خطبة حول ( الإسلام ومبدأ المساواة بين الناس ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)
يناير 2, 2021خطبة عن حديث ( ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ )
يناير 9, 2021الخطبة الأولى: من السنن الربانية (سنة التداول) (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (138) : (140) آل عمران
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع مائدة القرآن الكريم ،نتدبر الآيات ،ونتفهم المعاني ، ونرتشف من رحيقها المختوم ،يقول العلامة السعدى في تفسيره لهذه الآيات: (ومن الحكم في ذلك: أن هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، فيداول الله الأيام بين الناس، يوم لهذه الطائفة، ويوم للطائفة الأخرى؛ لأن هذه الدار الدنيا منقضية فانية، وهذا بخلاف الدار الآخرة، فإنها خالصة للذين آمنوا{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} هذا أيضا من الحكم أنه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء، ليتبين المؤمن من المنافق؛ لأنه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع ،لدخل في الإسلام من لا يريده، فإذا حصل في بعض الوقائع بعض أنواع الابتلاء، تبين المؤمن حقيقة ،الذي يرغب في الإسلام، في الضراء والسراء، واليسر والعسر، ممن ليس كذلك. {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} وهذا أيضا من بعض الحكم، لأن الشهادة عند الله من أرفع المنازل ،ولا سبيل لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها، فهذا من رحمته بعباده المؤمنين، أن قيَّض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس، لينيلهم ما يحبون ،من المنازل العالية والنعيم المقيم، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الذين ظلموا أنفسهم، وتقاعدوا عن القتال في سبيله، وكأن في هذا تعريضا بذم المنافقين، وأنهم مبغضون لله، ولهذا ثبطهم عن القتال في سبيله).
أيها المسلمون
وفي قوله الله تعالى 🙁وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) يبين الله تعالى لنا فيه سنة من سنن الله في خلقه ،ألا وهي سنة التداول ،وهي مداولة الأيام بين الناس، من الشِّدَّة إلى الرَّخاء، ومن الرخاء إلى الشدة، ومن النصر إلى الهزيمة، ومن الهزيمة إلى النصر، فالله لا يَعْجَل لعجلة أحد، وهو الأعلم بأحوال خلقه، ولا أحد أغير على الحق وأهله ،ولا أرحم بالمستضعفين منه سبحانه وتعالى لكنها السنن. لقد هُزِم المسلمون وبينهم النبي صلى الله عليه وسلم قائد المعركة في أُحُد، عندما تخلَّى بعض الصحابة (رضوان الله عليهم جميعاً) عن بعض أسباب النصر، فكانت الهزيمة نتيجة عدم الأخذ بالأسباب ،ومخالفة السنن، إنها سُنَّة ربَّانية ،لا تتغير ولا تتبدل، لذلك كانت دروس الهزائم معالجة للأخطاء، فإذا ما عولجت الأخطاء عادت سنن النصر، وهذا ما حدث بالتحديد في اليوم التالي لغزوة أحد في حمراء الأسد ،قال الله تعالى :(الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله والرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ واتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 172).
هكذا عملنا القرآن الكريم أن “التداول” سنة من سنن الله في الاجتماع الإنساني وعبر تاريخ الأمم والحضارات 🙁وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) ،وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سنة التداول هذه هي التي جعلت وتجعل خط سير التاريخ يأخذ شكل “الدورات” ،فكما يتم التداول بين الليل والنهار ،كذلك يتم التداول بين العدل والجور ،وبين الصعود والهبوط ،وبين التقدم والتخلف، وبين النهوض والانحطاط ،وفي مسند أحمد : (عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَلْبَثُ الْجَوْرُ بَعْدِى إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى يَطْلُعَ فَكُلَّمَا طَلَعَ مِنَ الْجَوْرِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ الْعَدْلِ مِثْلُهُ حَتَّى يُولَدَ فِي الْجَوْرِ مَنْ لاَ يَعْرِفُ غَيْرَهُ ثُمَّ يَأْتِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ فَكُلَّمَا جَاءَ مِنَ الْعَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ الْجَوْرِ مِثْلُهُ حَتَّى يُولَدَ فِي الْعَدْلِ مَنْ لاَ يَعْرِفُ غَيْرَهُ »،
