خطبة عن (كن مفتاحا لكل خير)
مايو 24, 2023خطبة عن الدعاء وحديث (إنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ)
مايو 30, 2023الخطبة الأولى ( إِنِّي أَنَا أَخُوكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (69) يوسف ،وقال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (10) الحجرات
إخوة الإسلام
إن الله سبحانه وتعالى ارتضى لنا الأخوَّة لتكون هي العلاقة الرسميَّة بين عباده المؤمنين؛ فقال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، بل إنَّه سبحانه امتنَّ على عباده بأن رزقهم نعمةَ الأخوَّة؛ فقال الله تعالى : ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، والأصل في الأخوة أن يذهب الأخ عن أخيه البؤس والحزن، ويبعث في نفسه الطمأنينة بالود والقرب منه ، قال الله تعالى : (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (69) يوسف ،وقد سئل حكيم : كيف تعرف ود أخيك؟ فقال: يحمل همي، ويسأل عني، ويسد خللي، ويغفر زللي، ويذكرني بربي. فقيل له: وكيف تكافئه؟ قال: أدعو له بظهر الغيب ، وقال ابن تيمية رحمه الله: مثل الأخوة في الله كمثل اليد والعين، إذا دمعت العين مسحت اليد دمعها، وإذا تألمت اليد بكت العين لأجلها ، فما أجمل الحياة حين تضيق بك الدنيا فتجد فيها أخا عزيزا أو صديقا حميما يشاركك أحزانك ، ويُواسيك في همومك، والأجمل من ذلك : حين يُقاسمك، الشراكة في العمل الصالح ، قال الله تعالى على لسان نبيه موسى عليه السلام : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا) (29): (35) طه
أيها المسلمون
وللأخوَّة آداب وواجبات، فنحن كمسلمين معنيُّون بها ،لنتعامل بها مع بعضنا البعض، ولعلَّ من أهم ملامح الأخوَّة ما يتجلَّى في استقبال الصدِّيق يوسف لأخيه بعد فراقٍ دام لسنوات طوال وهو يردد : ﴿ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ ﴾ [يوسف: 69]، نعم؛ ﴿ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ ﴾ الذي سيخفِّف عنك ألَمك، ويضع عنك حزنك، ويسعى لإسعادك، فمواساة المسلم لأخيه المسلم ،وإعانته له في مِحنته ليس تفضُّلًا إنسانيًّا ،بقدر ما هو واجب شرعي ، تقتضيه أخوَّة الإسلام، التي هي من أوثق عُرى الإيمان، فقد روى البخاري في صحيحه: (النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، وفي الصحيحين: (عن أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » . ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) ، ومواساة الأخ لأخيه هي بقدر الاستطاعة؛ فمَن استطاع رفعَ الضرِّ عن أخيه فليفعل، وإلَّا فليعِنه ويساعده، ويشد أزرَه، ويقف بجانبه ، وينصحه ،
ومما يحزن قلوبنا– نحن كمسلمين – اليوم ، ما نراه يُفعل بالمسلمين المستضعفين في أقطار الأرض ، شرقها وغربها ، ونعجز عن فعل شيء لِمساندة المستضعفين والمشرَّدين والمضطهدين بغير حقٍّ ، إلَّا أن يقولوا: ربنا الله ، ويطالبوا بحقوقهم ،فإنَّك لا تكاد ترمق بنظرك موضعًا للمسلمين في الأرض ، إلَّا وترى فيه إحدى صور العنصريَّة المقيتة أو الفاشية اللَّعينة أو الاستبداد البغيض، سواء كان الجاني كافرًا يكره الإسلامَ ويعادي أهلَه، أو مسلمًا خائنًا يبيع دينَه بعرَض من الدنيا قليل، وإنَّنا اكتوينا من أكابر مجرمي المسلمين أكثر ممَّا تجرَّعنا من أبناء العقائد الأخرى ،وهذه الظروف الحالكة التي تحيط بنا تجعل أدبيات الأخوَّة ترتقي إلى واجباتٍ يأثم تاركها، ففي الصحيحين : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »،
