خطبة عن ( احذر سوء الظَنَّ بالله )
يونيو 27, 2020خطبة عن حديث ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ)
يونيو 27, 2020الخطبة الأولى ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (31): (33) الاعراف
إخوة الإسلام
القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ، وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (32) الاعراف ، وقد جاء في تفسير الطبري عند تفسيرها : قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت, ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: من حرَّم، أيها القوم، عليكم زينة الله التي خلقها لعباده أن تتزيَّنوا بها وتتجملوا بلباسها, والحلال من رزق الله الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم. وفي تفسير بن كثير : عن ابن عباس قال: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون، فأنزل اللّه { قل من حرم زينة اللّه التي أخرج لعباده} فأمروا بالثياب ” رواه الطبراني عن ابن عباس . وفي تفسير القاسمي: قال المهايمي : يعني إن زعموا أن التزين والتلذذ ينافيان التذلل الذي هو العبادة، فيحرمان معها، فأعلمهم أنه قد أخرجها لعباده الذين خلقهم لعبادته ليتزينوا بها حال العبادة، فعل عبيد الملوك إذا حضروا خدمتهم، ولا ينافي ذلك تذللهم لهم، وكذلك الطيبات التي خلقها لتطييب قلوب عباده ليشكروه، والشكر عبادة، فلا ينافي التلذذ العبادة، بل قد يكون داعية إليها.
أيها المسلمون
المؤمن مباحٌ له أن يأخذ من الطيّبات من دون إسرافٍ ولا مَخْيَلَة، ولكن هي خالصة للذين آمنوا يوم القيامة، فهي لهم وحدهم يوم القيامة، أما في الدنيا مباحٌ لهم أن يأخذوا منها بالقدر المعتدل المعقول، فالإسلام ليس فيه حرمان، ولكن فيه تألق، فيه عطاء، أما أن أحرم نفسي من الشيء المباح بقصد التقرب إلى الله عزَّ وجل ، فهذا ليس من الدين ، وفي سنن الترمذي بسند حسنه (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ ». فالإنسان مسموحٌ له أن يأكل من الطيبات ، ومسموح له أن يرتدي الثياب الجميلة، في غير ما حرم الله عليه، ومسموح له أن يتزوج، وأن يسكن، وأن يعمل، ولكن ليس مسموحاً له أن يعصي الله عزَّ وجل.. فقال الله تعالى : ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ، فهذه الدنيا عرضٌ حاضر ،يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعدٌ صادق يحكم فيه ملكٌ عادل. وفي الآيات الكريمة نداء من الله تعالي للمؤمنين ،أن يأخذوا زينتهم من اللباس ،والريش، عند كل عبادة من العبادات في الصلاة أو في الطواف, كما يناديهم كذلك بأن يتمتعوا بالطيبات من الطعام والشراب دون إسراف ولا تبذير وقيل إن العرب في الجاهلية كانوا لا يأكلون دسما في أيام حجهم, ويكتفون باليسير من الطعام ويطوفون عراة فقيل لهم: خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا : أي : لا تسرفوا في تحريم مالم يحرم عليكم. فلا رهبانية في الإسلام, وإنما هو دين الوسطية , فلا إفراط فيه ،ولا تفريط, ولقد وضح الرسول صلي الله عليه وسلم منهج الإسلام في الاعتدال في الأمور ،وعدم التشدد ، فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ آكُلُ اللَّحْمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ « مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّى أُصَلِّى وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّى ». إنها نعم الله تعالي التي يحب أن يرى أثرها علي عباده ،وأن يستمتعوا بها حلالا طيبا, وإلي جانب النعم الحسية والمادية التي يستمتع بها الناس ،من طعام ،وشراب ولباس ، فهناك نعم الحواس والجوارح ،التي أنعم الله بها علي عباده ،فمنحهم الجوارح ،والحواس، والقلوب ،والعقول ، وإلي جانب هذه الجوارح ،وتلك الحواس ،كانت النعمة الكبرى, والمنحة الربانية التي بها يميز الإنسان بين الخير والشر ،وبين الحق والباطل ،وبين الهدي والضلال, تلك النعمة هي نعمة العقل التي ميز الله تعالي بها الإنسان