خطبة عن (أعداء النجاح، وطريق التميز)
ديسمبر 15, 2022خطبة حول ( لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ )
ديسمبر 17, 2022الخطبة الأولى ( احذر الكسل ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء (142) ،وفي الصحيحين : (أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ :كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ )
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم -إن شاء الله- عن داء عضال، ومرض فتاك، من اتصف به أقعده عن العمل لدنياه وأخراه، فصار عالة على غيره، معتمداً على الآخرين، لا يسدي لأحد معروفاً ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ذلكم هو داء : (الكسل) ، وما أدراك ما الكسل؛ إنه مرض خطير، إذا فشا في أمة تخلفت ،وتقاعست، وأصبحت في ذيل الأمم، ومن اتصف بهذا الوصف الشنيع من الأفراد خسر دنياه وأخراه ، فإن أسوأ ما يصاب به الإنسان هو الخمول والكسل ،وعدم القدرة على النجاح والعمل والإنتاج ، فالكسول هو : من يترك الأمور على ما هي عليه ، دون اهتمام بالتطوير وتنفيذ الأعمال أو المحافظة عليها، وعلى هذا ، فالكسل يعتبر عدواً للنجاح؛ لأنه يؤدي إلى تراخي الأفراد وانعدام رغباتهم في العمل، وبسببه تواجههم صعوبة في تحدي الصعاب ،وتحقيق الأهداف، فتتعطل مسيرة النجاح والتقدم والإنتاج والعمل ،
فالكسل يفوت علينا الفرص التي يصعب تعويضها، ويحرمنا من تحقيق ما نرغب فيه، وبالكسل تتراكم الأعمال حتى يصل المرء إلى العجز عن القيام بها، ومن بذر بذرة «ليت»، نبتت له شجرة «لعل»، يقطف فيها ثمر «الخيبة والندامة»، قال الإمام الراغب رحمه الله: “من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى” ، ومن تعود الكسل ، ومال إلى الراحة فقد الراحة، وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب حتى لا تتعب، وقيل أيضا: إياك والكسل والضجر، فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت فلن تصبر على الحق ، ولقد ذم الله تعالى الكسل، فقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: ٣٨ – ٣٩] ، بل وعد الله سبحانه وتعالى الكسل من صفات المنافقين، فقال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء (142) .، وروى البخاري في صحيحه : ( أن أَنَسًا قَالَ :كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :« اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ » ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ».، الإنسان في هذه الحياة إذا ركن إلى الراحة والدعة والخمول والكسل هان على نفسه ،وعلى الآخرين، فالكسل حلقات متتالية، فمن كسل عن شيء ،جره ذلك إلى الكسل عن آخر ،وثالث ورابع ، حتى يلتحق بالأموات وهو يمشي على الأرض، ولربما تكاسل عن أسباب المعاش، فلجأ إلى سؤال الناس فكان دنيئا ، فحياة الرتابة والتثاؤب مملة بل قاتلة حين يظل طلب النفيس مفقوداً، وحين يعيش قطاع منا كالهمج الرعاع يكفيه من الدنيا ملبس ومطعم .. إنهم قسمان تجاه مغالطات الواقع؛ قسم ابتلاه الله بهمّ وسقم، فهو في فلكهما ليس له من الإحساس والتفاعل بالواقع شيء، وهذا لا يُعذر أبداً. وقسم لا يؤمن بالتجديد، ويوكل المهمة لغيره، وإن كان أسوأ سريرة،
أيها المسلمون
وللكسل مظاهر عديدة ،وصور كثيرة، في أمور الدين وأمور الحياة، ومن صوره وأشكاله: أولا : التثاقل في أداء الفرائض والواجبات: فالكسول يتثاقل عن أداء ما افترضه الله عليه، ويترك ما أوجبه الله عليه من فرائض وواجبات، ويتخلى عن وظيفته التي من أجلها خلقه الله وهي عبادة الله وحده ، فمن الكسل أن يقدم المرء هواه على طاعة مولاه، وأن يُؤْثِرَ الراحة على العبادة، وأن يستسلم لوساوس الشيطان ويقعَ في شِرَاكِه ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ » ، ثانيا : ومن مظاهر الكسل : ترك السنن والنوافل : فمن الكسل في الطاعة والعبادة؛ أن يتكاسل العبد في السنن والنوافل، والسنن والنوافل فضل من الله، وكرم من الله، ورحمة من الله، بها ينجبر ما قد يكون من نقص في الفرائض، وبها تكثر الحسنات ،وترفع الدرجات ، وتمحى السيئات، ويكون العبد محبوبا إلى الله، قريبا من الله، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه البخاري : (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ،)، ثالثا : ومن مظاهر الكسل : التخلي عن الوظيفة والعمل: فالوظيفة أمانة ،والمخلّ بها مذنب وآثم، والمُجدّ فيها مُثاب ومأجور، وفي البخاري ومسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » ، فكيفَ لعاقل أن يتكاسل في وظيفة تقلدها ومسؤولية تولاها وعمل أنيط به، فيَجني على نفسه وعلى أمّته، ويُحمّل نفسَه أوزارَ الناس ذوي الحقوق الذين ضيع حقوقهم بكسله وتفريطه. رابعا : ومن مظاهر الكسل : البطالة والتسول والاتكال على الغير: فمن الكسل أن يرضى المرء لنفسه بالبطالة وترْكِ العمل، يَعتمدُ على غيره في قوته وقوت عياله، يَمدّ يديه متسولا في الطرقات وعلى أبواب المساجد. ومشكلة البطالة ليست فيمن لم يجد عملاً يعمله في فترة معينة وهو يَجدّ ويجتهد في البحث عن العمل، ولكن المشكلة فيمن يرضى بالبطالة، ويرفض العمل، ويخلد للراحة والكسل، ويتكبّر على كل عمل حلال عُرض عليه، ويرضى لنفسه أن يكون عالة على غيره، ثِقلا على مجتمعه. خامسا : ومن مظاهر الكسل : التكاسل في الدراسة والتعلم: فمن صور الكسل وأشكاله: تكاسل الطلبة والتلاميذ في دراستهم، بانشغالهم باللهو واللعب وتضييع الوقت فيما لا ينفع على مَدار السنة، حتى إذا حان وقت الامتحان لم يجدوا وسيلة للنجاح إلا الغش والتحايل، وبئست الشهادة التي تنال بالغش، ولا خير في الغش لصاحبه ولا لأهله ولا لوطنه ولا لأمته؛ لأنه ينتج إنسانا فاشلا يُسنَدُ إليه ما لا يجيده ولا يتقنه من الأمور.
