خطبة عن ( ذَلِك مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي )
سبتمبر 19, 2023خطبة حول قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟)
سبتمبر 26, 2023الخطبة الأولى (غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ سَهْلاً إِذَا بَاعَ سَهْلاً إِذَا اشْتَرَى سَهْلاً إِذَا اقْتَضَى)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ ، كَانَ سَهْلاً إِذَا بَاعَ ،سَهْلاً إِذَا اشْتَرَى ،سَهْلاً إِذَا اقْتَضَى ».وفي رواية : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ ،سَمْحَ الشِّرَاءِ ،سَمْحَ الْقَضَاءِ ».، وروى الامام أحمد في مسنده : (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ،عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« كَانَ رَجُلٌ سَمْحاً بَائِعاً وَمُبْتَاعاً وَقَاضِياً وَمُقْتَضِياً فَدَخَلَ الْجَنَّةَ »
إخوة الإسلام
خلق التسامح : من أسمى الصفات والأخلاق التي أمرنا بها الله عزّ وجلّ ورسولنا الكريم، فالتسامح هو العفو عند المقدرة ،وهو التجاوز عن أخطاء الآخرين، ووضع الأعذار لهم، والنظر إلى مزاياهم وحسناتهم ،بدلاً من التركيز على عيوبهم وأخطائهم،
والتسامح : هو عدم رد الإساءة بالإساءة ،والتساهل والتهاون والليّن ،والتحليّ بالحلم والأخلاق الإنسانية الطيبة، ولا تقدر على التسامح إلا النفوس المؤمنة والمتواضعة ،والتي تسعى لرضا الله ورسوله ومحبة الناس، ولا تعني مسامحة الآخرين ضعف بالموقف أو الحيّلة ،بل هي من ركائز القوة ،ورقيّ أخلاق المسلم بصفحه ونسيانه وعدم الانتقام لزلاّت وأذى من حوله ،تاركاً حقه لعدالة الله ،وإيمانه برحمته ونصرته، قال الله تعالى: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ} الأعراف 199،،
فالتسامح : يعني الترفع عن الصغائر؛ والسمو بالنفس إلى مرتبة أخلاقية عالية؛ فهو مفهوم أخلاقي اجتماعي؛ دعا إليه كافة الرسل والأنبياء والمصلحين ؛لما له من أهمية كبرى في تحقيق وحدة وتماسك المجتمعات؛ والقضاء على الخلافات بين الأفراد والجماعات، والتسامح في الإسلام يعني نسيان إساءة الماضي بكامل إرادتنا، وهو أيضًا يعني التخلي عن رغبتنا في إيقاع الأذى بالآخرين لأي سبب قد حدث في الماضي،
أيها المسلمون
وهذه الأحاديث التي هي بين أيدينا اليوم ،فهي وإن تعددت رواياتها ،وألفاظها وعباراتها ،إلا أن جميعها يدعونا إلى التسامح ،وبيان جزاء المتسامحين ،ويحثنا فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على أن نكون سمحين في البيع ،وذلك بأن يكون البائع سمحا :فيكون قانعاً في السعر ،ولا يشتط بطلب أكثر منها ،ويرضى بالربح القليل ،ولا يغش ولا يخادع ولا يحلف ولا يضاجر،
ومسامحة المشتري : أن لا يشتد في المماكسة والمساومة ،ولا يضجر البائع بالمطالب ،ولا يشغله عن حوائجه، ثم يعجل دفع الثمن ولا يماطل إذا حل الأجل ، فالتسامح من أخلاق التجار الصالحين ،والمشترين المؤمنين ،والمتداينين الخيرين، فالحب يظهر في التعامل ،والتراحم يبدو أن المال ليس هو الأصل في علاقتنا، إنما الأصل هو الأخوة بين المسلمين ،
والتسامح يستحب مع غير المسلمين، ويكون هذا من باب الدعوة إلى الله، وكم اهتدى رجل حينما وجد أخلاق المسلمين في التبايع والتعامل والتسامح ،
وأنظروا -إخوة الإسلام- كيف أصبح حالنا حينما افتقدنا خلق التسامح ،وتخلينا عن مبادئ الاسلام ،لقد أصبح في النفوس ضيق، وفي الصدور حرج، وفي المعاملة غلظة، وفي الألفاظ شدة، فالحياة لا تكاد ترى فيها الابتسامة على الشفاه، ولا تدخل السعادة إلى القلوب، ولا يحل اللطف والأنس بين الناس في المعاملة ،فكم هي الصلات منقطعة؟ ،وكم هي العلاقات متوترة؟ ،وكم هي النفوس منقبضة؟ ،وكم نحن في حاجة إلى ما يرطب القلوب وينديها ،وإلى ما يطيب النفوس ويزكيها؟، نعم ، فنحن محتاجون إلى ما يعيد البسمة إلى شفاهنا، والكلمات الطيبة الحسنة لتدرج مرة أخرى على ألسنتنا، ونحن في حاجة أن يظللنا التسامح في حياتنا ،في بيوتنا ،في معاملنا ومدارسنا ،في أسواقنا ومتاجرنا ومصانعنا، نعم تظلنا ظلال المحبة الوارثة، والأخوة الصادقة، والمعاملة الحسنة،
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى »، وهذا يدلنا على سمت متصل ،بمعنى أن هذه السماحة (وهي لطف المعاملة وحسن المطالبة ولين الجانب) ،أنه مضطرد في كل الأحوال (إذا باع أو إذا اشترى أو إذا اقتضى) بل إن ذلك واضح فيما رواه أحمد في مسنده :« كَانَ رَجُلٌ سَمْحاً بَائِعاً وَمُبْتَاعاً وَقَاضِياً وَمُقْتَضِياً فَدَخَلَ الْجَنَّةَ »، فكأن حسن المعاملة بهذه السماحة هو عربون من عرابين الجنة ،بل مثل هذه المعاملة كما أخبرنا رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم – وهو يذكر لنا المقامات الرفيعة والعالية في الجنة بصحبته ورفقته فيقول صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم إلا أحبكم إلي وأقربكم مني مجالساً يوم القيامة قالوا بلى يا رسول الله، قال: أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون) رواه الطبراني.
