خطبة حول قوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ)
أكتوبر 28, 2022خطبة حول الدعاء وحديث ( نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ )
أكتوبر 28, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه : (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ فَجَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يبين لنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفيةَ خَلْق آدمَ عليه السَّلامُ وذُرِّيتِه، وأسباب الإختلاف في طباعهم وأخلاقهم ، فيقول صلى الله عليه وسلم : (إنَّ اللهَ خلَق آدَمَ مِن قَبْضَةٍ قبَضَها)، أي: كانت بداية خَلْقِ الإنسانِ مِن قَبْضَتِه سبحانه وتعالى ، والقبضة: هي ما يُضمُّ عليه بالكفِّ، (مِن جَميعِ الأرضِ) أي: مِن جميعِ أجزائِها؛ مِن طيِّبها وخَبيثِها ومُختلَفِ ألوانها، كما قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] ،وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف الأرض في تقبلها للماء ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً) ، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم : (فجاءَ بنُو آدَمَ على قَدْرِ الأَرْضِ)، أيْ: مِن الأشكالِ والطِّبَاعِ، فمِن أَبيضِها جاء الأبيضُ، ومِن أسهَلِها جاءَ السهلُ، وهكذا (جاء منهم الأحمرُ) كالتُّركِ،(والأبيضُ) كالعَربِ، (والأسودُ) كالحُبشِ؛ فالكلُّ جاءَ بحَسب تُرْبتِه، وهذِه هِي أُصولُ الألوانِ، والباقِي مُرَكَّبٌ منها، كما قال: (وبيْن ذلك) أي: وغير هذِه الألوانِ أجزاءٌ منها ومرَكَّبٌ منها ، هذا ما كان مِن الألوانِ، وأمَّا ما كان مِنَ الطِّباعِ؛ فمنها: (السَّهْل والحَزْن) أي: اللَّيِّن الرَّفِيق، وغَلِيظ الطَّبْع الجَافِي العَنِيف ، ومنها: (الخَبِيثُ والطَّيِّبُ) أي: خَبِيثُ الطَّبْعِ والصِّفَات، تربتُه سَبِخَةٌ كلُّها ضُرٌّ، وطيِّبُ السَّريرِة والخِصَال تربتُه خِصْبَةٌ كلُّها نَفْعٌ، فالكلُّ جاءَ بطَبْعِ أرضْه، كما قالَ الله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} [الأعراف: 58]. (وبَينَ ذلك) أي: ومِنها الذي يَشتمِلُ على خَلْطٍ بين ما هو حَميدٌ طيِّبٌ وبين ما هو خبيثٌ وسيِّئٌ، أو أنَّ منها ما يَغلِبُ خُبثُه طيبَه، ومنها ما يَغلِبُ طيبُه خُبثَه ، وقال المباركفوري رحمه الله : قال الطيبي : لمَّا كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض : أجريت على حقيقتها ، وأُولت الأربعة الأخيرة لأنها من الأخلاق الباطنة ، فإن المعنى بالسهل : الرفق واللين ، وبالحزن : الخرق والعنف ، وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة : المؤمن الذي هو نفع كله ، وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة : الكافر الذي هو ضر كله ” تحفة الأحوذي “ ، فكذلك هي أخلاق الناس، فمنهم من يكون تعاملهم سَلِساً يسيراً ،ومنهم من يكون تعاملهم صعباً عسيراً، ومنهم المؤمن الطيّب والكافر الخبيث، ويدلّ ذلك على عظمة قدرة الله -سبحانه وتعالى – وتفرّده بالخلق، ووحدانيته في خلق الكون، يقول الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- عن اختلاف أشكال الناس وألوانهم: (قد أوضح تعالى في غير هذا الموضع أنَّ اختلاف ألوان الآدميين واختلاف ألوان الجبال والثمار والدَّواب وَالأنعام كلّ ذلك من آياته الدالة على كمال قدرته واستحقاقه للعبادة وحده واختلاف الأَلوان المذكورة من غرائب صنعه تعالى وعجائبه ومن البراهين القاطعة على أنّه هو المؤَثِّر وأنَّ إِسناد التأثير للطبيعة من أعظم الكفر والضلال) ، فهذا كله من دلائل قدرة الله جل جلاله ، وعظيم سلطانه ؛ وأن الخلق كلهم ، مؤمنهم وكافره ، سهلهم وحزنهم ؛ لا يخرجون عن قبضة الله وقدرته وسلطانه ، بل الكل في ملكه وملكوته ، مسخر بأمره وتقديره ؛ خلقهم على ما شاء من حكمة ، وجعل خلقهم ، واختلافهم آية على قدرته ، ودليل على عظمته ، وأنه القادر الذي يخلق ما يشاء ويختار ، ما كان لأحد من خلقه شيء من الخيرة في خلقه وأمره وسلطانه ؛ بل هو متفرد سبحانه بالخلق كله ،قال الله تعالى 🙁 أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الاعراف 54،
أمّا ما يجب على المؤمن لقاء هذا الاختلاف والتنوع بين البشر أن يُسلِم لله -سبحانه تعالى- ويفرده بالعبادة ،فهو الذي خلق الناس على هذا الاختلاف ،لحكمة وتدبير أراده في خلقه ، فما ظهر لنا من أنّ الناس متنوعين في الطبائع والصفات نؤمنُ به ،وما خفي علينا ندعُ التفصيل فيه إيماناً وتسليماً ويقيناً بحكمِ الله -تعالى- ، وأنَّه المتصرف المتفرّد بالخلق والإيجاد، وقال الله تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص 68 ، وقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ) الروم 22 .
