خطبة عن (حياة القبر والبرزخ بعد الموت)
مارس 29, 2016خطبة عن (نبي الله سليمان وبناء المسجد الأقصى والوفاة)
مارس 30, 2016الخطبة الاولى (أدلة البعث يوم القيامة )
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شرك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (114) آل عمران
إخوة الإسلام
إن الإيمان باليوم الآخر هو ركن من أركان الإيمان. ومنكره كافر لأنه جحد ركنا من أركان الإسلام. قال تعالى: ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء 136. وفي صحيح البخاري : (قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ « أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ».. واليوم الآخر: هو يوم الجزاء، وهو يوم الحساب، وهو الحياة الثانية بعد الموت وإقامة العدل الرباني بين الخلائق وسمّاه الله تعالى باليوم الآخر لأنه آخر يوم في هذه الدنيا. وقد كذَّب كثير من الناس قديماً وحديثاً باليوم الآخر.ولم يؤمنوا بالبعث والنشور بعد الموت. وقد ذكر القرآن الكريم قول المكذبين وذمهم وكفَّرهم وتهدَّدهم وتوعَّدهم، قال تعالى: (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ) الرعد 5، وقال تعالى: (وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ . وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) الانعام 29 ، 30. وقال تعالى: (وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا . قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا .أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) الاسراء 49 : 51، ويمكننا أن نصنف المنكرين لليوم الآخر والمكذبين بالبعث والنشور إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول: هم الملاحدة.وهم الذين أنكروا وجود الخالق، ومن هؤلاء كثير من الفلاسفة ومنهم الشيوعيون في عصرنا.واللادينيين. وهؤلاء ينكرون وجود الله الخالق ولا يؤمنون بخلقه للكون.وبالتالي ، فهم ينكرون النشأة الأولى والثانية، وهؤلاء لا ينفع معهم الإقناع ولا يلتفتون إلى الأدلة والبراهين .لأنهم غير مؤمنين بالله أصلا ، الصنف الثاني: هم الذين يعترفون بوجود الخالق، ولكنهم يكذبون بالبعث والنشور، ومن هؤلاء العرب الذين قال الله فيهم: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) لقمان 25، وفي نفس الوقت هم القائلون فيما حكاه الله عنهم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ . لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) النمل 67 ، 68. وهؤلاء يدَّعون أنهم يؤمنون بالله، ولكنهم يَدَّعون أن قدرة الله عاجزة عن إحيائهم بعد إماتتهم، وهؤلاء هم الذين ضرب الله لهم الأمثال، وساق لهم الحجج والبراهين لبيان قدرته سبحانه على البعث والنشور، وأنه سبحانه لا يعجزه شيء… الصنف الثالث: هم الذين يؤمنون بالمعاد والبعث والنشور على غير الصفة التي جاءت بها الشرائع السماوية. فمثلا النصارى يعتقدون أن الذي ينعم أو يعذب في القيامة هي الروح فحسب وليس الروح والجسد. هذه هي أصناف الناس ومقفهم من يوم القيامة والدار الآخرة
أيها الموحدون
إن الإيمان باليوم الآخر والدار الآخرة وما فيها من جزاء للمحسنين والكافرين أمر أوجبه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ودلا عليه دلالة قاطعة.. والفطرة السليمة تدلُّ عليه وتهدي إليه.وأسوق اليكم أدلّة البَعث والنشُور: الدليل الأول : إخبار العليم الخبير بوقوع القيامة: فأعظم الأدلة الدالة على وقوع المعاد إخبار الحق تبارك وتعالى بذلك، فمن آمن بالله، وصدَّق برسوله الذي أرسل، وكتابه الذي أنزل فلا مناص له من الإيمان بما أخبرنا به من البعث والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار.. كقوله تعالى:(إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) طه 15..وقوله تعالى:(إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ) الانعام 134. وقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) سبأ 3 ،وكقوله تعالى (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ) سبأ 30.. أما الدليل الثاني: فهو الإستدلال على النشأة الأخرى بالنشأة الأولى:فقد استدلَّ القرآن الكريم على الخلق الثاني بالخلق الأول، فنحن نشاهد في كلِّ يوم حياة جديدة تخلق: أطفال يولدون، وطيور تخرج من بيضها، وحيوانات تلدها أمهاتها..فالقادر على خلقهم، قادر على إعادة خلقهم، وقد أكثر القرآن من الاستدلال على النشأة الآخرة بالنشأة الأولى، وتذكير العباد المستبعدين لذلك بهذه الحقيقة ،كقوله تعالى (وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا . أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) مريم 66.. فالقادر على هذا الخلق المشاهد المعلوم، قادر على إعادة الخلق، وإحياء الموتى ، وكقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ) الحج 5 : 7.. وقد أمر الله عباده بالسير في الأرض، والنظر في كيفية بدأ الخلق ليستدلوا بذلك على قدرته على الإعادة ، قال تعالى :(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ – قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) العنكبوت 19 ، 20 ، أما الدليل الثالث على البعث في يوم القيامة: أن القادر على خلق الأعظم قادر على خلق ما دونه فكيف يقال للذي خلق السماوات والأرض أنت لا تستطيع أن تخلق ما دونها ،قال تعالى: ( وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا . أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا) الاسراء 98 ، 99 ، وقال سبحانه: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) يس 81 ، الدليل الرابع : قدرته تبارك وتعالى على تحويل الخلق من حال