خطبة عن (الناس والحساب)
أبريل 28, 2023خطبة عن أحوال أهل القبور وحديث (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ)
أبريل 29, 2023الخطبة الأولى ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) (112) طه
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم -إن شاء الله- حول بعض معاني هذه الآية الكريمة من كتاب الله ، يقول السعدى في تفسيرها : ينقسم الناس في ذلك الموقف قسمين: ظالمين بكفرهم وشرهم، فهؤلاء لا ينالهم إلا الخيبة والحرمان، والعذاب الأليم في جهنم، وسخط الديان ،والقسم الثاني: من آمن الإيمان المأمور به، وعمل صالحا من واجب ومسنون {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا} أي: زيادة في سيئاته {وَلَا هَضْمًا} أي: نقصا من حسناته، بل تغفر ذنوبه، وتطهر عيوبه، وتضاعف حسناته، قال الله تعالى :{ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } النساء 40، وفي تفسير الوسيط لطنطاوي ،قال: والفرق بين الظلم والهضم : أن الظلم قد يكون بمنع الحق كله ، أما الهضم فهو منع لبعض الحق ، فكل هضم ظلم ، وليس كل ظلم هضما . فالآية الكريمة قد بشرت المؤمنين ، بأن الله – تعالى – بفضله وكرمه سيوفيهم أجورهم يوم القيامة ، بدون أدنى ظلم أو نقص من ثوابهم ، فالتنكير في قوله (ظُلْماً وَلاَ هَضْماً) للتقليل .
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) (112) طه ، فيه بيان بأن الله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل، فاعمل أيها الانسان بما أمرك الله به، وانتهِ عما نهاك الله عنه، ثم اطمئن إلى عدله ورحمته سبحانه وتعالى ، فالله تعالى لن يظلمك ، ولن يهضم حقك كما تهضم حقوق العباد من ملوك الدنيا وحكامها ، وفي قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ) فالصالحات : هي كل الأعمال التي تعود بالخير عليك ، أو على غيرك، وأضعفُ الإيمان في العمل الصالح أن تترك الصالح في ذاته على صلاحه ، فلا تفسده، كأن تجد بئراً يشرب منه الناس ،فلا تطمسه ولا تلوثه، فإنْ رقيت العمل الصالح وأحببته ،فيمكنك أن تزيد من صلاحه، فتبنى حوله جداراً يحميه ،أو تجعل له غطاءً يحفظ ماءه من التلوث ، ويكفي أنْ تفعل بعض الصالحات؛ لأن طاقة الإنسان لا تسع كل الصالحات ولا تقوى عليها، فحسْبُك أن تأخذ منها طرفاً، وآخر يأخذ طرفاً، فإذا ما تجمعتْ كل هذه الأطراف من العمل الصالح من الخلق كوَّنَتْ لنا الصلاح الكامل، فليس بوسع أحد منا أن يجمع كل الاعمال الصالحة ، ويؤيد ذلك ما رواه الامام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا ». فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ – ثُمَّ قَالَ – ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ ».
وفي قوله تعالى : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، فيه بيان وشاهد على أن “الإيمان” شرط في قبول العمل الصالح، فإنْ جاء العمل الصالح من غير المؤمن ،أخذ أجره في الدنيا ذِكْراً وشُهْرة وتخليداً لذكراه، فقد عمل ليقال وقد قيل، فمَنْ لم يؤمِنْ باللهِ ورسولهِ فلا ثوابَ لهُ أبداً في الآخرة، فمن كان على غيرِ دينِ الإسلامِ ، فمهما فعلَ مِن الخيرِ ، فلا يكونُ له ثواب، فالله تعالى يقول : {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } (18) إبراهيم ، وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله ابن جُدعان كان في الجاهليةِ يَصِلُ الرّحمَ ويُطعم المسكينَ فهل ذاك نافِعهُ ؟ فقال: ” لا ينفعُهُ إنهُ لم يَقُلْ يوماً ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين ” ، فقد اعتبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عملَ ابن جدعان (وهو قريب عائشة) من التَّصَدُّقِ على المحتاجينَ ،وَصِلَةِ الرَّحمِ ،وغيرِ ذلكَ ،غَيْر نافِعٍ له ،لأنه لم يكن يؤمنُ بالله ، ويقول الله تعالى :{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (124) النساء ، فبيَّنَ اللهُ تعالى في هذهِ الآيةِ أن الأعمالَ الصالحةِ إنما يقبلُها مِن المؤمن فقط أي المسلم، أما الكافرُ فمهما فعل مِن الخيراتِ في الدنيا فاللهُ تعالى لا يُثيبُهُ عليها في الآخرة ، فقد دل الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم على أن ما عمله الكافرون من خير لا يثابون عليه في الآخرة ما داموا قد ماتوا على الكفر، قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) {الزمر:65}، وقال تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) {البقرة:217}، وقال تعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) {المائدة:5}.، فالإسلام شرط لقبول العمل الصالح والإثابة عليه في الدار الآخرة، قال تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) {التوبة:54} ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ اللَّهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الآخِرَةِ وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ ».، كما أن الإسلام شرط لدخول الجنة، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي قُبَّةٍ فَقَالَ « أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ « تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ « أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ »
أيها المسلمون
