خطبة عن (الناس والحساب)
أبريل 28, 2023خطبة عن أحوال أهل القبور وحديث (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ)
أبريل 29, 2023الخطبة الأولى ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (26)، (27) الرحمن ،وقال الله تعالى 🙁فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) (77) ،(78) الرحمن
إخوة الإسلام
الله سبحانه هو « ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ »، والمنفرد بصفات الجلال والكمال والعظمة، والمختص بالإكرام والكرامة، فله كل جلال، ومنه كل كرامة، وله الجلال في ذاته، والإكرام فيض منه على خلقه، وإكرامه لهم بالعطايا والمنح والآلاء لا يحصى ولا يعد، فهو الجدير بالإكرام من خلقه، تعظيما لجلاله، وعرفانا بفضله وإكرامه، وتقديرا لنعمه وإحسانه ،
وهذا الاسم من أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى ورد ذكره في القرآن الكريم مرتين في سورة الرحمن ، في قوله تعالى: « وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ »، «الرحمن: 27»، وقوله: « تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ »، «الرحمن: 78»، وجاء ذكره في السُنة النبوية المطهرة ، فقد روى الامام مسلم في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلاَّ مِقْدَارَ مَا يَقُولُ « اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ». وَفِى رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ « يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ».، وفيه أيضا : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ « اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ».، وفي مسند الامام أحمد : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنْتُ جَالِساً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَلْقَةِ وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّى فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ دَعَا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَتَدْرُونَ بِمَا دَعَا ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِى إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى »،
ويقول العلماء : إن الله ذو الجلال والإكرام، أي ذو العظمة والكبرياء، والرحمة والجود، يكرم من أطاعه، ويرفع درجاتهم وذكرهم، والله تعالى هو المستحق لأن يجل ويعظم وحده، والذي له الجلال والكمال، وقال ابن كثير: (وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية بأنه ذو الجلال والإكرام، أي هو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يطاع فلا يخالف)، وقال ابن عباس : « ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ » ذو العظمة والكبرياء ، فهو الله – جل وعلا – صاحب الجلالة المطلقة ،والكمال المطلق، ولا شرف ولا مجد ولا عز ولا قوة إلا وهي له وبه ومنه، ولا كرامة ولا فضل ولا نعمة ولا إحسان إلا وهي من مدده جل جلاله، فالجلال في ذاته، والكرامة منه لخلقه، كل أفعاله تجاه خلقه إكرام ظاهر جلي، أو باطن خفي، فهو -جل جلاله- له جلال يدك الجبال، وكرم عجيب يفتح باب القبول والوصال،
وقال بعض العارفين(ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) إنه اسم الله الأعظم، ولا ينال العبد المؤمن المعرفة إلا إذا عرف ذا الجلال والإكرام، لأنه اسم جمع بين الرغبة والرهبة، والرجاء والخوف، فالقدرة والتنزيه بمعنى الجلال، والكمال والاحسان بمعنى الاكرام ، وقال الامام السعدي -رحمه الله تعالى-، « ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ : أي ذو العظمة، والكبرياء، وذو الرحمة والجود، والإحسان العام، والخاص، المكرم لأوليائه، وأصفيائه الذين يجلونه ويعظمونه ويحبونه».
أيها المسلمون
ومعنى « تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ » يعني : أن الله يتصف بكل صفات القوة والعظمة والجبروت، وكل صفات الإكرام والرأفة والرحمة، فكأن هذا الاسم المركب من اسمين(الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) جمع الأسماء الحسنى كلها من زاوية القوة وزاوية الإكرام ، فهذا الاسم المركب من اسمين يوحي بأن أسماء الله صنفان، صنف يشير إلى كمال قدرته وقهره وجبروته، وصنف يشير إلى كمالاته، فكل الأسماء المتعلقة بالقوة يمثلها اسم الجلال، وكل أسمائه المتعلقة بكمالاته، وإكرامه وإحسانه ورحمته ولطفه ورأفته، يمثلها اسم الإكرام ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكذلك أسماؤه المضافة مثل أرحم الراحمين، وخير الغافرين، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب، وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة، وثبت في الدعاء بها بإجماع المسلمين، وإذا كان مستحقا للإجلال والإكرام لزم أن يكون متصفا في نفسه بما يوجب ذلك، والعباد لا يحصون ثناء عليه، وهو كما أثنى على نفسه، كذلك هو أهل أن يجل وأن يكرم وهو سبحانه يجل نفسه ويكرم نفسه والعباد لا يحصون إجلاله وإكرامه) .
