خطبة عن (من فوائد الابتلاء) مختصرة
يناير 1, 2020خطبة عن الرزق وأسبابه (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)
يناير 4, 2020الخطبة الأولى ( الحكمة من الابتلاء ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (2): (3) العنكبوت ، وفي سنن الترمذي : (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ».
إخوة الإسلام
من أسماء اللّه الحسنى : (الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ، ومن مقتضى ذلك أن تكون أفعاله سبحانه وتعالى ، وما يجري به قضاؤه وقدره ،لا يخلو من العلم والحكمة، ومن سنن الله في كونه وقوع الابتلاء بالمخلوقين ، وذلك اختباراً لهم, وتمحيصاً لذنوبهم , وتمييزاً بين الصادق والكاذب منهم ، وأكمل الناس إيمانا أشدهم ابتلاء ،ففي مسند أحمد : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ». ،فالمؤمن كل أمره خير في جميع أحواله ، فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». فقد اقتضت حكمة الله تعالى اختصاص المؤمن دون غيره غالباً بنزول البلاء ، وذلك تعجيلاً لعقوبته في الدنيا ، أو رفعاً لمنزلته في الجنة، أما الكافر والمنافق فيعافى ،ويصرف عنه البلاء، وتؤخر عقوبته في الدار الآخرة ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لاَ تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ وَلاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاَءُ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ لاَ تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ ».، ومن حكمة الله تعالى أنه لا يبتلي عباده المؤمنين بابتلاءات لا يتحملونها، بل يبتليهم ببلاء يتناسب مع إيمانهم، ففي سنن ابن ماجه : (يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِىَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ) ،
أيها المسلمون
والناس حين نزول البلاء على أقسام : فمنهم المحروم من الخير، وهو الذي يقابل البلاء بالتسخط ،وسوء الظن بالله واتهام القدر ،ومنهم الموفق الذي يقابل البلاء بالصبر وحسن الظن بالله ، ومنهم الراضي الذي يقابل البلاء بالرضا والشكر وهو أمر زائد على الصبر ، وقد ذكر العلماء للابتلاء حكما كثيرة ومتعددة ، أتناول اليوم -إن شاء الله- بعضا منها ،لأن فهم الحكمة من الابتلاء يخفف على المؤمن ما يجده إن كان البلاء بما تكرهه نفسه ، ويجعله يشكر الله تعالى إن كان البلاء بما يحب ، ويعلم أن هذا البلاء مكتوب عليه ،فيتكيف مع هذا الظرف ويتعامل بما يتناسب معه ،ويعلم أيضا أن كل الخلق مبتلون مثله بنوع من البلاء ،كل بحسبه ،فلا يكاد يسلم أحد منه , ومن نظر في مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، ويعلم ما أعد الله لمن صبر في البلاء ، أو شكر في الرخاء ، وأنه ربما ابتلاه الله بهذا دفعاً لشر وبلاء أعظم مما ابتلاه به , وهذا من لطفه بعبده ،
أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته 🙁الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (2) الملك ، فهذه الدار هي دار الابتلاء والاختبار والامتحان ، والكل فيها مبتلى بالخير والشر ، بما يحب وبما يكره ، قال الله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (35) الانبياء ، ومن فوائد البلاء وحكمته : أولا : أن في البلاء تكفيرا للذنوب ومحوا للسيئات : فقد روى الترمذي وصححه الألباني:( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ».وفيه أيضا : (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . ، ثانيا :ومن فوائد الابتلاء وحكمته :أن في الابتلاء رفعا للدرجات في جنات النعيم : فقد روى مسلم في صحيحه :(عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ،أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً) ثالثا : ومن فوائد الابتلاء وحكمته : أن في البلاء تقوية الإيمان بالقضاء والقدر ،فما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا وهو ملك للّه عز وجل، وما من شيء يحدث في ملكه إلا بمشيئته وإرادته فبيده الملك، وبيده مقاليد السماوات والأرض ، ما من شيء يحدث : من رخاء أو شدة، أو خوف أو أمن، أو صحة أو مرض، أو قلة أو كثرة، فكل ذلك بمشيئته سبحانه وتعالى، والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي لا يتم الإيمان إلا بها، فإذا أصاب الانسان ابتلاء علم أن ذلك بقضاء الله وقدره ، ففي صحيح مسلم 🙁قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «.. وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الحكمة من الابتلاء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فوائد الابتلاء وحكمته : أن الابتلاء وسيلة للتمكين في الأرض: قيل للشافعي رحمه اللّه يا أبا عبد اللّه، أيهما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلى؟ ، فقال الشافعي : “لا يمكّن حتى يبتلى، فإنّ اللّه تعالى ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات اللّه عليهم أجمعين فلما صبروا (على الابتلاء) مكّنهم” ،فلن يمكن المسلمون في الأرض إلا بعد أن يبتلوا ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، والصادق من الكاذب . ومن فوائد الابتلاء وحكمته : أن في البلاء تمحيصا للمؤمن وتخليصه من الشوائب المنافية للإيمان: فالبلايا والمحن هي المحك الذي يكشف عما في القلوب ،وتظهر به مكنونات الصدور، وينتفي بها الزيف والرياء ، وتنكشف به الحقيقة بكل جلاء ، قال الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) آل عمران (142) ومن فوائد الابتلاء وحكمته : أن في البلاء ردعا وتحذيرا من الغرور: فالعقوبة العاجلة على ما اقترفه الإنسان أو الأمة من معاص تقتضي حكمة المولى عز وجل أن تعجل عقوبتها حيث إن فيها ردعا وتحذيرا وعبرة، لهم ولغيرهم من الأفراد والجماعات ، وقد أشارت إلى ذلك الآية الكريمة: {كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:163]. ومن فوائد الابتلاء وحكمته : أن في البلاء رحمة بالعصاة والتخفيف عنهم يوم القيامة: فمن حكمة الابتلاء بالعقوبة أن يعجل اللّه للمذنب عقوبته فتأتيه في الدنيا تخفيفا عنه يوم القيامة، يقول اللّه عز وجل: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]. ومن فوائد الابتلاء وحكمته: أن في البلاء إقامة حجة العدل على العباد: فيعلم العبد المبتلى أن للّه عليه الحجة البالغة، فإذا أصابه بشيء من المكروه ، فلا يقل: لماذا؟ فهو يعلم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ،ولا رفع إلا بتوبة .ونستكمل الحكمة من الابتلاء في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء