خطبة عن ( الْخِيَانَة وخطورتها )
فبراير 9, 2023خطبة عن حديث ( أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ )
فبراير 12, 2023الخطبة الأولى ( اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتنِي ، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
(عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتنِي ، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي ، وَارْزُقْنِي عِلْمًا يَنْفَعُنِي } رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ ، وَفي رواية لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحْوُهُ ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ : { وَزِدْنِي عِلْمًا ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ } وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .
إخوة الاسلام
فهذا الحديث اشتمل على دعوة جامعة تتعلق بالعلم، وما ينبغي أن يكون عليه شأن المسلم، وطالب العلم مع العلم، والحديث يتكوّن من أربع جمل، ثلاث منها في تحقيق هذا المطلب الجليل والمقصد العظيم للعلم ، وأولها : قوله صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتنِي): أي : أسألك يا اللَّه ، الانتفاع بما أتعلمه من العلوم المفيدة، وأن أعمل بمقتضاه ،خالصاً لوجهك الكريم، لا للانتفاع به في أغراض الدنيا وزخرفها فقط ، أو رياء وسمعة؛ فإن العلم النافع هو المقصود ، وهو الوسيلة إلى التعبد للَّه تعالى، فيصلح الأعمال، والأقوال الظاهر منها والباطن . وثانيها : قوله صلى الله عليه وسلم : (وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي): وهذا فيه سؤال اللَّه تعالى أن يمنّ عليه بالعلم النافع المفيد ، وهو علم الشريعة الذي فيه صلاح الدين والدنيا : من العبادات والمعاملات، والعلم باللَّه وبأسمائه وصفاته ، والذي هو أشرف العلوم، وما يجب له من القيام بأمره، وتحقيق طاعته ، وكذلك العلم الذي انتفع به في دنياي ( مثل علم الزراعة والصناعة والتجارة ، وعلم الحساب ، وغيرها من العلوم ، مما ينتفع به المسلم في دنياه وأخراه . وثالثها : قوله صلى الله عليه وسلم : (وَزِدْنِي عِلْمًا): أي زدني علماً إلى ما علمتني، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (114) طه ، فلم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بزيادة في أي أمر إلا في العلم؛ فإن الزيادة في العلم ترقى بالعبد إلى الزيادة في المعارف والعلوم التي تقتضي العمل؛ فإن العلم وسيلة للعمل، وهو أول المعارف وأصلها ،قال اللَّه تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (19) محمد ، فأمره بالعلم في قوله تعالى :(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ، ثم أمره بالعمل بقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) . فعلى كل مسلم يدعو اللَّه تعالى بأن يمنحه العلم النافع، وأن ينفعه بما علمه ،كما في الدعاء السابق، ومن المعلوم أن الدعاء وحده لا ينفع ، بل لابد له مع الدعاء من أن يبذل الأسباب المشروعة لتحصيل العلم، ففي صحيح البخاري : قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ » ، وقال العلامة ابن سعدي -رحمه اللَّه- : (الأدعية القرآنية والنبوية الأمر بها، والثناء على الداعين بها، يستتبع لوازمها ومتمماتها، فسؤال اللَّه الهداية يستدعي فعل جميع الأسباب التي تدرك بها الهداية العلمية والعملية) .
ورابعها : قوله صلى الله عليه وسلم : (وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ): فاستعاذ صلى الله عليه وسلم بالله تعالى من حالهم ، وذلك لما فيه من الألم الشديد، والعذاب المديد، وهذا حال من لم ينتفع بعلمه، ولم يعمل به، فكان حاله ومصيره هو عذاب النار والسعير. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [159] إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159- 160].، وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللهُ بلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي.، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [2] كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2- 3].، وقال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].، وقال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [78] كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78- 79].، وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ: لَوْ أتَيْتَ فُلاناً فَكَلَّمْتَهُ، قال: إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أنِّي لا أُكَلِّمُهُ إِلا أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ، دُونَ أنْ أفْتَحَ بَاباً لا أكُونُ أوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلا أقُولُ لِرَجُلٍ أنْ كَانَ عَلَيَّ أمِيراً: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله، قالوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أيْ فُلانُ مَا شَأْنُكَ؟ ألَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قال: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ». متفق عليه. ومما سبق يتبين لنا فضل الدعاء بهذه الكلمات الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، والمتضمنة لسؤال الله تعالى أن ينفعه بما علمه، وذلك بالعمل بمقتضى العلم، وأن يعلمه ما ينفعه في دينه ودنياه، وذلك بألا يطلب من العلم إلا النافع، وأن يزيده من العلم النافع، ثم يستعيذ بالله تعالى من حال أهل النار من الكفر والفسق في الدنيا والعذاب في الآخرة،
أيها المسلمون
ومن أهم الفوائد والأحكام التي يمكن استنباطها من هذا الحديث النبوي الكريم : أولا : دل هذا الحديث على فضل الدعاء بهذه الكلمات الجامعة، وهي أن يسأل الله تعالى أن ينفعه بما علمه، وأن يعلمه ما ينفعه في دينه ودنياه، وأن يرزقه علما نافعا. ثانيا : ومما يستفاد من هذا الحديث : إنما كان الدعاء بهذه الكلمات من الأدعية الجامعة، لأن هذه الكلمات تجمع للإنسان خيري الدنيا والآخرة، فإن الإنسان إذا علم ما ينفعه، وعمل بمقتضى ذلك العلم حصَّل سعادة الدنيا والآخرة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتنِي ، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما يستفاد من هذا الحديث : أن المراد بالعلم في هذا الحديث علم الشريعة، والعلم الوارد في نصوص الكتاب فالمراد به علم الشريعة، كما قال العلماء ، ولا يقصد به علوم الدنيا، إلا النافع منها ،لأن هذا هو ميراث الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا للناس علوما دنيوية، كعلم الطب والهندسة ، والفيزياء ونحوه، وإنما ورثوا للناس علوم الشريعة، وأما العلوم الدنيوية فتبقى على الإباحة ، وقد يؤجر الإنسان ويثاب على نيته الصالحة. رابعًا : ومما يستفاد من هذا الحديث : أن العلم قد يكون وبالا على الإنسان، ويكون حجة عليه يوم القيامة، ولهذا قال اللهم انفعني بما علمتني، وفي صحيح ابن حبان وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه : (قَالَ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِىَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلاَنًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ». ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». ، لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن علامة العلم النافع أنه يثمر خشية الله كما قال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (27) ،(28) فاطر، وأن العلم النافع يحث الإنسان على المسارعة في طاعة الله، وعلى التواضع وقبول الحق، وعلى القناعة والزهد في الدنيا.
الدعاء