أيها المسلمون
وبعد أن تعرفنا على داء الكسل ،وبعض مظاهره ،فهل من علاج لهذا الداء ؟،فنقول العلاج: أولا : استعذ بالله تعالى؛ ليحميك الله من هذا الداء العضال، فهو سبحانه مُعيذ من استعاذ به، مجير من استجار به، ناصر لمن احتمى به واعتمد عليه، ففي الصحيحين : (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ » . ثانيا : لعلاج الكسل : استعن بالله تعالى؛ فهو سبحانه معينٌ من استعان به، وهو ولي العون والتوفيق، ونحن الفقراء إلى الله، وفي حاجة إلى عونه وتوفيقه في كل وقت وحين، في أمور الحياة وفي أمور الدين. وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه – وهي وصية لنا جميعا – أن نسأل الله تعالى العونَ على طاعته وعبادته، ففي مسند أحمد وصححه الألباني : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْماً ثُمَّ قَالَ: « يَا مُعَاذُ إِنِّي لأُحِبُّكَ ». فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ. قَالَ « أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( احذر الكسل ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن علاج داء الكسل : ضرورة الصبر والمصابرة في كل عمل صالح نافع؛ فالإصلاحُ والتغيير وتقديمُ النفع للآخرين يحتاج إلى صبر ومصابرة، يحتاج إلى إرادة قوية وهمة عالية، وهكذا كان أفضل المُصْلِحين وهم أنبياء الله ورُسله، وهم قدوتنا في الصبر والمصابرة والهمة العالية ومحبة الخير للناس أجمعين، وقد أمر الله تعالى بالتأسي بهديهم وصبرهم، فقال سبحانه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فبهُدَاهُمُ اقتدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]. وقال عز وجل: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف: 35] ، وإذا كان الكسل من عيوب النفس، فإن التخلص منه يحتاج إلى صبر ومصابرة، قال الله تعالى : ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 – 10]. رابعا : اعلم أن عمرك في نقصان؛ لا يحتمل أن تضيعه في الكسل والخمول، عمرُك ينقص في كل وقت وحين. كل يوم يمضي وكل ليلة وكل شهر وكل سنة وكل لحظة إلا وينقص بها عمر هذا الإنسان، وهو في غفلة وسهو، يقول الحسن البصري رحمه: ابن آدم؛ إنما أنت أيام مجموعة، كلما مضى يوم مضى بعضك، فلماذا تضيع هذه الأيام فيما لا ينفع؟ في كسل في خمول؟. خامسا : اعلم أن المؤمن ليس بطالاً ولا متسوّلاً، فلا عمل له ولا كسب؛ بل لا يليق بالمؤمن إلا أن يكون كادحًا عاملاً، مؤدّيًا دورَه في الحياة، آخذًا منها، معطيًا لها.. قال تعالى: ﴿ هُوَ الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فامْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]. وقال سبحانه: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]. وقال عز وجل: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10] ، وفي صحيح البخاري: (عَنِ الْمِقْدَامِ – رضى الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ » ، سادسا : اعلم أن الذي ينفعك في دنياك وفي أخراك هو أن تجد وتجتهد؛ أن تتحلى بهمة عالية وإرادة قوية، وأن تبتعد عن العجز والكسل والفتور والخمول، أما في الدنيا؛ فإن الكسل سبيل إلى الفشل والتخلف والفقر والجهل. والكسول لا يَبني مَجْدا، ولا يُؤسّس حضارة، ولا يُعَوّل عليه في شيء.. والوطن والأمة في حاجة إلى أناس أذكياء متفوقين نجباء، ذوي عقول ذكية، وهمم عالية، ونفوس تواقة، وسواعد قوية، وأخلاق راقية، وقلوب نقية مُحِبة رحيمة.. وأما في الآخرة؛ فإن الفوز بالجنة والنجاة من النار لا يكون إلا بالجد والعمل، وهذا الفوز يحتاج إلى جد واجتهاد وعمل، قال الله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [الزخرف: 72، 73].، ،وروى الترمذي وصححه الألباني : أن (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم:« مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ». أيها المسلم : ألا فاجعل قلبك دائم الثأر من عدوه الذي يستحثه على الخمول، وأيقظ في داخلك نداء الانتباه والنشاط، ولا تتنازل عن تثبيت دعائمه، وإياك أن تُبقى خزانة أعمالك وإنجازاتك فارغة.
الدعاء