحسنة، ففي الصحيحين : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »، وقال الإمام الشافعي: “الشفاعات زكاة المروات ” ، وجاء رجلٌ إلى الحسن بن سهل يستشفع به في حاجة، فقضاها، فأقبل الرجل يشكره، فقال له الحسن بن سهل: علام تشكرنا، ونحن نرى أن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة؟ ، فالشفاعة الحسنة مبذولة لكل مسلم، وليست لمعارفك ولا لإخوانك ، فلا تبخل بجاهك ومساعدتك عن إخوانك المسلمين، فإنما المؤمنون إخوة، فإن جاءك رجل مسلم يريدُ شفاعتك في كذا فقم معه ولا تتوانى فقد ترفع عنه الظلم أو تجلب له الخير بشفاعتك الحسنة ، واعلم أن للشفاعة الحسنة أحكاما تتعلق بها، وتنبيهات يجدر بالمسلم أن يتفطن لها، فإذا شفعت أيها الأخ المسلم شفاعة حسنة: فلا يجوز لك أن تأخذ مقابل على هذه الشفاعة والواسطة، والدليل ما رواه الإمام أحمد : (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ شَفَعَ لأَحَدٍ شَفَاعَةً فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَاباً عَظِيماً مِنَ الرِّبَا ». ، بل إن ظاهر الحديث يشمل الأخذ ولو بدون شرط مسبق كما يقوله الشيخ العلامة ابن باز، فلو شفعت أخي المسلم لأخيك وجاءك بهدية – بدون أن تشترطها – فلا تأخذها، وأجرك على الله، ولا تجعل باباً للشيطان يُفسد عليك أعمالك الصالحة التي تبتغي بها وجه الله، فلا تقبل هدية، ولا مالاً، ولا خدمة أخرى مقابل شفاعتك وواسطتك،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي معرض حديثنا عن الشفاعة ، فتذكر أُخي أنه في يوم الدين تزول الشفاعات الباطلة، ولا تبقى إلا شفاعة من أذن الله له ورضي له قولاً، يقول الكفار في ذلك اليوم: ( فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا) الأعراف 53، ويقول الله عز وجل 🙁 فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) المدثر (48) ، وتكون الشفاعة الكبرى ،والمقام المحمود يوم القيامة لسيد ولد آدم ، إنه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ففي الصحيحين، واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي دَعْوَةٍ ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وَقَالَ « أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، هَلْ تَدْرُونَ بِمَنْ يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي ، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ ، إِلَى مَا بَلَغَكُمْ ، أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَبُوكُمْ آدَمُ ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ ، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا فَيَقُولُ رَبِّى غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ ، نَفْسِى نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى ، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ . فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا ، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ رَبِّى غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، نَفْسِى نَفْسِي ، ائْتُوا النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – ، فَيَأْتُونِي ، فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، وَسَلْ تُعْطَهُ »
الدعاء