خطبة عن (وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)
أبريل 5, 2016خطبة عن (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ)
أبريل 5, 2016الخطبة الأولى (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي واحمد (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ».ونأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم ( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ) ، وفيه الأمر بسؤال الله وقد أمر الله بمسألته فقال: ( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) النساء 32. وسؤاله سبحانه وتعالى هو دعاؤه بالرغبة إليه ، والدعاء هو العبادة كما روي الترمذي في سننه (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ». ثُمَّ قَرَأَ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) والله يحب أن يسأله العبد ويكثر من سؤاله لما في ذلك من حسن الظن والتوكل به والتعلق به ، وفي سنن الترمذي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ » والمؤمن يسأل ربه في كل شيء حتى في سقط المتاع ، لما روى الترمذي في سننه (عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ الْمِلْحَ وَحَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ ». والسؤال والدعاء عبادة، فالجأ إلى الله وادعوه في أوقات الإجابة، ولا تسأل غيره، فخزائن السموات والأرض بين يديه فهو المعطي المتفضل فإذا سألت فقل: «اللهمَّ اكفِني بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأغنِني بفضلِكَ عمَّنْ سِواكَ» (السلسلة الصحيحة)، وغير ذلك لأن سؤالك الناس قد يعطوك أو يمنعوك قال صلى الله عليه وسلم: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أحبلهُ، ثم يأتي الجبل، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ من حَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَه، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» أخرجه البخاري ،وفي النَّهي عن مسألة المخلوقين أحاديثُ كثيرة صحيحة ، وقد بايع النبيُّ صلى الله عليه وسلم جماعةً من أصحابه على أنْ لا يسألوا النَّاسَ شيئاً، فقد روى أبو داود وابن ماجه والبزار (عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ تِسْعَةً فَقَالَ « أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ ». فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَعَلاَمَ نُبَايِعُكَ فَقَالَ « أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُوا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَتَسْمَعُوا وَتُطِيعُوا – وَأَسَرَّ كَلِمَةً خُفْيَةً – وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا ». قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُهُ فَلاَ يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ.) ، وخرَّج ابنُ أبي الدنيا من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود : أنَّ رجلاً جاء إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنَّ بني فُلان أغاروا عليّ فذهبوا بابني وإبلي ، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( إن آل محمَّدٍ كذا وكذا أهل بيت ، مالهم مدٌّ من طعامٍ أو صاع ، فاسأل الله عز وجل )) فرجع إلى امرأته ، فقالت : ما قالَ لك ؟ فأخبرها، فقالت : نِعْمَ ما ردَّ عليك ، فما لبث أنْ ردَّ الله عليه ابنَه وإبله أوفرَ ما كانت ، فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فصعد المنبر فحَمِدَ الله وأثنى عليه ، وأمر الناس بمسألة الله عز وجل والرغبة إليه ، وقرأ : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) .وقد ثبت في “الصحيحين” عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : أنَّ الله عز وجل يقولُ : ( هل من دَاعٍ ، فأستجيبَ له ؟ هل من سائل فأُعْطِيَه ؟ هل من مُستغفرٍ فأغْفِرَ له ؟ ) . واعلم أخي المسلم : أنَّ سؤالَ اللهِ تعالى دونَ خلقه هوَ المتعين ؛ لأنَّ السؤال فيهِ إظهار الذلِّ من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار ، وفيه الاعترافُ بقدرةِ المسؤول على دفع هذا الضَّرر ، ونيل المطلوب ، وجلبِ المنافع ، ودرء المضارِّ ، ولا يصلح الذلُّ والافتقار إلاَّ لله وحدَه ؛ لأنَّه حقيقة العبادة ، وكان الإمامُ أحمد يدعو ويقول : اللهمَّ كما صُنتَ وجهي عَنِ السُّجود لغيرك فصُنْه عن المسألة لغيرك ، ولا يقدر على كشف الضرِّ وجلب النفع سواه . كما قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يونس 107 ، وقال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فاطر 2. والله سبحانه يحبّ أنْ يُسأل ويُرْغَبَ إليه في الحوائج ، ويُلَحَّ في سؤاله ودُعائه ، ويَغْضَبُ على من لا يسأله ، ويستدعي مِنْ عباده سؤاله ، وهو قادر على إعطاء خلقه كُلِّهم سُؤْلَهم من غير أنْ يَنْقُصَ من ملكه شيء ، والمخلوق بخلاف ذلك كله : يكره أنْ يُسأل ، ويُحبُّ أنْ لا يُسألَ ، لعجزه وفقره وحاجته . ولهذا قال وهب بن منبه لرجل كان يأتي الملوك : ويحك ، تأتي من يُغلِقُ عنك بابَه ، ويُظهِرُ لك فقرَه ، ويواري عنك غناه ، وتدع من يفتحُ لك بابه بنصف الليل ونصف النهار ، ويظهر لك غناه ، ويقول : ادعني أستجب لك ؟! وقال طاووس لعطاء : إياك أنْ تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه ويجعل دونها حجابه ، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة ، أمرك أنْ تسأله ، ووعدك أنْ يُجيبك .
لا تسألن بني آدم حاجـــة وسل الذي أبوابه لا تُحجب
فاجعل سؤالك للإله فإنمـا في فضل نعمة ربنـا تتقلب
وقد أثنى الله على عباده المتعففين فقال تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا } ( البقرة : 273 ) ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن ما سبق ذكره من الثناء على المتعفّفين إنما هو متوجه لمن تعفّف عن سؤال الناس فيما يقدرون عليه ، وما يملكون فعله ، أما ما يفعله بعض الجهلة من اللجوء إلى الأولياء والصالحين الأحياء منهم أو الأموات ، ليسألونهم ويطلبون منهم أعمالاً خارجةً عن نطاق قدرتهم ، فهذا صرفٌ للعبادة لغير الله عز وجل ، وبالتالي فهو داخل تحت طائلة الشرك . فسؤال المخلوقين قسمان: الأول: محرم وهو طلب المخلوق في أمر لا يقدر عليه إلا الله وهو من الشرك الأكبر بالله تعالى المخرج من الملة قال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ) الجن 18.وقوله تعالى (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) يونس 106 الثاني: جائز وهو طلب المخلوق عند الحاجة في أمر يقدر عليه من المال والمنفعة والجاه فهذا مباح للمؤمن ولا يقدح في التوحيد والتنزه عنه من كمال التوكل والاعتماد على الله كحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فينبغي على المؤمن أن يفرد الله بالسؤال والاستعانة ويخلص توجهه إليه ليكون من أوليائه وأصفيائه ولا يلتفت قلبه للمخلوق العاجز المنان الشحيح بنعم الله. ونستكمل الحديث في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء