خطبة حول قوله تعالى ( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى)
أكتوبر 28, 2022خطبة عن ( محبوبات الله تعالى )
أكتوبر 28, 2022الخطبة الأولى ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) البقرة (143) ،(144)
إخوة الإسلام
حول هذه الآيات سوف يكون حديثنا اليوم -إن شاء الله- ، فقد جاء في التفسير الميسر في تفسير هذه الآيات : وكما هديناكم -أيها المسلمون- إلى الطريق الصحيح في الدين، جعلناكم أمة خيارًا عدولا لتشهدوا على الأمم في الآخرة أن رسلهم بلَّغتهم رسالات ربهم، ويكون الرسول في الآخرة كذلك شهيدًا عليكم أنَّه بلَّغكم رسالة ربه. وما جعلنا -أيها الرسول- قبلة “بيت المقدس” التي كنت عليها، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة بـ “مكة”، إلا ليظهر ما علمناه في الأزل؛ علما يتعلق به الثواب والعقاب ،لنميز مَن يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت، ومَن هو ضعيف الإيمان فينقلب مرتدًا عن دينه لشكه ونفاقه. وإن هذه الحال التي هي تحول المسلم في صلاته من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة لثقيلة شاقة إلا على الذين هداهم ،ومنّ عليهم بالإيمان والتقوى ،وما كان الله ليضيع إيمانكم به ، واتباعكم لرسوله، ويبطل صلاتكم إلى القبلة السابقة. إنه سبحانه وتعالى بالناس لرءوف رحيم ، وقال ابن كثير في تفسيره 🙁 وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي : صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك لا يضيع ثوابها عند الله ، وفي صحيح البخاري: (عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ – أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ – مِنَ الأَنْصَارِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلاَّهَا صَلاَةَ الْعَصْرِ ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ ، وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قِبَلَ مَكَّةَ ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ . قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا ، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) ، وقال الحسن البصري : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي : ما كان الله ليضيع محمدا صلى الله عليه وسلم وانصرافكم معه حيث انصرف ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) البقرة (143) ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – سَبْىٌ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِى ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ » . قُلْنَا لاَ وَهْىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ . فَقَالَ « اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا »، وقال السعدي : { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي: شديد الرحمة بهم عظيمها، فمن رأفته ورحمته بهم, أن يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها، وأن ميَّزَ عنهم من دخل في الإيمان بلسانه دون قلبه، وأن امتحنهم امتحانا, زاد به إيمانهم, وارتفعت به درجتهم، وأن وجههم إلى أشرف البيوت, وأجلها.
أيها المسلمون
الإسلام دين هداية ورحمة، ودين يسر ومرونة، ودين رفق ولطف بالعباد. وشرع العبادات نوافل الخير والطاعات، وجعل من حكمتها إثمار الخشية في النفوس والتقوى في القلوب، وصلاح أحوال العباد ، وفي مقدمة تلك العبادات وفرائضها الأساسية فريضة الصلاة، فهي إحدى القواعد الخمس التي بني عليها الإسلام، والتي تجعل المسلم على صلة دائمة بربه، ورباط وثيق بخالقه، يناجيه بين يديه خمس مرات في اليوم والليلة، ويتزود منها بزاد الإيمان وتقوية اليقين ، وهذه العبادة الأساسية في الدين، فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته المؤمنة – ليلة الإسراء والمعراج – كما هو معلوم، تلك الليلة المباركة الخالدة التي أسري فيها بالرسول عليه الصلاة والسلام من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس الشريف، والعروج به من المسجد الأقصى إلى الملأ الأعلى في السماوات العلى وإلى سدرة المنتهى.
وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون المسجد الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين في الصلاة طيلة مدة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان عليه الصلاة والسلام في هذه الأثناء يكثر النظر إلى السماء، ينتظر أمر الله، وكان يحب أن يتوجه في الصلاة نحو الكعبة المشرفة، إلى أن حقق الله لنبيه أمله ورجاءه، فنزل عليه الوحي – وهو ساجد نحو البيت المقدس – بتحويل وجهته وقبلته في الصلاة إلى المسجد الحرام، وأصبح المسجد الحرام منذ تلك اللحظة هو القبلة الخالدة للمسلمين، ورمزا من رموز وحدتهم الإسلامية، وأساسا من أسس أخوتهم الإيمانية التي تجمعهم وتكون منهم أمة واحدة إلى يوم الدين ، وكان هذا التحول في القبلة مبعثا لتساؤل بعض المسلمين عن أنفسهم، وعمن كانوا يصلون إلى القبلة الأولى وانتقلوا إلى جوار الله قبل تحويلها، فأنزل الله في ذلك قوله المبين (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) البقرة (143)، ذلكم أن الإسلام دين يسر ورحمة، يحفظ للمسلم عمله الصالح، ويكتبه في سجله وصحيفته ويثيبه عليه، ويرفع به قدره وشأنه بين العباد، ويجعل مجاله واسعا وفسيحا يشمل كل ما هو مطلوب من الإنسان في دينه ودنياه، ويرغبه في ذلك ويحثه عليه، “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقوله تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) البقرة (143) ،يبين لنا أن الله عز وجل لا يضيع عمل العاملين، وقد أكد الله تعالى هذا المعنى العظيم في أكثر من موضع في كتابه العزيز، ليكون ذلك حافزا لأصحاب الحق ، السائرين في طريق الهدى والرشاد والاستقامة ، الحاملين مشعل الإيمان بالدعوة لإعادة حكم الإسلام؛ لإعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فقال الله تعالى على لسان نبي الله يوسف عليه السلام : ” قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ “ (90 يوسف) ، ففي قصة نبي الله يوسف عليه السلام عبرة عظيمة لحملة الدعوة هذه الأيام، وخاصة ونحن نعيش ظروفاً عصيبة، وأحداثاً متتالية، شدة وقهراً وتسلطاً، وظلماً تجاوز كل الحدود !!..فقد آثر سيدنا يوسف عليه السلام السجن والعذاب، على أن يفتن في دينه ، ويستسلم لمراودة امرأةٍ استحوذت عليها شهواتها، فكان جزاؤه السجن لبضع سنين ، والله عز وجل لم ينس أمره ولم يضيع حقه ، قال الله تعالى : (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) آل عمران/195 ، لقد بقيت حراسة الله تعالى لهذا الإيمان العظيم؛ ترعاه وتحفظه في داخل سجنه إلى اليوم الموعود، عندما أراد الله عز وجلّ إظهار هذا الإيمان والصبر والثبات؛ ليس فقط بظهور براءته عليه السلام من امرأة العزيز، وإنما بظهور الإيمان في ارض مصر كلها؛ فرفعه الله تعالى فوق العالمين، وبرّأه من السوء والفحشاء، وسلمه مقاليد الأمور في ارض مصر، وفي هذا درس بأن الله تبارك وتعالى لا يضيع عمل المؤمنين المخلصين الصادقين، لا في دار الدنيا ولا في الآخرة.. ففي دار الدنيا يرفعهم فوق العالمين ، ويمكن لهم في الأرض، ويظهر دعوتهم على كل الدعوات ممن حولهم، فيجب أن يكون عند حملة الدعوة يقين بصحة ما هم عليه من طريق، وثقةٌ كاملة ؛ وإنهم يبذلون قصارى جهدهم في هذا العمل،
الدعاء