أيها المسلمون
إن الإسلام هو دين الفطرة، دين الحنيفية السمحة، دين التسامح والمحبة والأخلاق العظيمة ، والتسامح خلق الإسلام منذ أن خَلَق الله الأرض ومن عليها، وبعث الأنبياء والرسل، فكانت رسالة السماء تُسمّى بالحنيفية السمحة ،كدليل على التسامح والتواصل والمحبة ،وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاملاً هذه الرسالة العظيمة ،وقد جسّد هذا الخُلُق في مفاهيم عملية ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إشاعة جو التسامح والسلام بين المسلمين، وبينهم وبين غيرهم من الأمم، واعتبر ذلك من مكارم الأخلاق، فكان في تعامله مع المسلمين متسامحاً حتى قال الله تعالى فيه: ” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ” (التوبة:128)، وكان مع غير المسلمين ينطلق من هذا المبدأ العظيم ليكرّس قاعدة التواصل والتعاون والتعارف بين الناس، ولتكون العلاقة الطيبة الأساس الذي تُبنى عليه علاقات ومصالح الأمم والشعوب، وحتى مع أعدائه الذين ناصبوه العداء كان متسامحاً إلى حد العفو عن أسراهم واللطف بهم والإحسان إليهم.
وكأمة مسلمة، آمنت بربها واهتدت بهدي نبيها، مطالبون أن نعمّم ثقافة التسامح والتواصل، فثقافة التسامح تشكّل صمام الأمان لعالم مطمئن ومزدهر ومتقدّم، كما تشكّل الأساس المتين لعلاقات طيبة على مستوى الأفراد والمجتمعات، لذا من واجب الجميع العمل على نشر قيم وفضائل التسامح حتى تصير ثقافة عامة، فنعيش في عالم مطمئن ومتقدم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ سَهْلاً إِذَا بَاعَ سَهْلاً إِذَا اشْتَرَى سَهْلاً إِذَا اقْتَضَى)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما الإصرار على رفضِ التسامحِ والصفحِ، فهو إصرارٌ على إلحاقِ الأذى بالنفسِ قبلَ الآخرينَ، فالأشخاص الذينَ يرفضونَ العفوَ والصفحَ، وهمْ قادرونَ على إنفاذهِ، قدْ يعتقدونَ أنهمْ بذلكَ يعاقبونَ غيرهمْ ويؤدبونهمْ، لكنْ لمْ يعلموا أنهمْ همُ الذينَ يدفعونَ الثمنَ، لعدمِ قدرتهمْ على العفوِ والصفحِ، تمامًا كالذي يحتسي السمَّ ويظنُّ أنهُ يؤذي بهِ غيرهُ ،فقدْ ثبتَ طبيًّا أنَّ العفوَ والصفحَ وتجاوزَ المواقفِ المؤلمةِ يقي الإنسانَ – بإذنِ اللهِ – منَ العديدِ منَ الأمراضِ الخطيرةِ كأمراضِ القلبِ، وارتفاعِ ضغطِ الدمِ، والقلقِ والتوترِ النفسيِّ، والشيخوخةِ المبكرةِ وغيرها منَ الأمراضِ، كما أثبتتِ الدراساتُ – أيضًا – أنَّ العفوَ يقوي جهازَ المناعةِ لدى الإنسانِ وهوَ علاجٌ قويٌّ لعلاجِ كثيرٍ منَ الأمراضِ- بإذنِ اللهِ تعالى ، واتضحَ – كذلكَ – أنَّ هناكَ علاقةٌ وثيقةٌ بينَ التسامحِ والعفوِ منْ جهةٍ، والسعادةِ والرضا منْ جهةٍ ثانيةٍ، فلوْ أخذَ الناسُ بالعفوِ لحافظوا على صحتهمْ وأنفسهمْ وأعصابهمْ ،ولكانوا في غنًى عنْ كثيرٍ منَ الأمراضِ العصبيةِ والنفسيةِ وأمراضِ القلوبِ منَ الغلِّ والحقدِ والحسدِ، ولكانَ المجتمعُ في غنًى عنْ كثيرٍ منَ القضايا التي ترهقُ القضاءَ وتزعجُ الجهاتِ الأمنيةَ وتكلفُ الدولَ أموالًا طائلةً ، ولهذا فقد كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يسألُ اللهَ دائمًا العفوَ والعافيةَ فقدْ ثبتَ عنهُ أنهُ قالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي»
الدعاء