وإن المتدبر والمتأمل في قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) (112) طه ، يتبين له أن من يعمل الصالحات وهو مؤمن ، فسوف ينال جزاءه غير منقوص ولا مهضوم ،فكل عمل له جزاء , وهذه سنة كونية , وقاعدة ثابتة , يكاد أن يتفق عليها العقلاء , وقد أثبتها القرآن الكريم ،والسنة النبوية المطهرة , سواء أكان هذا الجزاء منظورا معروفا ، أو خفيا مجهولا , وسواء لقي العامل ذاك الجزاء في العاجلة ، أو لقيه في الآجلة ، فإنه ولاشك لاقيه ، فكل عمل له جزاء ، فجزاء السيئات بمثلها , قال الله عز وجل: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) الشورى(40) , وقال الله تعالى : ” وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ” يونس 27،, وقال الله تعالى : ” مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ” النساء 123، وفي المقابل فجزاء الصالحات بمثلها كذلك ، قال الله تعالى :” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يعملون ” النحل 197،, وفي الآية التي بين أيدينا اليوم ،قال الله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) (112) طه ” , وقال سبحانه :” ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ” النساء 124،, وقال الله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) (94) الأنبياء ، فبالعموم 🙁 فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (7)، (8) الزلزلة ، قال الشيخ ابن باز تعليقا على هذه الآية :” هاتان الآيتان الكريمتان على ظاهرهما وسماها النبي – صلى الله عليه وسلم :(الآية الفاذة الجامعة)، يعني أنها جمعت الخير والشر، ففيها الترغيب والترهيب، والحث على الخير والتحذير من الشر، وأن العبد لا يضيع عليه شيء من عمله الصالح، وأن سيئاته سوف يلقاها ويراها، إلا أن يتوب الله عليه، ويعفو عنه، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة (7) ،(8)، فهذا يدل على أنه لا يضيع هناك شيء من أعمالك الصالحة، بل تحصى لك وتكتب لك وتوفاها يوم القيامة، فعليك أن تحذر السيئات دقيقها وجليلها ، وصغيرها وكبيرها ، وألا تحتقر شيئاً ، فإن معظم النار يكون من مستصغر الشرر، فلا تحقر سيئة أبداً، وقد جاء في مسند الامام أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ». وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلاً كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَاداً فَأَجَّجُوا نَاراً وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا).وقد حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم بحديثين عظيمين يبينان لنا ما نريد أن نقول في باب الطاعة والمعصية وجزائهما : فالأول: في الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ » ، والثاني في الصحيحين : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا ، فَلَمْ تُطْعِمْهَا ، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ », قال الإمام الزهري رحمه الله تعقيبا على الحديث : ” ذلك لئلا يتكل رجل، ولا
ييأس رجل “
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) (112) طه ، فالجزاء في الدنيا والآخرة : هو جزاء من جنس عمل المرء الذي قدمه ،والذي بادر به، والذي تلبس به أيام حياته وطوال سعيه وجهده ،ولذلك من عمل الصالحات الطيبات من الأعمال الكريمة من صالح العبادات ،ومروءات الصفات ، وجميل السلوكيات والأخلاق , كان جزاؤه مثل فعله ، قال سبحانه : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (97) النحل، كذلك من أعرض عن ذكر الله سبحانه , واختار الدنيا الضيقة , ذات الكد والتعب , الفانية المنتهية , قليلة المتاع سريعة الانزواء , كثيرة الهموم والأحزان والآلام , فإن جزاءه الضنك والكرب والألم :” كما قال عز وجل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) طه (124) :(127) ، وكذلك في الآخرة , فإن الجزاء للصالحين , جنة تحيون فيها بعبودية تامة لله سبحانه غير مكلفين , بل منعمين , وجزاء المعرضين , نار يقاسون فيها العذاب . وقد شاء الله سبحانه أن يعاقب العصاة بعقوبات مختلفة , قد تجتمع في بعض الأحيان وقد تفترق , وقد تعجل وقد تؤجل , كله بحكمة بالغة وقدرة تامة وعلم غير منقوص .وهذه العقوبات منها ما قد يصيب القلب , كالقسوة التي تصيبه ، والران الذي يحيط به , والقفل وأمثاله , بل ومنها موت القلب أيضا ..ومنها انطماس البصيرة ،فلا يعرف الصواب من الخطأ ،ولا الحق من الضلال , ومنها الانكباب على الدنيا فيجعلها منتهى أمله , ونسيان الآخرة فيفاجأ بالموت ..وقد يعاقب المرء فيما يخص دنياه , كمثل ما قد يصيب الناس من تحولات الكون من حولهم , وتحولات الحال , كالقحط، والفقر، والزلازل , والبراكين ، والفياضانات , والخسوف وغيرها , ومنها ما قد يكون بأيدي بعض الناس على بعض . قال الله سبحانه : ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” الروم 41، وعلى المؤمن بعد أن يتحرى الصالحات من الأعمال فيلزمها ،ويتحرى المعاصي فيجتنبها , أن يكثر من دعاء ربه سبحانه أن يوفقه للصالحات , وأن يجنبه الشرور والآثام , وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ « يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ». فَقَالَ « أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ».
الدعاء