خطبة عن (الناس والحساب)
أبريل 28, 2023خطبة عن أحوال أهل القبور وحديث (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ)
أبريل 29, 2023الخطبة الأولى ( مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام الترمذي في سننه وصححه الألباني في الأدب المفرد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه) قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ »
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم -إن شاء الله- حول معنى هذا الأدب النبوي العظيم ، والذي يحثنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مداومة الدعاء ، ويحذرنا فيه من تركه ، فدُعاءُ اللهِ تعالى مِن أفضَلِ العِباداتِ الَّتي يتَقرَّبُ بها العبدُ إلى ربِّه عزَّ وجلَّ؛ فهو دليلُ خُضوعٍ وذُلٍّ مِن العبدِ إلى ربِّه عزَّ وجلَّ، واللهُ عزَّ وجلَّ يُحِبُّ ذلك، ويَغضَبُ على مَن لم يَسأَلْه ويدعوه ، ويتضرع إليه ويناجيه، وفي هذا الحديثِ ، يقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “مَن لم يَسأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عليه”، أي: إنَّ تَرْكَ سؤالِ اللهِ عُمومًا أو لِبَعضِ الحاجاتِ كالتَّوبةِ ونَحوِها، ممَّا يُسبِّبُ للعبدِ غضَبَ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ وذلك لأنَّ اللهَ يُحِبُّ أن يُسأَلَ مِن عبدِه؛ لِمَا في ذلك مِن الاعتِرافِ برُبوبيَّتِه وألوهيَّتِه، وتَرْكُ ذلك فيه استِغْناءٌ وتكبُّرٌ مِن العبدِ، ولأنَّ اللهَ تعالى يحِبُّ أن يُسْأَلَ مِن فضلِه، فمَن لم يَسأَلِ اللهَ يُبغِضْه، والمبغوضُ مغضوبٌ عليه لا مَحالةَ، وقد ورَد عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّه قال: “ولو لم تُذنِبوا”، أي: تُخطِئوا وترتَكِبوا المعاصيَ، “لجاء اللهُ بخَلقٍ جديدٍ”، أي: لأنشَأ اللهُ خلقًا آخَرين مِن أنفُسِكم أو مِن غيرِكم؛ “كي يُذنِبوا” وتقَعَ مِنهم المعاصي، “فيَغفِرَ لهم” ويَتوبَ عليهم ويَعفُوَ عنهم، وهذا مِن صَميمِ العُبوديَّةِ للهِ تعالى ، ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يدعوه، فقال الله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]. فقول الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتِي} [غافر:60]، أفاد ذلك أن الدعاء عبادة, وأن ترك دعاء الرب سبحانه استكبار, ولا أقبح من هذا الاستكبار” وهذا ما بينه الحديث الذي بين أيدينا اليوم، « مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ » ،قال المناوي: “لأن تارك السؤال إما قانط وإما متكبر، وكل واحد من الأمرين موجب الغضب”، كما نقل عن ابن القيم قوله: “هذا يدل على أن رضاه في مسألته وطاعته، وإذا رضي الرب تعالى فكل خير في رضاه، كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه، فهو تعالى يغضب على من لم يسأله، كما أن الآدمي يغضب على من يسأله” ، وقال المباركفوري: “لأن ترك السؤال تكبر واستغناء وهذا لا يجوز للعبد”، وقال الشوكاني: “في الحديث دليل على أن الدعاء من العبد لربه من أهم الواجبات, وأعظم المفروضات لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه” – تحفة الذاكرين
أيها المسلمون
فالله تعالى شرع الدعاءَ لتكون المعاملة فيه على معنى الترجِّي والتعلٌّق بالطمع، الباعثَين على الطلب، دون اليقين الذي يقع معه طُمأنينةُ النفس، فيُفضي بصاحبه إلى ترك العمل، والإخلادِ إلى دعةِ العطلة، فإنَّ الأمرَ الدائرَ بين الظفرِ بالمطلوب ، وبين مخافة فوته، يحرِّك على السعيِ له والدأب فيه، واليقينُ يُسكِّن النفسَ ويريحها، كما أنَّ اليأس يُبلِّدُها ويطفئُها، والله يريد من العبد أن يكونَ معلَّقا بين الرجاءِ والخوف اللذَين هما قطبا العبودية، فالدعاء سبب لحصول الخير المطلوب أو غيره، فإذا أراد الله بعبد خيرا ألهمه دعاءه والاستعانة به، وجعل استعانته ودعاءه سببا للخير الذي قضاه له ، وفي صحيح الحاكم من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : “لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد” ، وذكر الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب الملحين في الدعاء”، وفى كتاب الزهد للإمام أحمد عن قتادة قال: قال مورق: “ما وجدت للمؤمن مثلا إلا رجل في البحر على خشبة فهو يدعو يا رب يا رب لعل الله عز وجل أن ينجيه”
وأما عن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء : فمنها: أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويدع الدعاء وهو بمنزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله. وفى البخاري: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي » ، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ قَالَ « يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ».