أما الإمام القشيري فيذكر أن جلال الله منزه عن الأنصار والأعوان، لأنه ذو جلال بذاته من دون سبب منفصل عنه، جلاله يعني الرفعة والعزة والعلو والإكرام، كما قال الإمام الرازي، قريب من الإنعام، إلا أنه أخص منه، لأن الله سبحانه وتعالى قد ينعم على من لا يكرِّم، فهو سبحانه لا يحب الكافرين لكن يمنحهم المال والصحة، والأولاد والبيوت، والمتع والسيارات والمباهج، فكل هذا إنعام وليس إكراما، لكنه جل جلاله يكرم المؤمنين. فكل إكرام إنعام، ولكن ليس كل إنعام إكراما.
أيها المسلمون
وأما أَثَرُ الإيمان باسمه تعالى : (ذو الجلال والإكرام ) أولا : أن يؤمن المسلم بأن الله تعالى – مُستحقٌّ أن يُجَلَّ ويُعَظَّمَ ويُكْرَمَ؛ فلا يُجحد ولا يُكفر به ، وقد حَثَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه على الإكثار من الدُّعاء بهذا الاسم ، ففي مسند أحمد 🙁 عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجِلاَلِ وَالإِكْرَامِ » ؛ والإلظاظُ في اللغة الملازَمةُ له والمثابَرةُ عليه والإكثارُ منه؛ حتى يستمدَّ القلبُ (جلالَ الله)، ويُقرَّ في النَّفْس تعظيمَه وهيبتَه؛ فيُكرمه الله ببرِّه ونعمه وفضله دنيا وآخرة ، وروي أيضًا أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يدعو : «اللهمَّ إنِّي أَسألكَ بأَنَّ لكَ الحمدَ لا إلَهَ إلا أنتَ المنَّانُ بَديعُ السماوات والأرض يَا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم» فقال صلى الله عليه وسلم : «دعا اللهَ باسمه الأعْظم الذي إذا دُعي به أجَابَ وإذا سُئل به أعطى» (الترمذي) ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال : «اللهمَّ أنتَ السلامُ وَمنكَ السَّلامُ تَباركْتَ يَا ذَا الجلالِ وَالإكرامِ» (مسلم) .
ثانيا : أن الله تعالى – كَرَّمَ خَلْقَه وهو يشركهم في جلاله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : «إنَّ مِنْ إجلال الله إكرامَ ذي الشَّيْبَة المسلم وحامل الْقُرْآن غَيْر الغالي فيه والجافي عنهُ، وإكرام ذي السُّلْطان المقسط» (أبو داود ، حسَّنه الألباني) .
