خطبة عن التحذير من المبالغة في المدح والاطراء وحديث (لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ)
يوليو 25, 2023خطبة عن حديث (وَلَكُمُ الْجَنَّةُ)
يوليو 29, 2023الخطبة الأولى (عاشوراء وشكر المنعم)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى تَصُومُونَهُ » فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ». فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ). وفي صحيح مسلم: (قال صلى الله عليه وسلم : (وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ».
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الشريف بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكمة من صيام يوم عاشوراء، بقوله: (فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لله)، فمن نعم الله تعالى علينا أن يصيبنا بالنفع والخير، من سعة في الرزق، أو صحة في بدن، أو زوجة صالحة، أو يهب لنا الأولاد والذرية، ومن نعمه أيضا أن يدفع عنا الضر، فيشفينا من الأمراض والأوجاع، أو ينجينا من الأعداء، أو يسلمنا من الحوادث، ومن الحشرات المؤذية، والحيوانات المفترسة، أو يصرف عنا الهموم والأحزان، أو يكشف عنا الكروب والمصائب، وهكذا.
وواجب على العبد المسلم أن يشكر الله تعالى في كلا الحالتين، في جلب ما ينفع، أو دفع ما يضر، ولذلك لما نجي الله تعالى موسى وقومه من الغرق، ونجاهم من فرعون، وأهلكه بالغرق، صام موسى وقومه هذا اليوم شكرا لله تعالى على هذه النعمة، بل وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم نحن المسلمين هذا اليوم شكرا لله أن نجى موسى وقومه، وقد قال الله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) البقرة/ 152. والمسلم دائم الطلب من ربِّه تعالى أن يعينه على شكره تعالى. فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ : (يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) رواه أبو داود .
ونحن -المسلمين- شُرع لنا سجود الشكر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فسجود الشكر مشروع عند تجدد نعمة، أو اندفاع نقمة، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شُكْرًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى). وفي سنن أبي داود بسند فيه ضعف: (عَنْ سَعْدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِن مَكَّةَ نُرِيدُ المَدِينَةَ، فَلَمَّا كُنَّا قَرِيبًا مِن عَزْوَراءَ نَزَلَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فدعَا اللَّه سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا، فَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ قامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ساعَةً، ثُمَّ خَرَّ ساجِدًا فَعَلَهُ ثَلاثًا وَقَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي، وَشَفَعْتُ لأُمَّتِي، فَأَعْطَاني ثُلُثَ أُمَّتي، فَخَررتُ سَاجِدًا لِرَبِّي شُكرًا، ثُمَّ رَفعْتُ رَأْسِي، فَسَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتي، فَأَعْطَانِي ثُلثَ أُمَّتي، فَخررْتُ سَاجِدًا لربِّي شُكرًا، ثمَّ رَفعْت رَأسِي فَسَألتُ رَبِّي لأُمَّتي، فَأعطاني الثُّلُثَ الآخَرَ، فَخَرَرتُ ساجِدا لِرَبِّي)، وفي سنن البيهقي: (عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ، قال فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْقَوْمِ خَرَجُوا إِلَيْنَا فَصَلَّى بِنَا عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَفَّنَا صَفًّا وَاحِدًا ، ثُمَّ تَقَدَّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْلَمَتْ هَمْدَانُ جَمِيعًا فَكَتَبَ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِإِسْلاَمِهِمْ، فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْكِتَابَ خَرَّ سَاجِدًا)، وهذا كعب بن مالك لَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَرَّ سَاجِدًا لله. ولما جاء الخبر بمقتل مسيلمة الكذاب في عهد الصديق أبي بكر الصديق سجد لله شكرًا أن خلصهم من هذا الكذاب الذي ادعى النبوة. وهكذا يشكر المؤمن ربه عند تجدد النعمة، أو اندفاع النقمة،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (عاشوراء وشكر الله)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم (7) ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا). رواه مسلم، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا). رواه البخاري ومسلم
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (العبد دائمًا بين نعمة من الله تحتاج إلى شكر، وذنب يحتاج فيه إلى استغفار) وقال: (الشكر لله يكون بالقلب خضوعاً واستكانةً، وباللسان: ثناءً واعترافاً، وبالجوارح طاعةً وانقياداً) “مدارج السالكين”
الدعاء