ولما كان الداعي يناجي ربه ـ ملك الملوك ، المعطي المانع ، الرحمن الرحيم { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } (غافر :3 ) ـ كان لزاما عليه أن يتأدب بآداب ليكون دعاؤه أقرب للقبول ، فبحسن الأدب يُلبَّى الطلب ، وبتتبع أقوال وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يظهر لنا الكثير من آداب الدعاء ، ومنها : الوضوء : فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ دَعَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِى عَامِرٍ » . وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ فَقَالَ « اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ »، قال الحافظ : ” يستفاد من الحديث استحباب التطهر لإرادة الدعاء ” .
ومن آداب الدعاء : استقبال القبلة : فقد روى البخاري في صحيحه:( عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ « اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ » . فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ)
ومن آداب الدعاء : رفع اليدين : ففي سنن ابن ماجه : (عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا – أَوْ قَالَ خَائِبَتَيْنِ ».
ومن آداب الدعاء : الخشوع والتذلل وخفض الصوت :ففي البخاري : (عَنْ عَائِشَةَ ( وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ) (الإسراء: 110) أُنْزِلَتْ فِي الدُّعَاءِ) ، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ »، قال النووي : ” ( اربعوا ) معناه : ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم ، فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه ، وأنتم تدعون الله تعالى وليس هو بأصم ولا غائب ، بل هو سميع قريب ، وهو معكم بالعلم والإحاطة .. ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه ، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه ..”
ومن آداب الدعاء : البدء بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ففي سنن الترمذي : (فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « عَجِلَ هَذَا ». ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ » ، وفيه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّى وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « سَلْ تُعْطَهْ سَلْ تُعْطَهْ ».
ومن آداب الدعاء : التوسل بأسماء الله وصفاته : فقد روى الترمذي في سننه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ « يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ». فقد روى الترمذي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ »، ومعنى (ألِظُّوا) : أي الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها .
ومن آداب الدعاء : الإلحاح في الدعاء وتكراره مع اليقين بالاستجابة : ففي صحيح مسلم (عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال في حديثه الطويل عن دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قريش : (فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاَثًا. وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاَثًا) ،ولذلك كان أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ يقول : ” من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له ، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له ”
ومن آداب الدعاء : أن يبدأ الداعي بنفسه في الدعاء : فإذا أراد الداعي أن يدعو لأحد فليبدأ بنفسه ثم يدعو لغيره (فعَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَعَا بَدَأَ بِنَفْسِهِ) (رواه أبو داود) .
ومن آداب الدعاء : ألا يُضَّيِّق في دعائه : فقد روى البخاري في صحيحه : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي صَلاَةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهْوَ فِي الصَّلاَةِ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا . فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ « لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا » . يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ . قال ابن بطال : أنكر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأعرابي لكونه بخل برحمة الله على خلقه ، وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بقوله: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ } (الحشر: 10) ” .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن آداب الدعاء : عدم الاستعجال أو الدعاء بإثم أو قطيعة رحم : فقد روى أبو داود: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ ». ،وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ قَالَ « يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ».
ومن آداب الدعاء : الدعاء في الرخاء : فمن وصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفُك فِي الشِّدَّةِ) رواه أحمد . وفي سنن الترمذي : « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ ».، قال ابن رجب : ” وقال سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ : إذا كان الرجل دعا في السر فنزلت به ضراء فدعا الله ـ تعالى ـ قالت الملائكة : صوت معروف فشفعوا له ، وقال رجل لأبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ : أوصني ، فقال : اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء ، فإن العبد إذا ذكر في السراء فنزلت به ضراء فدعا الله ـ عز وجل ـ قالت الملائكة : صوت معروف فشفعوا له ” .
ومن آداب الدعاء : أن يدعو الداعي بالدعاء بالمأثور : فلا أحسن مما ورد في الكتاب
والسنة الصحيحة ، فإن الأدعية القرآنية والأدعية النبوية أولى ما يُدْعى به ، لأنها شاملة للخير كله ، في أفضل العبارات وأجمعها ، ولأن الغلط يعرض في الأدعية التي يختارها الناس . ، قال ابن تيمية : ” .. وينبغي للخَلق أن يدعوا بالأدعية المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة ، فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحسنه ، وأنَّه الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسُن أولئك رفيقا ” .
أيها المسلمون
وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب ، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة وهي : الثلث الأخير من الليل ، وعند الأذان ، وبين الأذان والإقامة ، وأدبار الصلوات المكتوبات ، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة ، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم ، وصادف خشوعا في القلب ، وانكسارا بين يدي الرب وذلاً له وتضرعا ، ورقة ، واستقبل الداعي القبلة ، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ثنَّى بالصلاة على محمد عبده ، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ، ثم دخل على الله وألح عليه في المسألة ، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة ، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده ، وقدم بين يدي دعائه صدقة ، فان هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم ” .
وإذا اشتمل الدعاء على هذه الآداب ولم تر أثراً للإجابة فاعلم أن الله صرف عنك من السوء ما هو أنفع لك ، أو ادَّخر لك في الآخرة ما تكون أحوج إليه ، فقد روى الامام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَسْأَلَةٍ إِلاَّ أَعْطَاهَا إِيَّاهُ إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا لَهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ ».
الدعاء