إلى حال: فالذين يكذبون بالبعث يرون هلاك العباد، ثم يرون فناءهم في التراب، فيظنون أن إعادتهم بعد ذلك مستحيلة ،قال تعالى : (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) السجدة 10 ،. والمراد بالضلال في الأرض تحلل أجسادهم، ثم اختلاطها بتراب الأرض ، فأن من تمام ألوهيته وربوبيته قدرته على تحويل الخلق من حال إلى حال، ولذا فإنه يميت ويُحيي، ويخلق ويفني، ويخرج الحي من الميت، والميت من الحي، كقوله تعالى (إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ . فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) الانعام 95 ، 96، ومن الحبة الجامدة الصماء يُخرج الله نبتة غضة خضراء تزهر وتثمر، ثم تعطي هذه النبتة الحية حبوباً جامدة ميتة، ومن الطيور الحية يخرج البيض الميت، ومن البيض الميت تخرج الطيور المتحركة المغردة التي تنطلق في أجواز الفضاء. إذن فتقلب العباد: موت فحياة، ثم حياة فموت، دليل عظم على قدرة الله تجعل النفوس تخضع لعظمته وسلطانه ،قال تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة 28 .وقد جمع الله تبارك وتعالى الأدلة الثلاثة الأخيرة في موضع واحد في كتابه العزيز ، فهذاكافر ملحد جاء بعظم بالي، ثم فتته، ثم نفخه، ثم قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ” يا محمد! أتزعم أن الله يبعث هذا؟ “. فأنزل الحق تبارك وتعالى هذه الآيات معيِّراً هذا الكافر بجهله وضلاله ،فقال تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ – قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ – الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ – أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ – إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ – فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يس 78 : 83 .. الدليل الخامس: إحياء بعض الأموات في هذه الحياة الدنيا ليكون ذلك آية بينة على أنه سبحانه قادر على إحياء الموتى يوم البعث والنشور: وقد حدثنا الله تبارك وتعالى عن شيء من هذه المعجزات الباهرة، فمن ذلك : أن قوم موسى قالوا له: (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) البقرة 55فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، ثم بعثهم بعد موتهم ، قال تعالى (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ – ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة 55، 56. وقد قتل بنو إسرائيل قتيلاً واتهم كل قبيل منهم القبيل الآخر بقتله، فأمرهم نبيهم أن يذبحوا بقرة، فذبحوها بعد أن تعنتوا في طلب صفاتها، ثم أمرهم نبيهم بعد ذبحها أن يضربوا القتيل بجزء منها، فأحياه الله وهم ينظرون، فأخبر عمن قتله، قال تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة 73 . وتلك آية أخرى تدل على قدرة الله الباهرة:قال تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة 259، وسيدنا إبراهيم عليه السلام دعا ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، فكان هذا المشهد الذي حدثنا الحق تبارك وتعالى عنه: قال تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة 260. وعيسى عليه السلام كان يصنع من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وكان يحيي الموتى بإذن الله، فقد قال لقومه: قال تعالى(وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ) آل عمران 49،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أدلة البعث يوم القيامة )
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شرك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما الدليل السادس على البعث والنشور: فإن الله ضرب المثل لإعادة الحياة إلى الجثث الهامدة والعظام البالية يوم القيامة بإحيائه الأرض بعد موتها بالنبات ،قال تعالى : (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الروم 50. وقال سبحانه: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) فاطر 9 . وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فصلت 39. وقال سبحانه: (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) الزخرف 11، الدليل السابع على بعث الناس يوم القيامة: أن حكمة الله وعدله تقتضي بعث العباد للجزاء والحساب: فالله خلق الخلق لعبادته فمن العباد من استقام على طاعة الله، وبذل نفسه وماله في سبيل ذلك. ومنهم من رفض الاستقامة على طاعة الله، وطغى وبغى، أفمن العدل بعد ذلك أن يموت الصالح والطالح ولا يجزي الله المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، قال تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ – مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) القلم 35، 36.. وقوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص 28
وكما قال القائل : ولو أنَّا إذا متنا تركنا .. لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا .. ونسأل بعدها عن كل شي
إذن فالعدل يقتضي أن يبعث الله الناس بعد موتهم ليحاسب المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته. وإلا. لكان المسئ أوفر حظا من المحسن لأنه تمتع بالحرام ولم يحاسب عليه..والمؤمن ضيق على نفسه ، وبعد أن استمعنا الى الأدلة والبراهين التي ساقها الله إلينا لتدلل وتبرهن على قدرته على البعث والنشور وأن القيامة حق والجنة حق والنار حق ، فما علينا إلا أن نستعد من الآن للقاء الله وأن نكون من أهل السعادة في الدار الآخرة قال تعالى (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) آل عمران 115 ، وقال تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران 133،
الدعاء