أيها المسلمون
وفي بيان اختلاف الناس في طبائعهم ، جاء في سنن الترمذي : يقول صلى الله عليه وسلم : « أَلاَ إِنَّ بَنِى آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمُ الْبَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ وَمِنْهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمْ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ أَلاَ وَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ أَلاَ وَشَرُّهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ بَطِيءُ الْفَيْءِ أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمْ حَسَنَ الْقَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ وَمِنْهُمْ سَيِّئُ الْقَضَاءِ حَسَنُ الطَّلَبِ وَمِنْهُمْ حَسَنُ الْقَضَاءِ سَيِّئُ الطَّلَبِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ أَلاَ وَإِنَّ مِنْهُمُ السَّيِّئَ الْقَضَاءِ السَّيِّئَ الطَّلَبِ أَلاَ وَخَيْرُهُمُ الْحَسَنُ الْقَضَاءِ الْحَسَنُ الطَّلَبِ أَلاَ وَشَرُّهُمْ سَيِّئُ الْقَضَاءِ سَيِّئُ الطَّلَبِ)، فحظوظ بني آدم من الطبائع كحظوظ بني آدم من الذكاء والقوة والضعف، والطول والقصر، ونحو ذلك، وكما تتفاوت الأجساد والخلقة تتفاوت الطبائع والأخلاق،
ومن المعلوم لدينا جميعا أن تغيير الطبائع شاق ، ولكنه ممكن ، فتغيير الطبائع من أشق الأمور على النفوس، والطبع غلَّاب كما قالت العرب، والطبع يغلب التطبع، ونقل جبل من مكانه أسهل من تغيير طبع، ولكن لا ييأس الإنسان؛ فإن التغيير ممكن، وإن كان شاقاً على النفس لكنه يواتي من جاهد ، وخالق الأنفس أعلم بها، ولذلك ندبنا إلى تزكيتها، فقال الله تعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) الشمس:7-10، فكل واحد من البشر يحمل في نفسه كوامن الخير والشر، والرذيلة والفضيلة، والتقوى والفجور، والنشاط والكسل، وعلو الهمة ودنو الهمة، فهو قادر على تزكية نفسه ببعث أحد الخُلقين ، وكبت المقابل له -السيء-، فالأصل هو استعداد النفس لقبول الحق، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ » . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه :(فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الروم (30) ، فهذه الطبائع التي خلق الله عليها النفوس قابلة للترويض، وقابلة للتحويل والتغيير والتبديل، فالإنسان خلقه الله قادراً على اكتساب الطبائع والأخلاق التي ليست عنده، أو التي هي ضعيفة عنده، فهو يقدر على اكتسابها، وعلى الاستزادة منها، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) العنكبوت:69، فمن جاهد نفسه على التحلي بالفضائل، وجاهدها على التخلي عن الرذائل، حصل له خير كثير، واندفع عنه شر كثير، والنصوص الشريعة تدل على إمكانية مقاومة الإنسان للأخلاق الرديئة وكبتها، وكذلك الاستزادة من الأخلاق الحميدة وتطويرها، ومن الأدلة على ذلك ما رُوي: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَوْصِنِي . قَالَ « لاَ تَغْضَبْ » . فَرَدَّدَ مِرَارًا ، قَالَ « لاَ تَغْضَبْ » رواه البخاري ، فالإنسان وإن كان غضوباً ،لكنه قادر على كتم الغيظ ،وكبت الغضب إن أراد، وجاهد نفسه وحملها على ذلك، مع ما يوجد في هذا من الألم والمشقة والصعوبة، ولكن بالاستعانة بالله تعالى يمكن هذا، وأيضاً من الأدلة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفُّهُ اللَّهُ ،وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ،وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ )، فتأمل قوله:(يتصبر)، يتكلف الصبر ويحمل نفسه على الصبر، وهكذا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
