الخطبة الأولى (الليلة المباركة) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (4) الدخان
إخوة الإسلام
في ليلة القدر تقدر مقادير الخلائق على مدار العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والسعداء والأشقياء، والآجال والأرزاق، {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (الدخان:4). وفي ليلة االقدر تفتح الأبواب، ويُسمع الخطاب، ويُستجاب الدعاء، ويتحقق الرجاء، فهي ليلة سلام وأمان، ونزول القرآن، قال ابن عباس: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد أخفى الله عز وجل علم تعييين ليلة القدر عن العباد، ليكثروا من العبادات، ويجتهدوا في العمل والطاعات، وهي ليلة وصْفها الله بأنها خير من ألف شهر، قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (3) القدر، وهي ليلة ووصفها الله بأنها ليلة مباركة، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) (3) الدخان
وهي ليلة تنزل فيها الملائكة، والروح، فتتنزل معهم البركة والرحمة، وهي ليلة يغفر الله تعالى فيها لمن قامها إيماناً واحتساباً، ففي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وفي هذا ترغيب للمسلم، وحث له على قيامها، وابتغاء وجه الله بذلك، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس هذه الليلة ويتحراها، وأمرنا بذلك، ففي صحيح البخاري: (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»، وفي رواية «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ »
وهي في السبع الأواخر أرجى من غيرها، (فعَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الليلة المباركة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فعلى الراغبين في تحصيل هذه الليلة المباركة الاجتهاد في هذه الليالي والأيام، وأن يتعرَّضوا لنفحات الرب الكريم المنان، عسى أن تصيبكم نفحة من نفحاته لا يشقى العبد بعدها أبداً. فإن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا.
وإذا كان دعاء ليلة القدر مقبولا ومسموعا ومستجابا، فعلى العبد أن يكثر من الدعاء والتضرع وسؤال خير الدنيا والآخرة، وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو قَالَ « تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى ».
فاستدركوا في آخر شهركم ما فاتكم من أوله، وأحسنوا خاتمته، فإنما الأعمال بالخواتيم، ففي صحيح لبخاري: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ ذَلِكَ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ»
فأروا الله من أنفسكم الجد والاجتهاد في تحري الخير في هذا الثلث الأخير، واغتنموا ما فيه من الخير الوفير، وتعرضوا لنفحات الغفور الرحيم، فإن المغبون حقا من صرف عن طاعة الرب، والمحروم من حرم العفو، والمأسوف عليه من فاتته نفحات الشهر، ومن خاب رجاؤه في ليلة القدر.
الدعاء