الخطبة الأولى ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روي في البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَذَهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ »
إخوة الإسلام
الشريعة الإسلاميّة تمتاز بالشمولية ، وكذا الاهتمام بجميع قضايا الحياة ، وذلك من خلال ما قرّرته من أحكام ، وما حثت عليه من آداب ، كلها جاءت لتتناول كل ما يحقّق مصالح الناس ، في معاشهم ومعادهم ، ويسهم في رقيّ السلوك ،وتهذيب الأخلاق ، وفي هذا الحديث النبوي خير شاهد ، فهو يحكي لنا قصّة أحد الناس ،الذين تملّكهم الحرص على الآخرين ، فبينما هو يمشي في بعض حاجته ، أبصر في وسط الطريق غصن شجر مليء بالأشواك ،يؤذي الناس ، ويعيق الطريق ، فاستوقفه ذلك ، ثم فكّر في الأذى الذي قد يسبّبه وجود مثل هذا الغصن على الناس ودوابّهم ، فقال في نفسه : (وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ ) كما في رواية لمسلم ، وبكل رجاءٍ أردف قائلا : ( فَقَالَ : لأَرْفَعَنَّ هَذَا لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ لِي بِهِ) كما جاء ذلك في رواية أحمد ،فإماطة الأذى عن طريق الناس هو عملٌ قليلٌ ، قد لا يُكلّف المرء من الجُهد أو الوقت شيئاً ، ولكنّ الله تعالى بواسع رحمته ، وعظيم كرمه ،جعل ما فعله هذا الرجل سبباً في مغفرة ذنوبه ، ودخوله الجنة ، فاستحق ذلك بنيّته الحسنة ، وكرم الله وفضله الواسع . فالقضيّة الأساسيّة التي تناولها الحديث هي : (سعة رحمة الله وفضله) ، فكان التجاوز عن ذنوب ذلك الرجل ، والصفح عنها ،مكافأة له على يسير عمله ، وما ذلك إلى لعظم تلك الرحمة الإلهيّة . كما يدلّ هذا الحديث أيضا : على مكانة أعمال القلوب ، فإن أفعال العباد ،وإن اشتركت في الصورة الظاهرة ، فإنها تتفاوت عند الله تعالى بحسب ما في قلب صاحبها من الإخلاص والصدق وصفاء النيّة ،ومن القضايا التي جاء بها هذا الحديث أيضا : إعطاء الطريق نوعاً من الحقوق ،والدعوة إلى العمل بها ، فإن طرق الناس ملك للجميع ،ومسؤوليّتها مشتركة بين جميع أفراد المجتمع ، وهذا يعكس اهتمام الإسلام بحماية الممتلكات العامّة ،ونظافتها ورعايتها ، على أساسٍ من الوازع الديني . ومن القضايا التي جاء بها هذا الحديث أيضا : ما ورد في نصّ الحديث : (فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ ) ، فمن صفات الله تعالى : ( الشكور ، والغفور ) ، والشكور هو الذي يزكو وينمو عنده القليل من أعمال العباد ،فيضاعف لهم الجزاء ، والغفور هو الذي يغفر ويتجاوز عن المعاصي والذنوب تفضلا منه وتكرما ورحمة
أيها المسلمون
ويبين لنا هذا الحديث أيضا : أن طرق الخير كثيرة جداً، وليس لأحد عذر في القعود عن طاعة الله -عز وجل-، فالكثير من الناس يكسل عن عمل الطاعات ، ويغلب عليه حال البطالين ، وربما يعتذر الإنسان بأنه ليس عنده مال فيتصدق به، فيقال لمثل هذا: أن أبواب الحسنات ، وكنوز الطاعات لا تقتصر على ذلك ، ولكن عليك بما ينفع الآخرين ، مما هو في استطاعتك ومقدورك ، فالإنسان لا يعجز عن تحصيل الثواب، ولو كان ذلك في أقل الأعمال: كأن يرشد إنسانًا ما لكي يعرف الطريق، أو يعينه على حمل متاعه، وكذلك الابتسامة، والكلمة الطيبة صدقة، والتسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، فكل ذلك من الصدقات، فمن الذي يعجز عنها؟، وفي الحديث أيضاً دليل على أن الجنة موجودة الآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هذا الرجل يتقلب في الجنة ، وهذا أمر دل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة ؛ بأن الجنة موجودة الآن، ولهذا قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133) ، وفي هذا الحديث دليل أيضا : على أن من أزال عن المسلمين الأذى ،فله هذا الثواب العظيم في أمر حسيً، فكيف بالأمر المعنوي؟ ، ولذلك قال الله تعالى في محكم آياته : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (33) فصلت ،وقال الله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104) آل عمران
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى الفوائد المستخلصة ، والدروس المستنبطة من هذا الحديث، ومنها : أولا : أنَّ الله لا يُضِيعُ على الإنسان مثقال ذرَّة من عمله ، وأن فضله واسع وكرمه عميم ثانيا : في الحديث بيان لفضل إماطة الأذى عن الطريق. ثالثا : في الحديث الحث على الاستكثار من الخير، وألا يُستقلَّ منه شيء، ولا يحتقر منه عمل ، رابعا : أنَّ قليل العمل قد يَغفِر الله به كثير الذنوب. خامسا : حرص الإسلام على النظافة، واهتمام الإسلام بطرق الناس ، وأنَّ للطريق حقوقًا؛ منها إماطة الأذى عنه. سادسا : أن الحديث يبين أن النفع المتعدي أمرُه عند الله عظيم ، وأنَّ الجزاء من الله قد يكون أكثر من جنس العمل. سابعا : أن مَن أزال عن المسلمين الأذى، فله هذا الثواب العظيم في أمر حسيٍّ، فكيف بالأمر المعنوي؟ ، ثامنا : أن الشجرة التي يجوز قطعها هي المؤذية للمسلمين ، أما إذا كانت نافعة للمسلمين كالشجرة التي يستظل الناس في ظلها، فلا يجوز قطعها ،
الدعاء