خطبة عن (هل أنت قريب من الله؟) مختصرة
يناير 12, 2023خطبة عن (من معجزات الرسول: امرأة رأت عجبا وكانت سببا )
يناير 14, 2023الخطبة الأولى : صلاح البال والحال ، وقوله تعالى ( كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) (2) محمد ، وفي الآية الخامسة من السورة نفسها ، قال الله تعالى : “سَيَهدِيهِم وَيُصلِحُ بَالَهُم ” محمد: 5 .
إخوة الإسلام
في خضم هذه الحياة المتسارعة ، والأحداث المتتالية ، يشتكي الكثير من الناس من شغل البال ،وهَم النفس، والقلق والاضطراب ، وتشعب الهموم ، فيجتهد المرء في مكابدة مشاغله الدنيوية ، مُعرِضًا عن إدراك أهمية صلاح بَالِه ، فصلاح البال هو طريق السعادة ، والتي ينبني عليها الفوز في الدنيا والآخرة ، فقد ذكر الخازن في قوله تعالى : ” وَأَصلَحَ بَالَهُم ” [محمد: 2]، “يعني حالهم وشأنهم وأمرهم بالتوفيق في أمور الدِّين ،والتسليط على أمور الدٌّنيا بما أعطاهم من النصر على أعدائهم. وقيل أصلح بالهم يعني قلوبهم ،لأن القلبَ إذا صلح صَلُح سائر الجسد. وقال ابن عباس: عصمهم أيام حياتهم ،يعني أن هذا الإصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتى لا يعصوا” ، وجاء عن السعدي قوله : “أصلح دينهم ودنياهم، وقلوبهم وأعمالهم، وأصلح ثوابهم، بتنميته وتزكيته، وأصلح جميع أحوالهم “، وقال سيد قطب: “إصلاح البال نعمة كبرى ،تلي نعمة الإيمان في القدر والقيمة والأثر، والتعبير يلقي ظلال الطمأنينة والراحة والثقة والرضى والسلام. ومتى صلح البال، استقام الشعور والتفكير، واطمأن القلب والضمير، وارتاحت المشاعر والأعصاب، ورضيت النفس واستمتعت بالأمن والسلام” ، وأورد الطاهر ابن عاشور في تفسيرها : “إصلاح البال : يجمع إصلاح الأمور كلها ، لأن تصرفات الإنسان تأتي على حسب رأيه، فالتوحيد أصل صلاح بال المؤمن، ومنه تنبعث القوى المقاومة للأخطاء والأوهام التي تلبس بها أهل الشرك، وحكاها عنهم القرآن في مواضع كثيرة، والمعنى: أقام أنظارهم وعقولهم ،فلا يفكرون إلا صالحا ،ولا يتدبرون إلا ناجحا” .
أيها المسلمون
فهذا الصلاح اللازم لصلاح حال القلب: إما أن يكون بتيسير الأمور، وقضاء الشؤون، وإما أن يكون بأن يرزق صاحبها الكنز الأعلى وهو الرضا، وقد يكون بكل ذلك، وهو الأصل، وفي قوله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْـحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد: ٢]. فهذا خبر محقق، عبر عنه بالماضي إيذاناً بأنه لا يتخلف، فمن حقق الإيمان؛ قولاً قلبياً وعملاً، ثم أتبعه بالصالحات، وأولها الفرائض والواجبات ،ثم ما تيسر له من شعب الإيمان وخصاله، فهو موعود وعداً صادقاً بأمرين: الأول: تكفير السيئات؛ والثاني: صلاح البال؛ ومن ثمرات إصلاح البال : أن يرشدهم الله لأعمال الخير والبر في الدنيا، فإن قرير العين، مطمئن النفس، مرتاح الضمير، صالح البال أقدر على التصرف والنظر والاختيار، وأبصر بمواضع الإقدام ومواطن الإحجام، لا يقدم عاجلاً على فانٍ، ولا لذة عابرة تورث حسرة طويلة، يؤثر الآخرة على الأولى، فيورثه الله نعيم الجنة في الآخرة مع صلاح الحال في الدنيا كما قال الله تعالى :{مَنْ عَمِلَ صَالِـحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، فمن أحسن عمله في الدنيا أحسن الله جزاءه في الآخرة. ، وعلينا أن نعلم أن لصلاح البال أسباباً من أعظمها: العبادة، وحسن العلاقة مع الله: وذلك أقصر طريق لصلاح البال، قال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ،) ، وتأمل كيف قرن الله عز وجل بين الأمر بالعبادة وتكفله بالرزق حيث قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإنسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ 56 مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ 57 إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْـمَتِينُ} [الذاريات: 56 – 57]، وفي المقابل قال الله تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]، فبقدر الابتعاد عن الله، وبقدر ضعف الصلة به، يكون الشقاء والضنك وسوء البال ومن ثم الحال. تقوى الله عز وجل: قال الله تعالى: {أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 62 الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ 63 لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 – 64]، وتقوى الله تعالى تقتضي مع عبادته البعد عن معصيته وأسباب سخطه، فالعبادة وحسن العلاقة أخص بفعل المأمور، والتقوى أخص بترك المحظور وبينهما من التلازم ما لا يخفى.
