خطبة عن (الناس والحساب)
أبريل 28, 2023خطبة عن أحوال أهل القبور وحديث (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ)
أبريل 29, 2023الخطبة الأولى ( الإيمان : قول ، وعمل، وعقيدة ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (1) :(4) الانفال ،وقال الله تعالى :(وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) (31) المدثر ،
إخوة الإسلام
الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو “الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح”. وقال الإمام البغوي : “اتفق الصحابة والتابعون ومن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان، وقالوا إن الإيمان قول وعمل، وعقيدة”. وقال الإمام الشافعي: “وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركنا أن الإيمان قول وعمل ونية لا يُجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر” ،وإذا كان الإيمان كذلك ،فإنه سوف يزيد وينقص، وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل ،فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين وهكذا، ولهذا قال إبراهيم، عليه الصلاة والسلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } البقرة 260، فالإيمان يزيد من حيث إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه ،فعندما يحضر مجلسَ ذكرٍ فيه موعظة، وذكرٍ للجنة والنار، يزداد الإيمان ،حتى كأنه يشاهد ذلك رأي العين، وعندما توجد الغفلة ،ويقوم من هذا المجلس ،يخف هذا اليقين في قلبه، وكذلك يزداد الإيمان من حيث القول ،فإن من ذَكَرَ الله عشر مرات ،ليس كمن ذَكَرَ الله مئة مرة، فالثاني أزيد بكثير، وكذلك أيضاً من حيث العبادة ، فمن أتى بالعبادة على وجه كامل يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص، وكذلك من حيث العمل ، فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر صار الأكثر أزيد إيماناً من الناقص، وقد جاء ذلك مصرحا به في الكتاب والسنة -أعني إثبات الزيادة والنقصان- قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} المدثر 31،، وقال الله تعالى: { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} التوبة (124)، (125) ، وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (1) :(4) الانفال ، وأما الشاهد والدليل من السنة المطهرة ،ففي صحيح مسلم : قوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، وفي رواية: « لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»، وفي صحيح البخاري : (أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ يَقُولُ اللَّهُ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ) ،وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ » ،وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأصحابه: (هلموا نزداد إيمانا) وفي لفظ: (تعالوا نزداد إيمانا) ، وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (اجلسوا بنا نزداد إيمانا) ،وكان يقول في دعائه: (اللهم زدني إيمانا ويقينا وفقها) ،وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يقول: (اجلسوا بنا نؤمن ساعة) ،وقال ابن حجر مبينا وجه دلالته على زيادة الإيمان ونقصانه: (ووجه الدلالة منه ظاهرة، لأنه لا يحمل على أصل الإيمان لكونه كان مؤمناً وأي مؤمن، وإنما يحمل على إرادة أنه يزداد إيمانا بذكر الله تعالى)
أيها المسلمون
فالإيمان حقيقة مُركَّبة من قول وعمل، وأن القول قسمان: قول القلب: وهو الاعتقاد، وقول اللسان: وهو نطق كلمة الإسلام، والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح كالصلاة وغيرها، فإذا زالت هذه الأربعة جميعاً التي هي: قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح، زال الإيمان كله، بمعنى أنه لو كان المرء ليس عنده شيءٌ من هذه يكون كافراً، فإذا زال تصديق القلب لم تنفعه بقية الأجزاء، فإنَّ تصديق القلب شرطٌ في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصِّدق كأن وُجِد تصديق بالقلب، وعمل القلب لكن بدون عمل الجوارح أبداً ولا قول باللسان، فأهل السُّنَّة مجمعون على زوال الإيمان، وأنَّه لا ينفع التَّصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول بل ويقرون به سراً وجهرا ويقولون ليس بكذَّاب، ولكن لا نتَّبعه ولا نؤمن به، فإيمان القلب ليس مُجرَّد العلم والمعرفة والتَّصديق، فلا يكفي مجرد المعرفة والعلم بالقلب أنَّ الله واحدٌ، أو أنَّ الله خالق أو أنَّ محمد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، بل ولابُد أن يكون هناك انقياد واستسلام وخضوع وإخلاص لله مما يدخل تحت عمل القلب، فلو قال قائل: أنا أعرف ومُقِّرٌ بأنَّ الله موجود، وأنَّ الله هو الخالق، وأن محمداً رسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ، لا ينقاد ، ولا يستسلم ولا يذعن لأوامر الله ونواهيه ، فليس بمؤمن ، فيتضح لنا أنَّ العِلم والمعرفة والتَّصديق، أي: قول القلب إن لم يصحبها الانقياد والاستسلام والخضوع وهو عمل القلب والجوارح، لم يكن المرء مؤمناً بل تصديق هذا شرُّ من عدمه؛ لأنَّه ترك الانقياد مع أنَّه يعلم وعنده معرفة، فهذا كُفرٌ عن علمٍ وبيَّنَةٍ، فهو يقول أنا أعرف، لكن لا أعلم ولا أنقاد ولا استسلم ولا أُذعن، والله عزَّ وجلَّ شهد على قلوب بعض اليهود أنَّهم يعرفون النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وما أُنزل إليه كما يعرفون أبناءهم، لكنَّهم لم يُصدِّقوا بقلوبهم، ولا أحد أصدق شهادة على ما في قلوبهم من الله، فاليهود أيقنوا تمامَ اليقين أنَّ هذا محمد وأنَّه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عندهم شكٌّ إطلاقاً، قال الله تعالى:(فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة: 89].، وقال الله تعالى: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) [البقرة: 146]. فمن جهة المعرفة فاليهودي كان في قلبه معرفةً أنَّ هذا رسول الله، إذاً هل هو مسلم أو كافر؟ كافرٌ، مع أنَّه يعرف، لكنَّه لم يستسلم وينقاد، كما أخبر الله تعالى عن إبليس أنَّه معترفٌ بالله، وأنَّ الله هو الخالق قال: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ) [ص: 76].، فإبليس معترف أن الله هو الذي خلقه، وأنَّه خلقه من نار، وأن لله العزة، وأنه حلف بها،: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص: 82].، وأثبت صفة العزة لله، فهل إبليس مؤمنٌ أم كافرٌ؟، بالطبع هو كافر، لماذا؟ لأنَّه لم يخضع لله، ولم يستجب وينقاد ويستسلم ويسجد لآدم، فما نفعته معرفته لما زايله الخضوع، إذاً: هذه القلوب التي تعرف الله ،وتعرف نبيَّه ،لم يُكتب لها اسم الإيمان، ولا يجب أن تُعطى اسم الإيمان بمجرد علمها ومعرفتها بالحقِّ ، إذا لم يقارن هذا العلم القلبي الخضوع لله ورسوله وطاعة الله ورسوله.
أيها المسلمون
وقول اللِّسان جزء مهم من مسمى الإيمان، والمقصود بقول اللِّسان الأعمال التي تؤدَّى باللَّسان كالشَّهادتين، والذِّكر، والتِّلاوة، والصِّدق، والنَّصيحة، والدُّعاء وغير ذلك مما لا يؤدَّى إلَّا باللِّسان، هذه الأعمال منها ما هو مستحب، ومنها ما هو واجب، بل منها ما هو شرط صحة الإيمان، قال الله عز وجل:(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ قولوا آمنَّا بالله باللِّسان، وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ) [البقرة: 136- 137].،فقال تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ)، ثم قال تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ)، قال الحليمي رحمه الله: “فأمر المؤمنين أن يقولوا آمنَّا ،ثم أخبر بقوله تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ) معنى ذلك أن القول منهم يعتبر إيماناً، وسُمي قولهم إيماناً. وكذلك الصلاة والإنفاق وغيرها من الأعمال هي داخلة في الإيمان، أليست أعمالاً؟ بلى هي أعمال، فهذه إشارة إلى أنَّ جميع الأعمال المذكورة من واجبات الإيمان؛ لأنَّ قوله: (إنما المؤمنون) ، هذه إنما معناها تدل على إثبات المذكور ونفي ما عداه، وفي صحيح البخاري : (إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنِ الْقَوْمُ أَوْ مَنِ الْوَفْدُ » . قَالُوا رَبِيعَةُ . قَالَ « مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ – أَوْ بِالْوَفْدِ – غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى » . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ فِي شَهْرِ الْحَرَامِ ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَىُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ ، نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا ، وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ . وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ . فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ ،أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ . قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ » .قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ » ، فهذا دليل على أنَّ الأعمال داخلة في الإيمان، وقال عليه الصلاة والسلام: « لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ ». رواه أحمد وغيره ، وفي صحيح مسلم : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ) ، وفي سنن الترمذي وغيره : (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ وَأَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ » ، فهذه كلُّها تدلُّ على أن هذه الأعمال داخلة في الإيمان، وأنَّ الطَّاعات جميعها ومنها أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، وأنَّ الإخلال والتَّقصير بها يضرُّ الإيمان.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الإيمان : قول ، وعمل، وعقيدة ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولكن ما هي أسباب زيادة الإيمان، وما هي أسباب نقص الإيمان ؟، أما عن أسباب زيادة الإيمان فالسبب الأول: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وبأسمائه وصفاته ازداد إيماناً بلا شك، ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه. ،والسبب الثاني: النظر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات ازداد إيماناً قال الله تعالى: { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} الذاريات (20) ،(21). ،والسبب الثالث من أسباب زيادة الإيمان : كثرة الطاعات : فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً ،سواء كانت هذه الطاعات قولية، أم فعليه: فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية، والصلاة والصوم، والحج تزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية.
وأما عن أسباب ضعف الإيمان : فإن ضعف الإيمان مرض يعتري بعض القلوب المؤمنة ، وهو من أخطر أمراضها ، لما ينشأ عنه من الوقوع في المعاصي ، والتهاون في الواجبات ، وقسوة القلب ، وضيق الصدر ، وتغير المزاج ، وعدم التأثر بقراءة القرآن ، والغفلة عن ذكر الله عز وجل .. إلى غير ذلك. ولا طريق للتخلص من هذا المرض إلا بالسعي في ما يقوي الإيمان ، ويكون ذلك بدفع الأسباب الموجبة لضعفه ، وهي: الجهل بأسماء الله وصفاته ، فهو يوجب نقص الإيمان لأن الإنسان إذا نقصت معرفته بأسماء الله وصفاته نقص إيمانه. ،السبب الثاني من أسباب ضعف الإيمان : الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده وعدم نموه. ، السبب الثالث من أسباب ضعف الإيمان: فعل المعصية فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب وعلى الإيمان، ففي الصحيحين : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – إِنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ » .والسبب الرابع من أسباب ضعف الإيمان : ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتَرَكَها بلا عذرٍ فهو نقص يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبةٍ أو واجبةً لكن تركها بعذر فإنه نقص لا يلام عليه، السبب الخامس من أسباب ضعف الإيمان : البعد عن الأجواء الإيمانية ، من حضور مجالس الذكر ، والصلاة في جماعة ، ومجالسة الصالحين ، يقول الحسن البصري: “إخواننا عندنا أغلى من أهلينا ، أهلونا يذكروننا الدنيا ، وإخواننا يذكروننا الآخرة”. ، وكذا فقدان القدوة الصالحة ، لذلك لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ووري التراب قال الصحابة رضي الله عنهم: “أنكرنا قلوبنا” ففي سنن ابن ماجه وغيره : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِى دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ. وَمَا نَفَضْنَا عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا) ،ومن أسباب ضعف الإيمان : الاختلاط بأهل الفسق والفجور ، والانشغال الشديد بأمور الدنيا ، والانشغال بشؤون الأولاد والأهل عن طاعة الله عز وجل ، وكذا طول الأمل ، والإفراط في المباحات من أكل ، وشرب ، ونوم ، وكلام ، وخلطة ، وكذا الإفراط في الكلام فإنه يقسي القلب ، ولا بد أن يصحب ذلك كله الدعاء بالثبات ، ففي سنن ابن ماجه وغيره : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ « اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ فَقَالَ «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا » ،وكذا الدعاء بأن يجدد الله إيمانكم ،فإن الإيمان يخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ،فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم .
الدعاء