وإذا كان الحال كذلك مع سنة التداول ،فإن الهزيمة النفسية لا يجوز لها أن تعرف مكانا لها بين هذه الأمة ،التي تؤمن بهذه السنة ،مهما اشتدت المحن ،وطال الليل ،وتكاثفت الظلمات ، فإن هذه الأمة لا زالت تمتلك الجوامع الخمسة :(وحدة العقيدة ،ووحدة الشريعة ،ووحدة الحضارة ،ووحدة الأمة ،وتكامل دار الإسلام) ،وذلك فضلا عن الرصيد الحضاري الذي تعلمت منه الدنيا والذي جعل هذه الأمة “العالم الأول” على ظهر هذا الكوكب لأكثر من عشرة قرون ،بينما عمر الغرب كعالم أول لم يتجاوز قرنين من الزمان ،فإذا دعت هذه الأمة تاريخها في ظل سنة التداول ،وإذا أدركت أرصدتها الحضارية والمادية في ظل هذه السنة ،فإن الهزيمة النفسية التي هي أخطر تحديات واقعنا المعاصر ،لن تجد لها طريقا مفتوحا إلى عقول هذه الأمة وقلوبها ،صحيح أن سفينة هذه الأمة الإسلامية تناوشتها الأمواج العاصفة ،في محيط عالي ،وأعلنت الحرب على الإسلام وأمته وحضارته وعالمه ،لكن الوعي بعمل سنة (التداول) في التغيير والنهوض عبر التاريخ يقول لنا : إن النصر آت ، وأن الفتح قريب ، وأن العاقبة للمتقين ، وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ،قال الله تعالى : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (128) الاعراف ،وقال تعالى 🙁وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (171) :(173) الصافات
أيها المسلمون
وقد يسأل سائل : ما هي أسباب إدالة الكافرين على المسلمين ،وغلبة الكافرين على المسلمين اليوم ؟ ،والاجابة في كلمة واحدة ؛ وهي : (معصية المسلمين ربهم) ، فمتى عصى المسلمون ربهم ،وانتشرت بينهم المعاصي ،عاقبهم الله بذلك ، وأظهر عليهم الكافرين ،جزاء ما فعلوا ، وقد تبين من النصوص الشرعية ،أن المؤمنين منصورون غالبون قاهرون لعدوهم ،مهما كانت قوة العدو وعدده وعدته ، ومهما اختلت موازين القوى لصالح الكفار ؛ إذا كان المؤمنون صادقين عاملين بما يجب عليهم ، تاركين لما نُهوا عنه ، قد أخذوا من أسباب القوة ما كان في طاقاتهم ووسعهم ،ولم يقصّروا في امتلاك القوة التي يمكنهم امتلاكها ،وقد قال الله تعالى مبيناً ذلك :{كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة : 21) ،وقال سبحانه :{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ } (الصافات : 173) ، وقال تعالى :{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} (غافر : 51) ، وكان عمر – رضي الله عنه – يحذر جيوشه المنطلقة للقتال في سبيل الله من الوقوع في المعاصي ، ويقول لهم : «إن أهم أمركم عندي الصلاة»، ويبين ابن رواحة – رضي الله عنه – أن المسلمين لا ينتصرون على عدوهم بعدد أو عدة ،وإنما ينتصرون بطاعة المسلمين لله ،ومعصية الكافرين لله ،ويقول عندما استشاره زيد في لقاء الروم بعد أن جمعوا جموعاً كثيرة : « لسنا نقاتلهم بعدد ولا عدة ،والرأيُ المسير إليهم » ،ومن هنا يتبين أن الجيش المقاتل في سبيل الله ،عليه أن يحرص على الطاعات ، والبعد عن الوقوع في المعاصي ؛ مثل أو أكثر مما يحرص على امتلاك السلاح المتقدم ، فإن السلاح المتقدم بيد العاصي الخوار الجبان أقل غنى من السلاح العادي بيد الطائع القانت لربه ، قال تعالى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ المُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً} (الأنفال : 17) ،ومن هذا يتبين لنا الحكمة من إدالة الكافرين على المسلمين :قال ابن القيم – رحمه الله – في كتابه ( زاد المعاد ) : (فمن الحكم والغايات المحمودة في ذلك : تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع ، وأن هذا أشد عليهم من أسلحة أعدائهم . ومنها : أن النصر لو كان للمسلمين في كل مرة دخل معهم الصادقون وغيرهم ولم يتميز المؤمن حقاً من غيره .ومنها : أنه لو انتُصر عليهم دائماً وكانوا على مر الزمان مقهورين لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة ، وهو إظهار الحق وإقامة الحجة على الناس .ومنها : فضح المنافقين وإظهارهم للناس حتى يحذروهم ، وحتى يستقيم الصف بخلوّه منهم ،وهذا من سنة الله تعالى أنه لا يترك المؤمنين مختلطين بالمنافقين من غير أن يُقدِّر امتحاناً أو بلاء تتميز به الصفوف ،قال الله تعالى : {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} (آل عمران : 179) ،ومنها : استخراج عبودية أوليائه وحزبه في الضراء كما هي في السراء ، وفيما يكرهون كما فيما يحبون ،ومنها : أن الله لو نصر المؤمنين في كل موقف وكل موقعة فلربما طغت نفوس أكثر الناس ،وبغوا في الأرض ، ووقع في نفوسهم أن النصر من عندهم وليس من عند الله .