خطبة عن (الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ)
أكتوبر 11, 2023خطبة عن (عودة الإسلام والمسلمين)
أكتوبر 12, 2023الخطبة الأولى ( وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (56) ،(57) يوسف ،وقال الله تعالى : (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (41) ،(42) النحل
إخوة الإسلام
لقد وعد الله تعالى المؤمن الذي يعمل الصالحات بالثواب العاجل في الدنيا ، مع ما ينتظره من الثواب الأعظم في الآخرة ، فقال الله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل:97 ،قال ابن القيم : (فضمن الله تعالى لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة ،والحسنى يوم القيامة) ،والمؤمن الكيس الفطن يفضل أجر الآخرة على أجر الدنيا ،وثواب الآخرة على ثواب الدنيا ،لأن أجر الآخرة أكبر وأعظم وأدوم وأمتع ،قال الله تعالى : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يوسف(56) ،قال القرطبي في تفسيره :(أي ما نعطيه في الآخرة خير وأكثر مما أعطيناه في الدنيا ; لأن أجر الآخرة دائم ، وأجر الدنيا ينقطع );
وفي سنن ابن ماجه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنَ الْكُفَّارِ فَيُقَالُ اغْمِسُوهُ فِي النَّارِ غَمْسَةً. فَيُغْمَسُ فِيهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ أَيْ فُلاَنُ هَلْ أَصَابَكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ مَا أَصَابَنِي نَعِيمٌ قَطُّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرًّا وَبَلاَءً. فَيُقَالُ اغْمِسُوهُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ. فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً فَيُقَالُ لَهُ أَيْ فُلاَنُ هَلْ أَصَابَكَ ضُرٌّ قَطُّ أَوْ بَلاَءٌ فَيَقُولُ مَا أَصَابَنِي قَطُّ ضُرٌّ وَلاَ بَلاَءٌ ».
وفي سنن الترمذي 🙁 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَرَوْحَةٌ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لَغَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا » ، وفي صحيح البخاري : (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ – يَعْنِى سَوْطَهُ – خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا » ،
أيها المسلمون
فالمسلم في هذه الحياة الدنيا له هدف عظيم ،وغاية كبيرة ،يسعى إليها في كل أعماله وأقواله وتصرفاته ،فرضا الله تعالى والجنة هي الهدف الأسمى لكل مسلم ،وهذه الحقيقة تحتم على كل مسلم أن ينظر إلى حياته نظرة راغب فيما عند الله ،وأن يجعل من دنياه مزرعة لآخرته ، قال الله تعالى ( قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } النساء 77،
وقال الله تعالى :{ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } الانعام 32، والله سبحانه اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم ما هو خير وأبقى ،فقال الله تعالى :{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى} الضحى 4، فثواب الآخرة عند الله أعظم من ثواب الدنيا ،لأهل الإيمان والتقوى ،الذين يخافون عقاب الله، ويطيعونه في أمره ونهيه،
ولكن ليس معنى هذا أن يحرم المؤمن على نفسه متاع الدنيا ،وأجر الدنيا ،ولكن المقصود أن يؤثر الآخرة على الدنيا ،وأن يقدم أجر الآخرة على أجر الدنيا ،وأن يطلب أجر الآخرة قبل أجر الدنيا ،فإذا رزقه الله أجرا في الدنيا فهذا أجر مقدم ،وثواب ونعيم معجل ،ورزق من الله تعالى ، فلا حرج على المسلم في أن يتنعم في الدنيا بالمباحات والطيبات ،إذا أدى شكرها ،ولم يسرف فيها ،فإن الله تعالى أباح الطيبات للمسلمين في حياتهم الدنيا ،ومن بها عليهم في دار القرار يوم القيامة ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة: 172 ،وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) المائدة: 87، 88 ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم :(لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنْ اتَّقَى اللهَ ، وَالصِّحَّةُ لِمَنْ اتَّقَى اللهَ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى ، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النِّعَمِ) رواه أحمد ، وصححه الألباني في ” الصحيحة “ ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه : (يَا عَمْرُو نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ) رواه أحمد ،وقال صلى الله عليه وسلم : (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) رواه البخاري ومسلم، فالغني إذا أدى حق الله تعالى، وحق الناس، ولم يسرف ولم يبذر، وأنفق في سبيل الله، كان غناه نعمة وخيرا له.
