خطبة حول حديث ( إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً )
أكتوبر 28, 2022خطبة عن اختلاف طباع الناس ( فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ)
أكتوبر 28, 2022الخطبة الأولى ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (14) النحل
إخوة الإسلام
القرآن الكريم هو أساس رسالة التوحيد، وهو المصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، وهو الرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ، وموعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، فقد جاء في التفسير الميسر في تفسيرها : أن المعنى : (وهو الذي سخَّر لكم البحر؛ لتأكلوا مما تصطادون من سمكه لحمًا طريًا، وتستخرجوا منه زينة تَلْبَسونها كاللؤلؤ والمرجان، وترى السفن العظيمة تشق وجه الماء تذهب وتجيء، وتركبونها؛ لتطلبوا رزق الله بالتجارة والربح فيها، ولعلكم تشكرون لله تعالى على عظيم إنعامه عليكم، فلا تعبدون غيره.) ، فيخبر الله سبحانه وتعالى عباده عن دلائل قدرته، ونعمه على خلقه ،بتسخيره البحر المتلاطم الأمواج، ويمتن على عباده بتذليله لهم ،وتيسيرهم للركوب فيه، وما يخلقه فيه من الحلي والجواهر النفيسة، وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حلية يلبسونها، وتسخيره البحر لحمل السفن التي تمخره وتشقه مسرعة في سيرها ، فهو سبحانه الذي أرشد العباد إلى صناعتها، وهداهم إلى ذلك إرثا عن نبي الله (نوح) عليه السلام، فإنه أول من ركب السفن، وله كان تعليم صنعتها، ثم أخذها الناس عنه قرنا بعد قرن ،وجيلا بعد جيل، يسيرون من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى بلد، لجلب ما هناك من الأرزاق ، فهو – سبحانه – وحده الذى ذلل لكم البحر ، بحيث مكنكم من الانتفاع به ، وأقدركم على الركوب عليه ، وعلى الغوص فيه ، وعلى الصيد منه ، لتأكلوا من أسماكه لحما طريا غضا شهيا . ووصف الله سبحانه وتعالى لحم أسماكه بالطراوة ، لأن أكله في هذه الحالة أكثر فائدة ، وألذ مذاقا ، فالمنة بأكله على هذه الحالة أتم وأكمل ، وقال بعض العلماء : وفى وصفه بالطراوة تنبيه إلى أنه ينبغي المسارعة إلى أكله ، لأنه يسرع إليه الفساد والتغير ، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء ، فسبحان الخبير بخلقه ، ومعرفته ما يضر استعماله وما ينفع ، وفيه أيضا إيماء إلى كمال قدرته – تعالى – في خلقه الحلو الطري في الماء المر الذى لا يشرب ، وقد كره العلماء أكل الطافي منه على وجه الماء ، وهو الذى يموت حتف أنفه في الماء فيطفو على وجهه
أيها المسلمون
فعالم البحار مليء بالأسرار، وقد سخر الله تعالى لنا ما يحويه هذا البحر من أسماك لتكون غذاءً ودواءً! وتعتبر الأسماك من المخلوقات التي سخرها الله لتكون غذاء ودواء لنا، وقد أظهرت العديد من الدراسات أن لتناول السمك فوائد طبية في علاج فقدان الذاكرة وبعض الأمراض الأخرى، وأمام هذه الفوائد نتذكر رحمة الله بنا أن سخَّر لنا هذا اللحم الطري وقال: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [فاطر: 12]. وهذه الفوائد التي أودعها الله في الأسماك تجعلنا نستشعر رحمة الله بنا، وأنه سخر لنا كل شيء لخدمتنا، وهنا يتجلى قول الحق جل وعلا: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 18]. ، فمَنْ الذي خلقَ هذه المحيطات بهذه السَعَةِ والعمقِ والخصائص؟ ومنْ الذي مَنَحَ الخشبَ والحديد هذه الميزةَ بحيث يطفو على وجه الماء؟ ومَنِ الذي أَمَرَ الرياحَ أنْ تَهُبَّ بشكلٍ منظَّمٍ على سطح البحار ،وتمنح الإنسان فرصة الانتقال من نقطةٍ إلى اخرى ، ويستخرج ملايين الثروات عن طريق البحر؟ ، أليسَ هذا نظام مُتقن ومُحكَم؟ ، وقد شُبِّه الله تعالى السُفن العملاقة بالجبال حيث تتضح من بعيد كالجبال. ولو شاء جعلَ الرياح مضطربةً وغير منظمةٍ بحيث لا تستطيع أيّة سفينةِ بلوغ هدفها ، بل يغرقها في البحر ، فقال الله تعالى : «إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيْحَ فَيِظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ». الشورى 33، فلخلق البحار فوائد مختلفة حيث تعتبر كل منها آيةً من آياته تعالى ، فلولا البحار لم يتكدَّس القسم الأعظم من السلع التجارية التي تُنقلُ عبر المياه فحسب ، بل تختفي كميات كبيرة من المواد الغذائية والحُلي أيضاً ، وأهم من ذلك ، تنعدم الغيوم ولا تهطل الأمطار ، ويجر الهواء الجاف والحار جميعَ الكائنات الحيّة إلى الفَناء. قال سيد قطب رحمه الله: “والسفن الجواري في البحر كالجبال آية أخرى من آيات الله، آية حاضرة مشهودة، آية تقوم على آيات كلها من صنع الله دون جدال، هذا البحر من أنشأه؟ مَن مِن البشر أو غيرهم يدعي هذا الادعاء؟ ومن أودعه خصائصه من كثافة وعمق وسعة حتى يحمل السفن الضخام؟ وهذه السفن من أنشأ مادتها وأودعها خصائصها فجعلها تطفو على وجه الماء؟ وهذه الريح التي تدفع ذلك النوع من السفن التي كانت معلومة وقتها للمخاطبين (وغير الريح من القوى التي سخرت للإنسان في هذا الزمان من بخار أو ذرة أو ما يشاء الله بعد الآن) من جعلها قوة في هذا الكون تحرك الجواري في البحر كالأعلام؟”
وقد جعل الله عز وجل هذا الأمر آية دالة على قدرته وعظمته ورحمته بهذا الإنسان، حيث سخر له هذا البحر، وجعل جري السفن فيه ضمن آيات عديدة أمرنا أن نتفكر فيها ونتدبر، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164]. قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ أي في تسخير البحر بحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش الناس والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم ونقل هذا إلى هؤلاء” ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد امتن الله عز وجل على عباده بهذه النعمة العظيمة، فقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الجاثية: 12]. ، قال الإمام الطبري رحمه الله: “يقول تعالى ذكره: الله أيها القوم الذي لا تنبغي الألوهة إلا له الذي أنعم عليكم هذه النعم التي بينها لكم في هذه الآيات وهو أنه ﴿سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ﴾ السفن ﴿فِيهِ بِأَمْرِهِ﴾ لمعايشكم وتصرفكم في البلاد لطلب فضله فيها ولتشكروا ربكم على تسخيره ذلك لكم فتعبدوه وتطيعوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه. فالله عز وجل هو الذي جعل للبحر القدرة على حمل هذه السفن، ذات الأحجام المختلفة جريا بمصالح العباد، والتي يستخدمها الإنسان في المتاجر والمكاسب، والحصول على المنافع المجلوبة من قطر إلى آخر، والسفر من بلد إلى بلد، وهذا من تكريم الله تعالى للإنسان، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء: 70]. فكما أن الإنسان بحاجة إلى النقل البري عن طريق السيارات، والحافلات، والقطارات، فهو كذلك بحاجة إلى النقل البحري، عن طريق القوارب، والسفن التي تنقل البضائع، والناقلات الضخمة للبترول والمواد الخام، وعابرات القارات، التي تحمل السيارات والطائرات وغير ذلك من وسائل النقل البحري. فسخر الله تعالى لهذا الإنسان ركوب البر والبحر، وعندما ذكّرنا الله تعالى في كتابه الكريم بنعمة ركوب الأنعام، ذكر بعدها مباشرة نعمة ركوب البحر، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ [المؤمنون: 21-22].
الدعاء