ومنها : أنه إذا امتحنهم بالهزيمة ذلوا وانكسروا وخضعوا وابتهلوا إلى الله وتضرعوا ، فيستوجبون بذلك من الله النصر والعز ومنها : أن بلوغ الدرجات العالية في الجنة لا تنال إلا بالأعمال العظيمة ،ومن الناس من لا تبلغ أعمالهم تلك المنازل فيقيض الله لهم من أسباب الابتلاء والامتحان ما يرفع به درجاتهم ومنها : أن الله يبلغ بعضاً من عباده درجة الشهادة التي هي من أعلى مراتب الأولياء ،ولا تنال هذه الشهادة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها .ومنها : أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم ؛ قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها الهلاك والمحق ،ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم ومبالغتهم في أذى أوليائه ،ومحاربتهم وقتالهم والتسلط عليهم ،فيكون ذلك سبباً في تعجيل العذاب في الدنيا للكفار وهلاكهم ،كما قال تعالى في بيان الحكمة من غلبة الكفار : {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ} (آل عمران : 141) ،قال ابن كثير (رحمه الله) : «وقوله {وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ} ؛ أي فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا ،فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم » .ومنها : تنقية المؤمنين وتخليصهم من الذنوب وآفات النفوس التي قلّما ينفك منها الناس ،كما قال تعالى :{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} (آل عمران : 141)
أيها المسلمون
ألا وقد تعرفنا على أهم أسباب غلبة الكافرين على المسلمين في هذا الزمان ،كان لا بد أن نتعرف على وسائل دفع غلبة الكافرين ، فنقول: من أول هذه الوسائل : الإيمان الصادق والاعتقاد السليم ، الإيمان الذي لا تخالطه شائبة ، إيماناً مبرءاً من البدع والقصور ،إيماناً يبعث على العمل الذي تتحقق به المنجزات . ومن وسائل دفع غلبة الكافرين: الحرص على الطاعة والبعد عن المعصية ، فإن هذا أولى ما تُوجه إليه الهمم بعد الإيمان ؛ بحيث يكون الغالب على جماعة المسلمين الطاعة ، وتكون المعصية منغمرة في جنب ذلك ليس لها ظهور ولا فشو ، فقد قيل للرسول صلى الله عليه وسلم : «أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ ،إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ» متفق عليه ، ولذلك فإن من أهم ما يستحق العناية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،يقوم بذلك الأفراد والهيئات والدول ،فإن طاعة الله تعالى من أهم ما يجلب للمؤمنين نصره ،وللكافرين الهزيمة والخذلان ؛
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: من السنن الربانية (سنة التداول) (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن وسائل دفع غلبة الكافرين: إعداد العدة المستطاعة لمنازلة العدو ؛إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ،والإسلام لم يطلب منا أن نعد العدة الكاملة القادرة على مواجهة الكفار ،ولكن طلب منا أن نبذل جهدنا واستطاعتنا ،فقال تعالى :{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة} (الأنفال : 60) ،وذلك أن النصر من عند الله وليس من عند أنفسنا وليس من سلاحنا . ومن وسائل دفع غلبة الكافرين: ترك الوهن والضعف والتخاذل الذي يقضي على كل همّة ، ويجلب الذل والهزيمة في ميادين الجهاد ،وترك الحزن الذي يستحكم في النفوس فيحيلها إلى نفوس هامدة قابعة ليس لها قدرة على المواجهة ،قال تعالى بعد هزيمة المسلمين في أُحد مسلياً لهم ومحرضاً لهم على الثبات : {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران : 139) .ومن وسائل دفع غلبة الكافرين: اليقين بأن تسلط الكفار على المسلمين لن يدوم ، وإنما هذا ابتلاء من الله ،وأن الأيام يداولها الله بين الناس ،وأنه على المسلمين أن يأخذوا بأسباب التغيير التي تغير الأوضاع التي بها تمكن الكفار منهم ،قال الله تعالى :{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (الرعد : 11) .ومن وسائل دفع غلبة الكافرين: اليقين بما وعد الله عباده المؤمنين ،ومن ثم العمل على تحقيق الوعد ،قال الله تعالى :{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} (النور : 55) .وفي صحيح مسلم : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا) ،وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ »
الدعاء