خطبة عن حديث (وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي)
أغسطس 23, 2023خطبة عن (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
أغسطس 28, 2023الخطبة الأولى ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (197) البقرة
إخوة الإسلام
نعيش لحظات طيبة إن شاء الله تعالى مع آية من آيات القرآن الكريم ، نتفهم معانيها ، ونتدبر مراميها ، ونسبح في بحار ها ،ونرتشف من رحيقها المختوم ، وسوف يكون حديثنا عن قوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (197) البقرة ،فقد جاء في التفسير الميسر : وما تفعلوا من خير يعلمه الله، فيجازي كلا على عمله. وخذوا لأنفسكم زادًا من الطعام والشراب لسفر الحج، وزادًا من صالح الأعمال للدار الآخرة، فإن خير الزاد تقوى الله، وخافوني يا أصحاب العقول السليمة، وحقا وصدقا ما قال ربنا ،فإن خير ما يتزود به العباد في هذه الدار الدنيا ليوم معادهم هو تقوى الله عز وجل ،فتقوى الله تعالى هي الزاد الذي لا غنى للعبد عنه ،ليقدم على ربه آمنا يوم القيامة ، كما قال القائل :
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
فتقوى الله خير ما يتزين به العبد في دنياه، وخير لباس يرتديه، قال الله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:26) ،ومما يدل على أهمية التقوى وعناية الله عز وجل بتحقيق العباد لها أن الله تعالى قد وصى بها الأولين والآخرين ،وبيَّن ذلك في كتابه الكريم ،فقال الله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) (النساء: 131) ،ومما يدل على أهمية التقوى من الدين :أن أنبياء الله (عليهم السلام) من نبي الله نوح إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قد أمروا بها أقوامهم ،وطالبوهم بتحقيقها ،قال الله تعالى : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ). (الشعراء:106) ،وقال الله تعالى : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:124) ،وقال الله تعالى : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:142) ،وقال الله تعالى : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:161) ، وقال الله تعالى : (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:177).،أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد وصى بها أمته في العديد من الأحاديث ،ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ :قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ »، والتقوى هي وصيةُ الله عزَّ وجل للبشر أجمعين؛ وذلك لأنها جامعةٌ لكل خير، فالذي يتَّقي الله سبحانه وتعالى سيوحِّده وحده ،ولن يشرك به شيئًا، وسيبحث عمَّا يُرضيه سبحانه فيأتيه، وعمَّا يغضبه سبحانه فيجتنبه، فهي خير وصية من ربِّ البريَّة، يرشد عبادَه لما فيه فلاحُهم ونجاحهم في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه : (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا ) ،وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى ابنه عبدالله: “أمَّا بعد، فإني أوصيك بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فإنه من اتَّقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زادَه، واجعل التقوى نُصْب عَينك وجلاء قلبك”، وكتب أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز إلى رجل: “أوصيك بتقوى الله عزَّ وجل؛ التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلاَّ أهلَها، ولا يثيب إلاَّ أهلَها، فإنَّ الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلني اللهُ وإياك من المتقين” ،وقال ابن القيم رحمه الله: ودَّع ابنُ عون رجلاً، فقال: “عليك بتقوى الله؛ فإن المتَّقي ليس عليه وَحْشَة”، وقال الثوري: “إن اتَّقيت اللهَ كفاك الناسَ، وإن اتَّقيت النَّاسَ لن يُغنوا عنك من الله شيئًا” ،والتقوى كما عرفها ابن القيم، فقال: التَّقوى حقيقتُها: العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا أمرًا ونهيًا، فيفعل ما أمر اللهُ به إيمانًا بالأمر وتصديقًا بوعده، ويترك ما نهى اللهُ عنه إيمانًا بالنهي وخوفًا من وعيده، كما قال طَلْق بن حبيب: “إذا وقعَت الفتنةُ فأطفئوها بالتقوى”، قالوا: وما التقوى؟ قال: “أن تعمل بطاعة اللهِ على نورٍ من الله ترجو ثوابَ الله، وأن تتركَ معصية الله على نورٍ من الله تخاف عقاب الله
والسؤال : كيف تتقي الله عز وجل؟ ،أو كيف نحقق التقوى؟، والجواب : أولا : بمحبَّة الله عز وجل: قال ابنُ القيم رحمه الله: “المحبةُ شجرةٌ في القلب؛ عروقُها: الذلُّ للمحبوب، وساقُها: معرفته، وأغصانها: خشيتُه، وورقها: الحياء منه، وثمرتها: طاعته، ومادتها التي تسقيها: ذكرُه، فمتى خلا الحبُّ عن شيء من ذلك، كان ناقصًا” ،ثانيا : بمراقبة الله عزَّ وجلَّ: أن يدرِّب العبدُ نفسَه على المراقبة، وأن يستشعرَ اطِّلاع الله عز وجل عليه، فيستحي عند ذلك من المعصية، ويجتهد في الطاعة، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الحديد: 4]. ،قال سفيان بن عيينة: الحياء أخفُّ التَّقوى، ولا يخاف العبدُ حتى يستحي، وهل دخل أهلُ التَّقوى في التقوى إلاَّ بالحياء؟!”، وقال بعض العارفين: “خَف من الله على قَدْر قدرتِه عليك، واستَحِ من الله على قدر قربه منك” ،ثالثا : ويتقي العبد ربه بمعرفة ما في سبيل الحرام من المفاسد والآلام: فليس في الدنيا والآخرة شرٌّ وداءٌ إلاَّ وسببه الذنوبُ والمعاصي، قال ابن القيم رحمه الله: “فما الذي أخرج الأبوين من الجنَّة دارِ النعيم والسرور إلى دار الآلام والأحزان ،وما الذي أخرج إبليسَ من ملكوتِ السموات وطردَه ولعنه، وما الذي أغرق أهلَ الأرض حتى علا الماءُ فوق رؤوس الجبال، وما الذي أهلك عادًا وثمودَ وغيرَهم؟” ، فلا شكَّ أن سبيل المعاصي فيه من التعرُّضِ للعذاب العاجل والآجل، وضيقِ الصَّدر والرزق، وبُغْضِ الخَلْق ومحق البركة، فهي كطعامٍ لذيذ مسمومٍ، يتمتَّع به لحظات، وتبقى آلامُه في الحياة وبَعْد الممات رابعا : ومن وسائل تقوى الله : أن تتعلَّم كيف تغالب هواك وتطيع مولاك: قال الله تعالى : ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 – 41]، وقال تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46]؛ قيل: هو العبدُ يهوى المعصية، فيذكر مَقَامَ ربِّه عليه في الدنيا، ومقامَه بين يديه في الآخرة؛ فيتركها لله ، قال ابن القيم رحمه الله: “وملاكُ الأمر كلِّه الرغبة في الله، وإرادة وجهه، والتقرُّبُ إليه بأنواع الوسائل، والشوقُ إلى الوصول إليه وإلى لقائه، فإن لم يكن للعبد همَّة إلى ذلك؛ فالرغبةُ إلى الجنة ونعيمها وما أعد الله فيها لأوليائه، فإن لم تكن له همَّة عالية تطالبه بذلك؛ فخشيةُ النار وما أَعدَّ اللهُ فيها لمن عصاه، فإن لم تطاوعه نفسه بشيءٍ من ذلك؛ فليعلم أنه خُلِق للجحيم لا للنعيم، ولا يقدر على ذلك بعد قدَر الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه” ،خامسا : معرفة مكايد الشيطان ومصايده: قال العلاَّمة ابن مفلح المقدسي رحمه الله: “اعلم أن الشيطان يقف للمؤمن في سبع عقبات: عقبة الكفر، فإن سلِم منها ففي عَقَبة البدعة، فإن سلِم منها ففي عقبة فعل الكبائر، ثم في عقبة فعل الصغائر، فإن سَلِم ففي عقبة فعل المباحات؛ فيشغله بها عن الطاعات، فإن غلبَه شغَلَه بالأعمال المفضولة عن الأعمال الفاضلة، فإن سَلِم من ذلك وقف له في العقبة السابعة، ولا يسلم منها المؤمن؛ إذ لو سَلِم منها أحدٌ لسلم منها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ وهي: تسليط الأعداء الفَجَرة بأنواع الأذى”.
أيها المسلمون
أما عن ثمرات التقوى: فإن التَّقوى هي أعظمُ سببٍ للسعادة في الدنيا والآخرة؛ فالمتَّقون يسعدون بالطاعة وثمارها في الدنيا، وشَاهِدُ هذه السعادة في نفس العبد أنَّه إذا وقع في معصية الله عزَّ وجلَّ لضعفِ الوازع – التقوى – كم يجد من حرجٍ في صدره وضيقٍ ووحشةٍ بينه وبين اللهِ عزَّ وجلَّ، وبينه وبين عباد الله المؤمنين، فلو حصلت له الدنيا بحذافيرها لم يعوِّضه هذه الوحشة ، ومن ثمرات التقوى العاجلة؛ أي: “في الدنيا”: أولا :المخرَج مِن كلِّ ضيق، والرزق من حيث لا يحتسب؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، قال الربيع بن خثيم: “يجعل له مخرجًا من كل شيءٍ ضاق على الناس”.، ثانيا : من ثمرات التقوى: السهولة واليسر في الأمر؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]، وهي نعمةٌ كبرى: أن يجعل اللهُ الأمور ميسَّرة لعبدٍ من عباده، فلا مشقَّة ولا عُسر ولا ضيق.، ثالثا : من ثمرات التقوى : تيسير العلم النافع؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29]؛ قال ابن عثيمين رحمه الله: أي ما تفرِّقون به بين الحقِّ والباطل، والضارِّ والنافع؛ ومن ذلك: العلم… يفتح الله على المتَّقي من العلوم ما لا يفتحها لغيره، ومن ذلك الفهم؛ لأن التَّقوى سببُ زيادة الفهم، وقوَّةُ الفهم يحصلُ بها زيادة العلم، ويدخل في ذلك أيضًا الفراسة؛ فالله يعطي للمتَّقي فرَاسةً يميِّز بها بين الناس. ،رابعا : من ثمرات التقوى: إطلاق نور البصيرة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29]، قال محمد رشيد رضا: “الفرقان في اللغة؛ هو: الصبح الذي يفرِّق بين الليل والنهار، ويسمى القرآنُ فرقانًا؛ لأنه كالصُّبح يفرِّق بين الحقِّ والباطل، وتقوى الله في الأمور كلها تعطي صاحبَها نورًا يفرِّق به بين دقائقِ الشبهات التي لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس”.