ومن أسباب صلاح البال : سلامة القلب: ولا تكون إلا بتحقيق التوحيد وكمال تعلق العبد بالله عز وجل حباً وخوفاً ورجاءً وطمعاً وتوكلاً، مع سلامته من الآفات كالحسد والحقد والغل، قال بعضهم وهو يصف سليم القلب: مستريحُ الأحشاءِ من كلِّ ضغنٍ باردُ الصَدرِ من غليلِ الحَسُودِ ، وقال الأصمعي: رأيت أعرابياً أتى عليه عمر كثير، فقلت: أراك حسن الحال في جسدك! قال: نعم تركت الحسد فبقيت نفسي. ومن أسباب صلاح البال : توحيد الهم: بأن يكون الهم هماً واحداً، وهو هم الآخرة، ففي سنن ابن ماجه : (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ الْمَعَادِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ ». ومن أسباب صلاح البال : القناعة بالرزق، ومعرفة فضل الله في ما أعطى: قال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: ١٣١]، وفي سنن الترمذي : (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ – قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ».، فمن قنع استراح ومن طمع تعب وأتعب،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : صلاح البال ( كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أسباب صلاح الحال والبال : تقوى الله، قال الله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) يونس62-64، فالمؤمن أطيب الناس عيشاً وأنعمهم بالاً وأشرحهم صدراً، وأسرهم قلباً، يدخل جنة الدنيا قبل أن يدخل جنة الآخرة، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة؛ لأن الإيمان، والعمل الصالح، والاستقامة، والذكر، وحسن العلاقة مع الله لا بد أن تنتج نعيماً، وهنالك نعيم في الدنيا وهو هذا راحة البال وصلاح الحال، قال الله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) الإنفطار13 ، فلهم نعيم في الدنيا قبل أن يدخلوا نعيم الآخرة، ونعيم الدنيا هو انشراح الصدر، والراحة النفسية، وليس نعيم الدنيا في القصور والمراكب والمآكل اللذيذة، وإنما هو في راحة البال وصلاح الحال، وطمأنينة النفس، وانشراح الصدر ونور القلب، وصلاح البال يمكن أيضاً الحصول عليه من صلاة الاستخارة عند الحيرة، الإنسان يريد أن يتخذ قرارات في هذه الحياة، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِى الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ « إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِى – أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّى وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي – قَالَ – وَيُسَمِّى حَاجَتَهُ »
أيها المسلم
إذا أصلح الله حالك وبالك، صلحت لك الحياة والأمور كلها ، وحصل لك الفوز والفلاح، وشعرت بالراحة والطمأنينة، وحصلت النعمة ،وحصل النعيم النفسي ،وإذا صلح حالك وبالك استقام أمرك ،ورضي قلبك ،واستمتعت بالحياة، ولذا بعض السلف لما سُئل: لماذا أنت في نعيم وهدوء بال؟ ، قال: لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي سليماً للمسلمين.
الدعاء