خطبة عن بر الوالدين (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)
يوليو 1, 2023خطبة عن (أنت مسئول)
يوليو 6, 2023الخطبة الأولى ( صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ تَطَوُّعاً نُورٌ فَمَنْ شَاءَ نَوَّرَ بَيْتَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام احمد في سننه : أن (عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو الْبَجَلِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ سَأَلُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالُوا لَهُ إِنَّمَا أَتَيْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ تَطَوُّعاً وَعَنِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَعَنِ الرَّجُلِ مَا يَصْلُحُ لَهُ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضاً فَقَالَ أَسُحَّارٌ أَنْتُمْ لَقَدْ سَأَلْتُمُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ تَطَوُّعاً نُورٌ فَمَنْ شَاءَ نَوَّرَ بَيْتَهُ ».
إخوة الإسلام
العبادات التي كلف الله تعالى بها عباده والتي هي من أركان الإسلام ،لم يشرعها الله تعالى عبثاً، وإنما شرعها لتثبيت الإيمان في النفوس، ولتطهير القلوب، ولتعويد الإنسان على التمسك بمحاسن الأخلاق ،وبحميد الخصال ،وبجميل العادات ،والعبادات إنما شرعت لتعويد المسلم على أن يحيا بأخلاق صحيحة ،وأن يظل متمسكا بهذه الأخلاق مهما تغيرت أمامه الظروف . وقد شرعت عبادات التطوع لتكون جبرا لما عسى أن يكون قد وقع في الفرائض من نقص، ففي سنن الترمذي : أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ » ، وفيه أيضا : (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَذِنَ اللَّهُ لِعَبْدٍ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا وَإِنَّ الْبِرَّ لَيُذَرُّ عَلَى رَأْسِ الْعَبْدِ مَا دَامَ فِي صَلاَتِهِ وَمَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ »وقال مالك في الموطأ، بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) وروى مسلم عن رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الأَسْلَمِيّ قَالَ كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي « سَلْ ». فَقُلْتُ أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ « أَوَغَيْرَ ذَلِكَ ». قُلْتُ هُوَ ذَاكَ. قَالَ « فَأَعِنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ».
هذا وإن كان من الواجب على المسلم أن يقيم الصلوات الخمس المفروضة في جماعة بالمسجد ،إلا أن صلاة التطوع فمن المستحب أن تقام في البيت ،ففي الحديث المتقدم : « صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ تَطَوُّعاً نُورٌ فَمَنْ شَاءَ نَوَّرَ بَيْتَهُ ».وفي صحيح مسلم : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا »، وفي سنن أبي داود : (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ ». ،كما روى مسلم في صحيحه : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْرًا ».،
ففي هذه الاحاديث دليل على استحباب صلاة التطوع في البيت، وأن صلاة الرجل فيه أفضل من صلاته في المسجد. قال النووي: إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد عن الرياء وأصون من محبطات الاعمال، وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان. فالانتقال لصلاة النفل في البيت أفضل ، وهذا في غير المعتكف ،والمبكر لصلاة الجمعة ،والخائف من فوات الوقت ،أو الخائف من دخول الكسل عليه ،أو من يجلس لتعليم أو تعلُّم ،أو مريد السفر ،والقادم من السفر ، وذلك أيضا في غير الصلوات التي تسن فيه الجماعة كالاستسقاء والعيدين والكسوفين ،وكركعتي الطواف وتحية المسجد ، وفي المغني لابن قدامة قال : ويستحب فعل السنن في البيت لحديث ابن عمر : أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ركعتي الفجر والمغرب والعشاء في بيته وقال أبو داود : ما رأيت أحمد ركعهما – يعني : ركعتي الفجر – في المسجد قط إنما كان يخرج فيقعد في المسجد حتى تقام الصلاة ، وروى مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ تَطَوُّعِهِ فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرُ وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلاً طَوِيلاً قَائِمًا وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِدًا وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ).، وفي شرح السنة : قال القاسم بن محمد : إن صلاة النافلة تفضل في السر على العلانية كفضل الفريضة في الجماعة . ورأى أبو أمامة رجلاً في المسجد ،وهو ساجد يبكي في سجوده ،ويدعو ربه ،فقال أبو أمامة :(أنت أنت لو كان ذلك في بيتك) ،
فينبغي على المسلم أن يحرص على الجماعة في المسجد في الفرائض ، وعلى النافلة في البيت ، سواء كانت الراتبة أو غير الراتبة ، إلا ما تشرع فيها الجماعة كما سبق بيانه . ويجب المداومة علي صلاة الرواتب من جانب المسلم والحرص على ذلك لأنه يوجد الكثير من الناس من يهتم بالفريضة ويترك السنة والمداومة علي تركها يدل علي قلة الدين عند المسلم وعدم الاهتمام باتباع سنة نبينا المصطفى صلوات اللهم عليه وسلم وفي سنن الترمذي : (مَعْدَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ قَالَ لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ لَهُ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ وَيُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ فَسَكَتَ عَنِّى مَلِيًّا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَىَّ فَقَالَ عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ».
