خطبة عن (وقفات مع: سورة الْبَلَدِ)
مايو 15, 2023خطبة عن (إيمان سحرة فرعون)
مايو 16, 2023الخطبة الأولى ( ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه 🙁عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِى يُرِيدُ الأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِى يُرِيدُ الْعَفَافَ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الشريف ،والذي يبشرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعانة الله سبحانه وتعالى لعبده الذي يجاهد في سبيله ، والعبد المكاتب ، والذي يريد الزواج ، فهؤلاء الثلاثة حق على الله أن يعينهم، فهم موعودون من الله على لسان رسوله بالعون ، فالمجاهد موعود بعون الله له ،يعينه ويصبره ويسدده، وينصره على العدو ، والمجاهد في سبيل الله هو أفضل الأصناف الثلاثة، يجاهد في سبيل الله، يريد إعلاء كلمة الله، يريد نصر دين الله، يريد إذلال الكافرين، والجهاد له إطلاقان في الشرع، وهما : إطلاق خاص : ويقصد به بذل الجهد في قتال البغاة والكفار ، وإطلاق عام : ويقصد به العمل بكل ما يحبه الله : من عمل صالح، وإيمان، ودفع كلّ ما يبغضه من عصيان، وفسوق، وكفر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومجاهدة النفس في استقامتها، وكبح الغرائز التي تؤدي للانغماس في الشهوات المحرمة، والتزوّد من العلم الذي يوضح الطريق، وبذل المال في وجه الخير، ومجاهدة الشيطان للتخلّص من وساوسه، ولدفع ما يلقي في النفس من شهوات محرمة، وشبهات مضلة، وقال ابن القيم رحمه الله: «والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين : إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع، قال الله تعالى: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 41]» ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والجهاد منه ما هو باليد، ومنه ما هو بالقلب، والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة، فيجب بغاية ما يمكن»، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .
أما الصنف الثاني الذي وعد الله تعالى إعانته : “المكاتَبُ”، أي: العَبدُ الَّذي اتَّفَق مع مالِكِه على عِتْقِه إذا دفَع أو أدَّى إلى مالِكِه ما اتَّفَقا عليه مِن مالٍ أو غيرِه “الَّذي يريدُ الأداءَ”، أي: يُريدُ أداءَ ما اتَّفَق عليه مع مالكِه، فيُيسِّرُ اللهُ له ذلك، قال الله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (33) النور ، فالله سبحانه وتعالى يحث السادة أنهم إذا رغب أحد من مماليكهم بالمكاتبة أنهم يتيحون لهم الفرصة: ﴿ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾ أي: علمتم فيهم رشدا وصلاحًا في دينهم ودنياهم، وقدرة على مؤنة أنفسهم، فلا يكونون عالة على غيرهم ، فيجوز صرف الزكاة لهذا المكاتب ، وفي سنن البيهقي : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ أَنَّ فُلاَنًا الْحَنَفِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ : شَهِدْتُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَامَ مُكَاتَبٌ إِلَى أَبِى مُوسَى رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ أَوَّلَ سَائِلٍ رَأَيْتُهُ فَقَالَ :إِنِّي إِنْسَانٌ مُثْقَلٌ مُكَاتَبٌ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَيْهِ فَقُذِفَتْ إِلَيْهِ الثِّيَابُ وَالدَّرَاهِمُ حَتَّى قَالَ حَسْبِي فَانْطَلَقَ إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَهُمْ قَدْ أَعْطَوْهُ مُكَاتَبَتَهُ وَفَضَلَ ثَلاَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَتَى أَبَا مُوسَى فَسَأَلَهُ فَأَمْرَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي نَحْوِهِ مِنَ النَّاسِ ،وفيه أيضا (عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَيُّمَا مُكَاتَبٍ كُوتِبَ عَلَى أَلْفِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ عَبْدٌ وَأَيُّمَا مُكَاتَبٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ ». لَفْظُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ وَفِى رِوَايَةِ أَبِى الْوَلِيدِ :« أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ وَأَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ عَبْدٌ ».،فالمكاتب يريد تحرير نفسه، ويصير حرًا مثل بقية الناس، يتصرف ويبيع ويشتري ويتزوج، فالحرية كرامة، ففي العفة صون النفس وتنزيهها عن كل ما هو منهي لتجنب الرذائل، ومن فوائد العفة : حماية المجتمع من الفواحش، فالمجتمع الذي يتصف بالعفة يكون بعيداً عن الرذائل، ويظلّ الله العفيف في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وينجي الله العفيف من المضائق والابتلاءات،
أما الصنف الثالث من الذين وعد الله تعالى بمعونتهم :(ناكح يريد العفاف) ،أي يريد بزواجه العفاف، ويريد أن يعف نفسه عن الحرام، وهذا فيه التنبيه على حسن الإرادة في الزواج ، فلا يكون الهم مجرد قضاء الوطر وإشباع الشهوة فقط، فكثير من الناس يتزوج من أجل أنه يبني البيت ،ويصير له أولاد ، ولا يقصد بزواجه أن يعف نفسه ،ويحصن نفسه ،ويحصن زوجته، قال سبحانه وتعالى: ﴿ أنْ تَبْتَغُوا بِأمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ ﴾ (النساء: 24 ) ، أي : تريدون الإحصان، وتطلبون النكاح بالأموال ،فهذ وعد من الله بعون من يتزوج ابتغاء العفة ، فمن لم يكن عنده مال كاف ،أو كان في ضيق من العيش ،وتزوج ليحصن نفسه، أعانه الله وأغناه ، ويؤيد ذلك قوله تعالى:( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (32) النور ،وعن ابن مسعود أنه قال: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله. وقال الشنقيطي في أضواء البيان: فيه وعد من الله للمتزوج الفقير من الأحرار والعبيد بأن الله يغنيه، والله لا يخلف الميعاد، ثم سرد الآيات التي وعدت بالرزق لمن أطاع الله واتقاه، إلى أن قال: والظاهر أن المتزوج الذي وعده الله بالغنى هو الذي يريد بتزويجه الإعانة على طاعة الله بغض البصر، وحفظ الفرج، كما بينه النبي في الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ».، فإذا كان قصده بالتزويج طاعة الله بغض البصر، وحفظ الفرج فالوعد بالغنى إنما هو على طاعة الله بذلك.
أيها المسلمون
وقوله صلى الله عليه وسلم : (حق على الله)، فكلمة حق تدل على الوجوب، أي عهد واجب على الله عونهم، وقد أوجبه الله تعالى على نفسه، فالله تعالى وعد أن يعينهم، ومن عونه أن شرع للمسلمين إعانتهم، فينبغي للمسلمين إعانة المجاهد، وإعانة المكاتب، والناكح المتعفف ، فيعطيهم من الزكاة أو من غير الزكاة، ومن الملاحظ أن هذا الأمورَ المذكورةَ هي مِن الأُمُور الشَّاقَّةِ والصَّعبةِ الَّتي تَقصِمُ الظَّهرَ، ولَولا أنَّ اللهَ تعالى يُعِينُ العبدَ عليها فإنَّه لا يَقومُ بِها، ولأنَّ كل واحدٍ منهم أرادَ أمرًا ندَب اللهُ تعالى إليه وحثَّ على فِعلِه، وهو سبحانَه الذي يُعينُ عِبادَه على ما أمَرَهم به.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الملاحظ أن الحديث الذي بين أيدينا اليوم يحثنا على الانفاق والمساعدة والتعاون ، والناس في التعاون أصناف: قال الماورديُّ: (تنقسم أحوال مَن دخل في عداد الإخوان أربعة أقسام: منهم مَن يعين ويستعين، ومنهم مَن لا يعين ولا يستعين، ومنهم مَن يستعين ولا يعين، ومنهم مَن يعين ولا يستعين.
فأمَّا المعين والمستعين : فهو معاوضٌ منصف؛ يؤدِّي ما عليه ويستوفي ماله، فهو كالمقرض يُسْعِف عند الحاجة ،ويستردُّ عند الاستغناء، وهو مشكورٌ في معونته، ومعذورٌ في استعانته، فهذا أعدل الإخوان.
وأمَّا مَن لا يُعين ولا يستعين : فهو متروك ،قد منع خيره ،وقمع شرَّه، فهو لا صديق يُرْجَى، ولا عدوٌّ يُخْشَى، وإذا كان الأمر كذلك ،فهو كالصُّورة الممثَّلة، يروقك حسنها، ويخونك نفعها، فلا هو مذموم لقمع شرِّه، ولا هو مشكور لمنع خيره، وإن كان باللَّوم أجدر.
وأمَّا مَن يستعين ولا يُعين : فهو لئيم كَلٌّ، ومهين مستذلٌّ، قد قُطِع عنه الرَّغبة، وبُسِط فيه الرَّهبة، فلا خيره يُرْجَى، ولا شرُّه يُؤْمَن، وحسبك مهانة مِن رجل مستثقل عند إقلاله، ويستقلُّ عند استقلاله ، فليس لمثله في الإخاء حظٌّ، ولا في الوداد نصيب.
وأمَّا مَن يُعين ولا يستعين : فهو كريم الطَّبع، مشكور الصُّنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء، فلا يُرى ثقيلًا في نائبة، ولا يقعد عن نهضة في معونة. فهذا أشرف الإخوان نفسًا وأكرمهم طبعًا، فينبغي لمن أوجد له الزَّمان مثله، وقلَّ أن يكون له مثل؛ لأنَّه البَرُّ الكريم والدُّرُّ اليتيم، أن يثني عليه خنصره، ويعضَّ عليه بناجذه، ويكون به أشدَّ ضنًّا منه بنفائس أمواله، وسِنِي ذخائره؛ لأنَّ نفع الإخوان عامٌّ، ونفع المال خاصٌّ، ومَن كان أعمَّ نفعًا فهو بالادِّخار أحقُّ، ثمَّ لا ينبغي أن يزهد فيه لخُلُق أو خُلُقين ينكرهما منه إذا رضي سائر أخلاقه، وحمد أكثر شيمه؛ لأنَّ اليسير مغفور، والكمال مُعْوِز)، فالتَّعاون ضرورةٌ إنسانيَّة، والإنسان لا يستغني عن أخيه الإنسان، كما قضى الله عزَّ وجلَّ في سننه
الدعاء