ثالثا : أن جلالةُ الله تكسو من يُعَظِّمُها جلالةً ونورًا حتى تجعلَه على منابر من نور يَغْبطه عليها الأنبياء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : «قَالَ اللهُ عز وجلَّ : المتحابُّونَ في جَلالي لَهُمْ مَنَابرُ مِنْ نُور يَغْبطُهُمُ النَّبيُّون والشُّهَداءُ» (الترمذي) ؛ المتحابُّون في جلالي : أي لأجل إجلالي و تعظيمي؛ وهو حُبٌّ في ذات الله وجهته لا يَشُوبه الرِّياءُ والهَوَى .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والمتأمل والمتدبر للآيتين ،قوله تعالى : (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (27) الرحمن ، وقول الله تعالى : (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (78) الرحمن ، يجد في أحدهما : أنه سبحانه وتعالى لما ختم نعم الدنيا بقوله تعالى 🙁وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) وختم نعم الآخرة بقوله : (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) إشارة إلى أن الباقي والدائم لذاته هو الله تعالى لا غير والدنيا فانية ، والآخرة إن كانت باقية لكن بقاؤها بإبقاء الله تعالى . وقوله تعالى بعد ذكر نعم الدنيا : (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ) وقوله تعالى بعد ذكر نعم الآخرة : (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) فيه الإشارة بعد عد نعم الدنيا وقعت إلى عدم كل شيء من الممكنات وفنائها في ذواتها ، واسم الله تعالى ينفع الذاكرين ولا ذاكر هناك يوحد الله غاية التوحيد فقال : ويبقى وجه الله تعالى والإشارة هنا وقعت إلى أن بقاء أهل الجنة بإبقاء الله ذاكرين اسم الله متلذذين به فقال : (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) أي في ذلك اليوم لا يبقى اسم أحد إلا اسم الله تعالى به تدور الألسن ولا يكون لأحد عند أحد حاجة بذكره ولا من أحد خوف ، فإن تذاكروا تذاكروا باسم الله . و(تَبَارَكَ) ، فيه إشارة إلى معنى بليغ ، أما إذا قلنا : تبارك بمعنى علا فمن علا اسمه كيف يكون مسماه ! وذلك لأن الملك إذا عظم شأنه لا يذكر اسمه إلا بنوع تعظيم ثم إذا انتهى الذاكر إليه يكون تعظيمه له أكثر ، فإن غاية التعظيم للاسم أن السامع إذا سمعه قام كما جرت عادة الملوك أنهم إذا سمعوا في الرسائل اسم سلطان عظيم يقومون عند سماع اسمه ، ثم إن أتاهم السلطان بنفسه بدلا عن كتابه الذي فيه اسمه يستقبلونه ويضعون الجباه على الأرض بين يديه ، وهذا من الدلائل الظاهرة على أن علو الاسم يدل على علو زائد في المسمى ، أما إن قلنا : بمعنى دام الخير عنده فهو إشارة إلى أن ذكر اسم الله تعالى يزيل الشر ويهرب الشيطان ، ويزيد الخير ويقرب السعادات ، وأما إن قلنا : بمعنى دام اسم الله ، فهو إشارة إلى دوام الذاكرين في الجنة على ما قلنا من قبل .
والدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (ذي الجلال والإكْرامِ): ومعناه: المستحِقُّ للأمرِ والنَّهي؛ فإنَّ جَلالَ الواحدِ فيما بَيْنَ النَّاسِ إنما يظهرُ بأَنْ يكونَ له على غيره أمرٌ نافذٌ لا يجدُ مِن طاعتهِ فيه بُدًّا، فإذا كان مِن حقِّ الباري، جَلَّ ثناؤهُ، على مَنْ أبدعَهُ أن يكون أمرُهُ عليه نافِذًا، وطاعتُه لازِمةً، وجبَ اسمُ الجليل حقًّا، وكان لِمَنْ عرَفه أن يدْعوَه بهذا الاسمِ، وبما يجري مَجْراه، ويؤدي معناه. قال ابن سليمان: «وهو مِنَ الجلالِ والعظَمةِ، ومعناه مُنصَرفٌ إلى جلالِ القَدْرِ، وعِظَمِ الشَّأْنِ، فهو الجليلُ الذي يَصغرُ دونه كلُّ جليلٍ، ويَتَّضِعُ معه كلُّ رفيعٍ»
وقال فِي المَقْصِد: «﴿ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾: هو الذي لا جَلالَ ولا كمالَ إلا وهو له، ولا كرامةَ ولا مَكْرُمةَ إلا وهي صادِرَةٌ منه. فالجلالُ له فِي ذاتِهِ، والكرامَةُ فائضةٌ منه على خَلْقه، وفنونُ إكرامِهِ خلقَهُ لا تكادُ تنحصِرُ وتتناهى، وعليه دلَّ قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]»، وأسماء الله تبارك وتعالى كثيرة البركة، فبها تستفاد الخيرات، إذ بها يدعى سبحانه فيجيب، ويُستعان فيعين، ويُستغاث فيغيث، ويُستغفر فيغفر، وبه يُوحَّد ويُمجَّد ويُحمَد ويُسبَّح،
الدعاء