خطبة عن ( توبة آدم، وتوبة إبليس )
سبتمبر 3, 2022خطبة عن ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا )
سبتمبر 4, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين واللفظ للبخاري : (أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا ، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا ، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا ، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا » .
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم – إن شاء الله – مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي يَحكي لنا فيه الصحابي الجليل (أبو هُريرَةَ) – رضي اللهُ عنه – أنَّه سمِع رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : (إنَّما مَثَلي ومَثلُ النَّاس كمَثل رجل)؛ أي مثلي في دعائي الناس إلى الإسلام ، وهو المنقذ لهم من النار ، ومثل ما تزين لهم أنفسهم من التمادي على الباطل ،كحال رجلٍ (استوقد نارًا)، (فلمَّا أضاءتْ ما حوله، جعَل الفَراش) ، وهي الدواب التي تطيرُ وتتهافتُ في السِّراج؛ بسببِ ضَعْف أبصارها، فهي بسببِ ذلك ، تطلُب ضوء النَّهار، ولا تزال تطلُب الضوء ، وتَرمي بنفسها فيه حتى تحترق، (فجعل) الرَّجل (يَنزِعهنَّ) أي: يمنعهنَّ (ويَغلِبْنَه فيقتحمْنَ فيها) فيدخُلْن في النَّار، (فأنا آخُذ بحُجَزكم عن) المعاصي التي هي سبب للولوج في (النَّار)، (وهم يَقتحمون) أي: يدخُلون فيها بشِدَّة ومزاحَمة ، وهكذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم تهافت أصحاب الشهوات في المعاصي (التي تكون سببا في الوقوع في النار)، بتهافت الفراش بالوقوع في النار اتباعا لشهواتها ، وشبه ذبه العصاة عن المعاصي ، بما حذرهم به ، وأنذرهم ، بذب صاحب النار الفراش عنها ، وقال عياض : شبه تساقط أهل المعاصي في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا ، وقال النووي : مقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبة المخالفين له بالفراش، وتساقطهم في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا ،مع حرصهم على الوقوع في ذلك، ومنعه إياهم ،والجامع بينهما اتباع الهوى ،وضعف التمييز ،وحرص كل من الطائفتين على هلاك نفسه، وقال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا مثل كثير المعاني ، والمقصود أن الخلق لا يأتون ما يجرهم إلى النار على قصد الهلكة ،وإنما يأتونه على قصد المنفعة ،واتباع الشهوة ،كما أن الفراش يقتحم النار لا ليهلك فيها ،بل لما يعجبه من الضياء، فَمَقْصُود الْحَدِيث أَنَّهُ شَبَّهَ تَسَاقُط الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتهمْ فِي نَار الآخِرَة، وَحِرْصهمْ عَلَى الْوُقُوع فِي ذَلِكَ، مَعَ مَنْعه إِيَّاهُمْ، وَقَبْضه عَلَى مَوَاضِع الْمَنْع مِنْهُمْ، بِتَسَاقُطِ الْفِرَاش فِي نَار الدُّنْيَا لِهَوَاهُ، وَضَعْف تَمْيِيزه، وَكِلاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلاكِ نَفْسه، سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ .
أيها المسلمون
فهذا الحديث النبوي الكريم يعكس جانباً عظيما من جوانب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ،وكيف كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على أمته ، شفوقاً بها, وأنه صلى الله عليه وسلم كان يحذر أمته من خطورة اقتراف المعاصي وارتكابها ، وصدق الله العظيم ، إذ قال في كتابه العزيز : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ((التوبة:128) ، فينبغي للمسلم أن ينقاد لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ،وأن يكون طوعا لها ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يدل على الخير ، واتقاء الشر ، فليس هناك سبيل إلى النجاة إلا باتباعه صلى الله عليه وسلم ، والسير في طريقه ، والتمسك بهديه ، وفي هذا الحديث أيضا بيان لخطورة مواقعة المعاصي, والاجتراء على حرمات الله تعالى, وقد روى مسلم في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ »., فرسالة الإنسان في الأرض ليست للمشي وراء الشهوات والملذات, فشهوات الدنيا وملذاتها مرغبة إلى النفس, والنفس بطبيعتها تطمح إلى موقعتها والاستهانة بها, وإنما كانت رسالةالإسلام هي الارتقاء بهذا الإنسان في جانب الأخلاق والمعاملات ، فلا يجوز للمسلم بحال أن يواقع المعاصي بدعوى أنها تحقق لذته وترضي غريزته, فخشيته لله وخوفه منه, يملئ عليه حياته ويملئ عليه دنياه, , أفلا يعقل هؤلاء العصاة أن تستيقظ فطرتهم, فهذه المعاصي ستوردهم الموارد كالفراش الذي يتقحم في النار, وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوبا أصيلا في الدعوة إلى الله, وهو أسلوب الإنذار والترغيب والتخويف, ليوقظ الإيمان في القلوب ، فالإنسان أحوج من الإنذار منه إلى التبشير, لأن فطرته مائلة إلى الحظ العاجل دون الآجل, كحال هذا الفراش الذي يظن أنه يقترب نحو النور والدفيء ،ويحدث له الخير, ولكنه لا يتصور أن اقترابه من هذا النور سبب لنهايته وهلاكه, وهكذا حال العصاة. والحديث أيضا يعكس مدي شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته, فما هذا الدفع إلا لشفقته عليها من الهلاك, فهو صلى الله عليه وسلم أعظم ناصحٍ, نصحاً يفوق نصح هذا الراعي صاحب النار لفراشاته بأن يبتعدن عن النار ، وعن مواقعتها,
أيها المسلمون
ومن أوجه الإعجاز العلمي في هذا الحديث : أن الحديث شبه سقوط الْجَاهِلِينَ والعصاة فِي نَار الآخِرَة ، بِتَسَاقُطِ الْفِرَاش فِي نَار الدُّنْيَا ، والفراش لا ينجذب إلى النار لضعف تمييزه أو لجهل منه فقط ، بل ينجذب للأشعة فوق البنفسجية التي تثيره لعمل عملية التزاوج ، ويصر عليها ، ولكنه يُفاجأ بمصيره الحتمي بوقوعه في النار، وكذلك حال العاصين والمخالفين للرسول صلى الله عليه وسلم ، فانجذابهم للنار بسبب غواية الشهوات لهم، وهم لا يرون الأشياء على حقيقتها ، كالفراش ، فهو لا يرى النار الحارقة على حقيقتها ، ولكن يراها بعين ترى الأشعة فوق البنفسجية فقط ، فيرى النار بشكل مختلف ، تجعله ينجذب إليها، بينما المخالفين تحجبهم رؤية الشهوات والاستمتاع المؤقت بها عن رؤية نار يوم القيامة ،فلنار الآخرة جاذبية تجذب إليها الخارجين على حدود الله ، والمنفلتين من سياج الشريعة ،بسبب حبهم لمتع الدنيا المحرمة ،وجهلهم بعواقب أمورهم، كما أن لنار الدنيا جاذبية تجذب إليها الجنادب والفراش بسبب إدراكهم المحدود لما يحبونه وعدم إدراكهم لعواقب الأمور.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي هذا الحديث العظيم نلحظ نوعين من الإعجاز ، الاعجاز الأول : اعجاز بلاغي : وهو دقة التشبيه النبوي بين حالة مادية محسوسة مشاهدة وبين حالة معنوية ،وجه الشبه فيهما يكاد يكون متطابقا وهو إعجاز علمي ، والاعجاز الثاني : إعجاز علمي : وهو تخصيص الرسول نوعين فقط من الحشرات للتمثيل بهما ،إحداهما الفراشات والأخرى الجنادب ، فهي التي تنجذب بشكل واضح وظاهر لأي مصدر من مصادر النار المشتعلة التي تشع الأشعة فوق البنفسجية.
أيها المسلمون
ومن الفوائد والثمرات التي يمكن لنا أن نستخلصها من هذا الحديث : أن فيه بيان حال الناس وما فيهم من الحرص على الدنيا، واتباع الشهوات ومقارفة المعاصي التي تكون سبباً لوقوعهم في النار في الآخرة. وأن للدنيا بريق يبهر ضعفاء البصائر، فينخدعوا بها وينشغلوا بزخرفها وشهواتها عما خلقوا له، من عبادة الله واتباع أوامره واجتناب نواهيه، فيعرضوا انفسهم لسخط الله وعقوباته العاجلة والآجلة. وفي الحديث ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة والحرص على نجاة الأمة ،
الدعاء