خطبة عن :إياكم أن تُفتنوا بقوة الكافرين، وقوله تعالى: (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ )
فبراير 22, 2021خطبة حول قوله تعالى ( قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ )
فبراير 27, 2021الخطبة الأولى ( دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ .. وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام البخاري في صحيحه : (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ ،فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ،ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ،ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ،ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ ،ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ،ثُمَّ رَفَعَ ،ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ،ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ،ثُمَّ رَفَعَ ،ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ «قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا ، وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ ،فَإِذَا امْرَأَةٌ – حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ – تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا ،لاَ أَطْعَمَتْهَا ،وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ» .قَالَ نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ «مِنْ خَشِيشِ أَوْ خُشَاشِ الأَرْضِ»
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذا الحديث النبوي الشريف ،نتدبره ،ونتفهم معانيه ، ونعمل -إن شاء الله- بما جاء فيه، وبداية تذكر لنا الصحابية الجليلة (أَسْمَاءُ بِنْت أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ، وهي صلاة تُصلَّى عند كسوفِ الشَّمسِ، وصِفةُ صلاتِها- كما وردَتْ في هذا الحديثِ- (أن تكونَ ركعتينِ، في كلِّ ركعةٍ ركوعانِ)، ففي هذا الحديثِ أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ أطال القيامَ والقراءةَ، ثمَّ ركَع فأطال الرُّكوع، ثمَّ قام فأطال القيام، ثمَّ ركع مرَّةً أخرى، فأطال الرُّكوعَ، ثمَّ سجَد سجدتينِ وأطال فيهما، وكذا فعَل في الرَّكعةِ الثَّانيةِ، فتكونُ الصَّلاةُ ركعتينِ، في كلِّ ركعةٍ ركوعانِ وسُجودانِ، والسُّنَّةُ الإطالةُ في القراءةِ والرُّكوعِ والسُّجود. والكسوف وإن كان ظاهرة طبيعية ،يمكن العلم به قبل وقوعه ،فإنه آية من آيات الله تعالى ،يخوف بها عباده ،وينذرهم ،فينظر من إليه ينيب, والكسوف قد يكون سببا من أسباب العذاب ،مثله مثل الزلازل والبراكين والفيضانات ،فهي وإن كانت ظواهر طبيعية ،ولها أسبابها المعروفة ، إلا أن فيها إنذار من الله لعباده ،حتى يرجعوا إليه ويطيعوه ،وقد كان المشركون في الجاهلية يعتقدون أن كسوف الشمس والقمر بسبب موت أحد من عظماء الناس أو لحياته, ولما كُسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم مات ابنه إبراهيم ،خشي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يظن الناس أن كسوفها لموت ابنه ،فخطبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين : (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، وَإِنَّهُمَا لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ،وَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ»، هذا وصلاة الكسوف سنة مؤكدة بالكتاب والسنة واتفاق المسلمين، قال ابن قدامة: (ويسن فعلها جماعة وفرادى) ،وتشرع في الحضر والسفر ،بإذن الإمام وغير إذنه ،وتشرع في حق النساء لأن عائشة واسماء صلتا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم ،ويسن أن ينادى لها :الصلاة جامعة، ولا يسن لها أذان ولا إقامة، والكسوف يطول زمانه تارة ويقصر أخرى ،بحسب ما يكسف منها ،فقد تكسف كلها ،وقد يكسف نصفها ،أو ثلثها ،فاذا عظم الكسوف طول الصلاة ،والحكمة من صلاة الكسوف متعددة الجوانب: أولاً: امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد أمرنا أن نفزع إلى الصلاة. ثانياً: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها. ثالثاً: التضرع إلى الله عز وجل؛ لأن هذا الكسوف، أو الخسوف يخوف الله به العباد من عقوبة انعقدت أسبابها، فيتضرع الناس لربهم عز وجل؛ لئلا تقع بهم هذه العقوبة التي أنذر الله الناس بها بواسطة الكسوف أو الخسوف.
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم :«قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا ، وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ) ،وبداية :فمما نعلمه أن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه قد رأى النار كما رأى الجنة في حياته، كما في هذا الحديث ،وفي الصحيحين عن عبد الله بن عباس في صلاة الخسوف 🙁قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ،رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ،ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ .قَالَ – صلى الله عليه وسلم – « إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ ،فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا ،وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ،وَأُرِيتُ النَّارَ ،فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ ..»، وفي مسند أحمد :(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَجَعَلَ يَنْفُخُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ إِنَّهُ مَدَّ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئاً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ «إِنَّ النَّارَ أُدْنِيَتْ مِنِّي حَتَّى نَفَخْتُ حَرَّهَا عَنْ وَجْهِي فَرَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ وَالَّذِي بَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَصَاحِبَةَ حِمْيَرَ صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ »، وفي صحيح مسلم ،قال صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلاَتِي هَذِهِ لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي. وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا ثُمَّ جِيءَ بِالْجَنَّةِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي مَقَامِي وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِى وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَفْعَلَ فَمَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلاَتِي هَذِهِ ».