هناك بعض الناس يبرر سوء طبعه ، وسوء أخلاقه بالوقوع تحت الضغوط، ومن استقرأ سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم ،علم أن قريشاً كلما ازدادت عليه ضغطاً، وازدادت له اضطهاداً، وازدادت عنفاً، وازدادت على أصحابه عدواناً، ازداد صلى الله عليه وسلم حلماً، وكظماً لغيظه ، فمن أخطر الأشياء على العبد أن يستمر على طبعه السلبي ،ولا يقاوم نفسه، ولا يجاهدها، ولا يتكلف، ولا يتحمل، ولو كان الاحتجاج بالطبع حجة مقبولة ،لعذر الله الكفار والمشركين ،الذين نشأوا على الكفر منذ صغرهم، وصار في طبعهم وخصالهم، وقد رد شيخ الإسلام في تائيته على من احتج بهذا فقال:
وقول حليف الشر إني مقدَّر *** علي كقول الذئب هذه طبيعتي
فهل ينفعن عذر الملوم بأنه *** كذا طبعه أم هل يقال لعثرة
أم الذم والتعذيب أوكد للذي *** طبيعته فعل الشرور الشنيعة
فسوء الخلق من الشؤم، وكم من إنسان حصل له من النكبات من جراء ذلك، ولذلك الواجب على الناس حسن الخلق ،وترك سوء الخلق، فالخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ، وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة ،وخلق واحد سيء، فيفسد الخلق السيئ عند الناس النظرة إلى ذلك الرجل مع ما فيه من الأخلاق الصالحة الكثيرة ، ولذلك يجب أن تنبعث التربية الإسلامية مرة أخرى لإحياء النفوس بطاعة الله، وحملها على الأخلاق الحسنة، والتأني في ذلك درجة درجة، وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ »، وهكذا يعالج الإنسان نفسه شيئاً فشيئاً في أمور التعلم، فيزداد علماً، وفي أمور التحلم، فيزداد حلماً ،حتى يعود إلى الشخصية القرآنية ،التي أراد الله من عباده أن يكونوا عليها، قال الله تعالى : (أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ *وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لقمان:17-19 ،
أيها المسلمون
ويعتبر هذا الاختلاف بين اخلاق الناس وطباعهم نوعٌ من الثراء البشري المكنون الذي اختزنه الله سبحانه وتعالى في البشر إلى يوم الدين فجاء البشر في كل جيل مختلفون شكلاً وفكراً وقدراتٍ ومعطياتٍ, ذكوراً وإناثاً رجالاً ونساءً ، وقد أقرَّ الله سبحانه وتعالى هذا الاختلاف بقوله تعالى : {ولَو شَاء ربُّكَ لَجعلَ النَّاسَ أمَّةً واحِدةً ولاَ يزَالُونَ مُختَلِفينَ{118} إِلاَّ مَن رَّحمَ ربُّكَ ولذَلكَ خَلقَهُم وتَمَّتْ كلِمةُ ربِّكَ لأَملأنَّ جهنَّمَ منَ الجِنَّةِ والنَّاسِ أَجمَعِينَ} {118} ، {119} (هود ) ، فالإسلام لا يريد من الأشخاص أن يكونوا متطابقين إلى درجة زوال الفروق الفردية بينهم ولا يريد منهم أن يكونوا نسخا مكررة عن بعضهم, وكذلك لا يريد منهم أن يكونوا متنافرين بحيث يصبحوا أعداء متشاحنين , لكن المطلوب أن يتقارب المسلم مع أخيه المسلم ،فلا يغلوا ،ولا يقصر ،وهذا في مجالات الحياة كلها.
الدعاء