أيها المسلمون
أما ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، قوله: ” لا يصيب أحد من الدنيا إلا نقص من درجاته عند الله تعالى، وإن كان عليه كريما” صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.، فهذا يحمل على من يصيب من الدنيا بغير حق، أو من لا يؤدي شكر ما أخذ منها ،وأما الغني الشاكر، فلا ينقص أجره إذا تمتع بما أنعم الله عليه ،ويدل على ذلك ظواهر النصوص التي علقت الفضل على التقوى، ومدحت الغنى ولم تذمه، وما كان عليه حال كثير من الأنبياء والصحابة والصالحين، من الغنى والتمتع بالطيبات ،وقد بحث العلماء في مسألة أيهما أفضل: الغني الشاكر ،أم الفقير الصابر، فلو كان مجرد الإصابة من الدنيا تنقص أجر الآخرة، كان الفقير أفضل من غير شك، ولكن الأمر ليس كذلك ،بل عند التحقيق هما متساويان، وأفضلهما أتقاهما ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” وقد تنازع الناس أيما أفضل: الفقير الصابر أو الغني الشاكر؟ ،والصحيح: أن أفضلهما أتقاهما؛ فإن استويا في التقوى ،استويا في الدرجة ،وقد كان في الأنبياء والسابقين الأولين من الأغنياء من هو أفضل من أكثر الفقراء، وكان فيهم من الفقراء من هو أفضل من أكثر الأغنياء، والكاملون يقومون بالمقامين، فيقومون بالشكر والصبر على التمام، كحال نبينا صلى الله عليه وسلم ،وحال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن قد يكون الفقر لبعض الناس أنفع من الغنى، والغنى أنفع لآخرين، كما تكون الصحة لبعضهم أنفع، كما في الحديث الذي رواه البغوي وغيره : (إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى. ولو أفقرته لأفسده ذلك. وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر. ولو أغنيته لأفسده ذلك. وإن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم. ولو أصححته لأفسده ذلك إني أدبر عبادي إني بهم خبير بصير) .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقال ابن القيم رحمه الله: ” وأكمل الناس لذة : من جمع له بين لذة القلب والروح ، ولذة البدن، فهو يتناول لذاته المباحة ،على وجه لا ينقص حظه من الدار والآخرة، ولا يقطع عليه لذة المعرفة والمحبة والأنس بربه، فهذا ممن قال تعالى فيه: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الاعراف (32) ، وأبخسهم حظا من اللذة : من تناولها على وجه يحول بينه وبين لذات الآخرة، فيكون ممن يقال لهم يوم استيفاء اللذات: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) الاحقاف 20، فهؤلاء تمتعوا بالطيبات، وأولئك تمتعوا بالطيبات، وافترقوا في وجه التمتع ؛ فأولئك تمتعوا بها على الوجه الذي أُذِن لهم فيه، فجمع لهم بين لذة الدنيا والآخرة، وهؤلاء تمتعوا بها على الوجه الذي دعاهم إليه الهوى والشهوة، وسواء أذن لهم فيه أم لا، فانقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتتهم لذة الآخرة، فلا لذة الدنيا دامت لهم ، ولا لذة الآخرة حصلت لهم.
فمن أحب اللذة ودوامها والعيش الطيب، فليجعل لذة الدنيا موصلا له إلى لذة الآخرة، بأن يستعين بها على فراغ قلبه لله وإرادته وعبادته، فيتناولها بحكم الاستعانة والقوة على طلبه، لا بحكم مجرد الشهوة والهوى”، وصدق الله العظيم ،إذ يقول في كتابه العزيز : (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (56) ،(57) يوسف ،وقال الله تعالى : (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (41) ،(42) النحل
الدعاء