أيها المسلمون
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم : (دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ)..فالجنة كما ورد في وصفها: فهي لا مثيل لها، هي نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة ناضجة, وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، فيها ما لا عين رأت ،ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفي مسند أحمد وغيره 🙁عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ « لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ولَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ مِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ حَصْبَاؤُهَا الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ وَتُرْبَتُهَا الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَخْلُدُ لاَ يَمُوتُ وَيَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ لاَ يَبْلَى شَبَابُهُمْ وَلاَ تُخَرَّقُ ثِيَابُهُمْ » ،وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) (12) :(22) الانسان
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ) : فالنار هي دار المعذبين ،والكافرون يبقون فيها خالدين، وفيها من صنوف العذاب الأليم ما لا يستطيع البشر تخيله، وفيها من أنواع الخزي ما لا يطيقه أحد، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا .إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا وكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء:168-169]. وأما عصاة الموحدين الذين لم يشركوا بالله تعالى ،ولكنهم ارتكبوا المعاصي والكبائر ،فهم تحت مشيئة الرحمن، إن شاء الله عذبهم، وإن شاء غفر لهم، وأنهم إن عُذِّبوا لا يخلّدون في النار، ويدخلون الجنة بعد ذلك، وهذا ما دلَّت عليه النصوص المتواترة من الكتاب والسنة، كقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء:48]. وينبغي على المسلم أن لا يأمَن على نفسه من النفاق أو من سوء الخاتمة،
وفي وصف النار وعذابها : قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ . قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:71-72]. ، وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [فاطر:36-37]، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم :(أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ .. وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم : (فَإِذَا امْرَأَةٌ – حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ – تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا ،لاَ أَطْعَمَتْهَا ،وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ»، فمن المؤكد لدينا أن المرأة هي منبع الحنان وموطن الرفق ،خلقها الله سبحانه وتعالى ،وجعل من عاطفتها الفيّاضة جزءاً لا يتجزّأ من تكوينها ، فتراها تنطلق من مشاعرها المرهفة وأحاسيسها الرقيقة ،لتحنو على من حولها وتغمره بهذه العاطفة ، ولكن ماذا لو نُزعت هذه الرحمة من قلب الأنثى ، وأجدبت فيها معاني الشفقة ،لتفقد إنسانيّتها وفطرتها وأبرز صفاتها ؟ ،وكيف يكون الحال إذا وجدت القسوة طريقها إلى نفسها لتدفعها إلى الإضرار والإفساد والتعذيب ،في خلق معوج وسلوك منحرف ؟، فمما لا شكّ فيه أن النتائج ستختلف ،والموازين ستنقلب ،والقيم ستتبدّل ، فإذا بنا نرى الرحمة على الآخرين تنقلب شدّة عليهم ،وإذا التوجّع من أصوات الأنين يحلّ محلّه الأنس بذلك الصوت والراحة لسماعه ،وهذا هو ما حدث مع هذه المرأة التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعذب في النار بسبب هذه الهرة، فقد جرت وقائعها أيّام الجاهليّة ،وهذه المرأة من “حمير ” كانت تملك هرّة ، فبدلاً من رعايتها والاعتناء بها ، وبدلاً من إطعامها والإحسان إليها ، إذا بها تحبسها وتمنعها من الخروج ،ومنعت عنها الطعام والشراب ،وظلّت الهرّة تعاني من الجوع والعطش أياما وليالي، حتى فارقت الحياة، والله سبحانه وتعالى حرّم الظلم على نفسه ،ولا يرضى وقوعه على أحد ، فكان عقابها الإلهيّ الذي رآه النبي- صلى الله عليه وسلم- أن الله سلّط عليها هرّة تجرحها بمخالبها مُقبلةً مُدبرة حتى يوم القيامة ،ثم يكون مصيرها نار جهنّم
وفي القصة تحذير من تعذيب الحيوانات وأذيّتها ، ودعوةٌ إلى الإحسان والرّحمة بالآخرين ، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلّق بالحيوانات ، والإسلام قائم على مبدأ الإحسان في معاملة الخالق والمخلوق ،وفي صحيح مسلم :(أن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ». وفيه أيضا :(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ »، فهذه القصة تبين أن الجزاء من جنس العمل ،فالمرأة عُوقبت بعد مماتها بهرّة تُعذّبها وتخدش جسدها ،وبهذا تكون القصّة قد جسّدت اهتمام الإسلام بالحيوانات والدعوة إلى الإحسان إليها ،وإعطائها حقوقاً في كلّ ما يجلب لها النفع أو يدفع عنها الضرّ ، وما يكفل لها العيش والحياة ،مما يثبت أسبقيّة هذا الدين العظيم لكلّ المنظمات الحقوقيّة المعنيّة بالحيوانات والرفق بها.
الدعاء