أيها المسلمون
وأمل قوله صلى الله عليه وسلم : (صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ تَطَوُّعاً نُورٌ فَمَنْ شَاءَ نَوَّرَ بَيْتَهُ) ،وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر كما في صحيح مسلم : (.. وَالصَّلاَةُ نُورٌ ..) ،فهذا النور قيل أنه معنوي ، وذلك بمنعها لصاحبها من المعاصي، وهدايته إلى طريق الصواب، وقيل: إنه نور حسي ،يظهر على وجه المصلي في الدنيا، وفي الآخرة أيضًا، ولعله يكون نورا معنويا، وحسيا معًا، وقال النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (والصلاة نور). فمعناه أنها تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتهدي إلى الصواب، كما أن النور يستضاء به. وقيل معناه: إنه يكون أجرها نورًا لصاحبها يوم القيامة، وقيل: لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف، وانشراح القلب، ومكاشفات الحقائق؛ لفراغ القلب فيها، وإقباله إلى الله تعالى بظاهره، وباطنه، وقيل معناه: إنها تكون نورًا ظاهرًا على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدنيا أيضًا على وجهه البهاء، بخلاف من لم يصل، ويقول الشيخ ابن عثيمين: وَالصَّلاةُ نورٌ. أي صلاة الفريضة، والنافلة نور، نور في القلب، ونور في الوجه، ونور في القبر، ونور في الحشر؛ لأن الحديث مطلق، وجرّب تجد. فإذا صلّيت الصلاة الحقيقية التي يحضر بها قلبك، وتخشع جوارحك، تحس بأن قلبك استنار، وتلتذّ بذلك غاية الالتذاذ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « حُبِّبَ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ تَطَوُّعاً نُورٌ فَمَنْ شَاءَ نَوَّرَ بَيْتَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالصلاة نور: تفتح للمصلي باب المعرفة لله عز وجل، وباب المعرفة في أحكام الله، وأفعاله، وأسمائه، وصفاته، وهي نور في قبر الإنسان؛ لأن الصلاة هي عمود الإسلام، فإذا قام العمود قام البناء، وإذا لم يقم العمود فلا بناء، وكذلك هي نور في حشر يوم القيامة؛ كما أخبر بذلك الرسول صلي الله عليه وسلم، ففي مسند أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاَةَ يَوْماً فَقَالَ « مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُوراً وَبُرْهَاناً وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَىِّ بْنِ خَلَفٍ ».،
فهي نور للإنسان في جميع أحواله، وهذا يقتضي أن يحافظ الإنسان عليها، وأن يحرص عليها، وأن يكثر منها حتى يكثر نوره، وعلمه، وإيمانه.
كما يعلم مما تقدم أن الصلاة التي يحصل بها النور المذكور، هي الصلاة الحقيقية، المشتملة على الشروط، والأركان، وعلى الخشوع، والخضوع، وحضور القلب، وأنه كلما حافظ عليها الإنسان، وحرص عليها، وأكثر منها، ازداد نوره، وعظم .
الدعاء