، خامسا : من ثمرات التقوى :محبة الله عزَّ وجلَّ ومحبة ملائكتِه والقبول في الأرض؛ قال الله تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 76]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحبَّ الله العبدَ قال لجبريل: قد أحببتُ فلانًا فأحبَّه؛ فيحبُّه جبريل عليه السلام، ثمَّ ينادي في أهل السماء: إنَّ الله قد أحبَّ فلانًا فأحِبُّوه؛ فيحبُّه أهلُ السماء، ثمَّ يُوضع له القبول في الأرض)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن ثمرات التقوى :نصرة الله عز وجل وتأييدُه وتسديده؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، فهذه المعيَّة هي معيَّة التأييد والنصرة والتسديد، وهي معيَّة اللهِ عزَّ وجل لأنبيائه وأوليائه، ومعيَّته للمتقين والصابرين، قال ابن رجب: “وهذه المعيَّة الخاصة بالمتقين غير المعية العامَّة المذكورة في قوله: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]“، قال قتادة: ومن يتَّق اللهَ يكُنْ معه، ومن يكن اللهُ معَه فمعه الفئةُ التي لا تُغلب، والحارسُ الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضلُّ”، وكتب بعضُ السلف لأخيه: “أما بعد، إن كان الله معك فمَن تخاف، وإن كان عليك فمن ترجو؟”.، سابعا : البركات من السماء والأرض؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]. ، ثامنا :الحفظ من كيد الأعداء ومكرهم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120]، وهذا تعليمٌ من الله وإرشاد إلى أن يُستعان على كيد الأعداء بالصبر والتَّقوى، وقد قال أحد الحكماء: “إذا أردتَ أن تكبِتَ من يحسدك، فازدَد فضلاً في نفسك”.، تاسعا : من ثمرات التقوى: حفظ الذريَّة الضعاف بعناية الله عز وجل؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].، قال ابن المسيَّب لابنه: “يا بني، إني لأزيد في صلاتي مِن أجلك؛ رجاءَ أن أُحفظ فيك، وتلا هذه الآية: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 82] .، عاشرا : من ثمرات التقوى : أنها سبب لقبول الأعمال التي بها سعادة العباد في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، وقال بعضُ السلف: “لو أعلم أن الله يقبل مني سجدةً بالليل وسجدةً بالنهار، لطِرتُ شوقًا إلى الموت”.، الحادي عشر : أنها سبب النجاة من عذاب الدنيا؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [فصلت: 17، 18].
أيها المسلمون
أما عن ثمرات التقوى الآجلة: فتكفيرُ السيئات؛ وهو سبب النجاة من النَّار، وعظمُ الأجر؛ وهو سبب الفوز بالجنة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [المائدة: 65].، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72].
وثمرات التقوى الآجلة: أنها سبب في ميراث الجنة؛ فهم أحقُّ الناس بها وأهلها، بل ما أعدَّ الله الجنةَ إلاَّ لأصحاب هذه الرُّتبة العليَّة والجوهرة البهية؛ قال تعالى: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63]، وقال تعالى: ﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].، وهم لا يذهبون إلى الجنة سيرًا على الأقدام؛ بل يُحشرون إليها رُكبانًا، مع أن الله يقرِّب الجنةَ إليهم تحيةً لهم ودفعًا لمشقتهم؛ قال تعالى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [ق: 31]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [مريم: 85].، وهم لا يدخلون أدنَى درجاتها؛ بل يفوزون فيها بأعلى الدَّرجات وأفضلِ النعيم، نسألُ الله من فضله العظيم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾ [النبأ: 31]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54، 55]، ووصف اللهُ عزَّ وجلَّ دارهم، فقال الله تعالى: ﴿ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﴾ [النحل: 30].، ومن ثمرات التقوى الآجلة: أنها تجمع بين المتحابِّين من أهلها حين تنقلب كلُّ صداقة ومحبَّة إلى عداوة؛ قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، فالمتَّقون هم الذين تدوم محبَّتُهم وخلَّتهم، كما قيل: “ما كان لله دام واتَّصل، وما كان لغير الله انقطعَ وانفصل”، وهم يسعدون بالصُّحبة والمحبة وهم يساقون إلى الجنة زمرًا زمرًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73].
الدعاء