عن غيره من الحيوانات والجمادات, وقد نوه القرآن إلي هذه النعمة ،ليستعملها الإنسان استعمالا صحيحا ،في الخير لا في الشر، وفي الحق لا في الباطل ، وفي الهدي لا في الضلال, فقال الله تعالى : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (19) الرعد ،وقال الله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (9) الزمر ، وقال الله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (269) البقرة ، والإسلام دين النظافة ،والحسن ،والتجمل في غير إسراف ولا تصنع, وفي صحيح مسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ». وكما أباح الله الاستمتاع بالطيبات وحرم الإسراف فيها ،فقد وضحت السنة المشرفة علي صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام المنهج السليم للجسم السليم (فعَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ». وقد جعل الإسلام لإنفاق المال والتمتع بالطيبات ضابطا مهما وهو أن يكون في الحق ، أي في الطاعات والوجوه المشروعة, لا أن يكون في السبل المحرمة ولا بالتبذير
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد التربوية في الآيات السابقة : فقد أمَرَ اللهُ بقَدرٍ زائدٍ على سَترِ العَورةِ في الصَّلاةِ، وهو أخذُ الزِّينةِ؛ فقال تعالى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فعَلَّقَ الأمرَ بأخذِ الزِّينةِ، لا بِسَترِ العَورةِ؛ إيذانًا بأنَّ العَبدَ ينبغي له أن يلبَسَ أزيَنَ ثيابِه، وأجمَلَها في الصَّلاةِ، وكان لبَعضِ السَّلَفِ حُلَّةٌ بمبلغٍ عظيمٍ مِنَ المالِ، وكان يلبَسُها وقتَ الصَّلاةِ، ويقولُ: (ربِّي أحَقُّ مَن تجمَّلْتُ له في صلاتِي). ومعلومٌ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يُحِبُّ أن يرى أثَرَ نِعمَتِه على عَبدِه، لا سيَّما إذا وقَفَ بين يَدَيه، فأحسَنُ ما وَقَف بين يديه بملابِسِه ونِعمَتِه التي ألبَسَه إيَّاها ظاهرًا وباطنًا ،وفي قَولِه تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) فيه استنكارُ تَحريمِ الزِّينةِ التي أخرَجَها اللهُ لعبادِه، وتحريمِ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ؛ فمِنَ المُستنكَرِ أن يُحَرِّمَ أحَدٌ- برَأيِه- ما أخرَجَه اللهُ للنَّاسِ مِنَ الزِّينةِ أو مِنَ الطَّيباتِ؛ فتحريمُ شَيءٍ أو تحليلُه لا يكونُ إلا بِشَرعٍ مِنَ اللهِ ، والتَّوسيعُ مِنَ الله لعبادِه بالطَّيِّباتِ؛ جَعَلَه لهم ليَسْتعينوا به على عِبادَتِه، فلم يُبِحْه إلَّا لعبادِه المؤمنينَ؛ ولهذا قال تعالى: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، ومن معانيها :أي: لا تَبِعَةَ عليهم فيها، فيكون مفهومُ الآيةِ : أنَّ مَن لم يؤمِنْ بالله، بل استعانَ بالنعم والطيبات على مَعاصِيه، فإنَّها غيرُ خالصةٍ له، ولا مُباحةٍ، بل يُعاقَبُ عليها وعلى التنعُّمِ بها، ويُسألُ عنِ النَّعيمِ يومَ القيامةِ ومن الفوائد العلمية واللطائف في هذه الآيات : قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) جمعَتْ هذه الآيةُ أصُولَ أحكامِ الشَّريعةِ كُلَّها، فجَمَعتِ الأمرَ والنَّهيَ، والإباحةَ والخَبَر وفي قوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، فيُستحَبُّ التجمُّلُ عند الصَّلاةِ- ولا سيَّما يومُ الجُمُعة، ويومُ العِيدِ- والطِّيْبُ؛ لأنَّه مِنَ الزِّينةِ، والسِّواكُ؛ لأنَّه مِن تمامِ ذلك ، وفيه الأمرُ بسَترِ العَوراتِ عندَ المساجِدِ، فدخلَ في ذلك الطَّوافُ، والصَّلاةُ، والاعتكافُ، وغيرُ ذلك ، وفيه أنَّ الصَّلاةَ في الثَّوْبِ الحَسَنِ غَيرُ مَكروهةٍ، إلَّا أنْ يُخشَى منه الالْتِهاءُ عن الصَّلاةِ، أو حُدوثُ الكِبْرِ ، وقولُ الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) مُطلَقٌ يتناوَلُ الأوقاتَ والأحوالَ، ويتناوَلُ جميعَ المطعوماتِ والمَشروباتِ؛ فدلَّ ذلك على أنَّ الأصلَ في الملابِسِ وأنواعِ التَّجَمُّلات والمطاعِمِ؛ الإباحةُ، إلَّا ما ورَدَ النَّصُّ بخِلافِه
الدعاء