وهذا يعني أنَّ التكافل بين المسلمين ومعاونة بعضهم بعضًا ليس من النوافل التي يحسن فعلها، بل هو من الواجبات المفروضة والمُستَنكر تركها؛ وهذا ما ينبغي أن يعيه كلُّ مسلم، ويراجع مواقفه تجاه ما يُحاك ضد المسلمين من مؤامرات، وما يُفعل بهم من مَجازر وانتهاكات، فهذه السلبيَّة تجاه الجرائم التي تجري ضد المسلمين ليست من الإسلام في شيء، فإنَّ أبناء القوميات والديانات المختلفة يتداعون لنصرة أبناء قوميَّتهم ودينهم وفكرتهم إذا مسَّهم ضرٌّ أو وقع عليهم أذًى، فكيف بنا نُتخطَّف من الأرض، وتَنهش كلُّ قوة عالميَّة من أطرافنا، ونحن لا نلقي لذلك بالًا؟!،
فنصرة المستضعفين من أكبر مقاصد الجهاد ، قال الله تعالى : ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 75]، ومستضعفو أمَّتنا ليس أكثر منهم على وجه الأرض، وهم أَولى بجِهاد أنفسنا وأموالنا، وأوقاتنا وجهودنا.
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (69) يوسف، بيان دامغ ،ودليل واضح ، على أن المسؤولية تجاه نصرة المسلمين في الأرض ،والوقوف بجانهم ،وشد أزرهم ، والعمل على رفع الظلم عنهم ،أو قضاء حوائجهم ،هي مسئولية ملقاة على عاتقنا جميعًا، ولن يفرَّ أحدٌ من السؤال يوم القيامة عمَّا قدَّمه لنصرة إخوانه، وهذا يجعل واجب الوقت هو بلورة الأفكار، والسَّعي في تنفيذها للقيام بواجبات الأخوة الإسلاميَّة تجاه أهالينا في كلِّ بِقاع الأرض؛ نتحرَّك بعزم ونحن نعلن لكلِّ المسلمين المستضعفين: ﴿ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ ﴾ [يوسف: 69] ، فالأخوة الصدق يلزمها حقائق عملية وأمور تطبيقية، فهي ليست مجرد شعار يرفع أو كلمات رنانة تُقال، والوصول إلى ذلك يحتاج إلى إرادة صادقة ومجاهدة فعالة، لأن تحقيقها ليس سهلا على النفس، يقول الشافعي: من صدق في أخوة أخيه, قتل علله, وسد خلله, وعفا عن زلله ، والأخوة الصادقة تعرف في المواقف لا سيما بمواطن الابتلاء والمحن ونوائب الدهر، وتغير الزمان على الخلان، كان أبو الدرداء يقول: إذا تغير أخوك وحال عمّا كان، فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى، وكان يقول: داوِ أخاك ولا تطع فيه حاسداً، فتكون مثله ، والأخوة الصادقة كاليدين إذا التقتا غسلت إحداهما الأخرى، حتى تصبحان نظيفتين نقيتين ولا تستغني إحداهما عن اختها! وقالوا: الأخ الصادق من أهدى إلى أخيه عيبه وحفظ له غيبه ،وقَالَ عطاء تَفَقَّدُوا إِخْوَانَكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ؛ فَإِنْ كَانُوا مَرْضَى فَعُودُوهُمْ، أَوْ مَشَاغِيلَ فَأَعِينُوهُمْ، أَوْ كانوا نسوا فذكروهم ، ومن عجائب الإيثار والأخوة الصادقة ما أورده القرطبي في تفسيره: قال حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي- ومعي شيء من الماء- وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به، فقلت له: أسقيك، فأشار برأسه أن نعم فإذا أنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم. فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات. فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنِّي أَنَا أَخُوكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فما أجمله من شعور، أن نشعر بأن كل موحد على وجه الأرض هو أخ لنا، له من الحقوق ما له وعليه من الواجبات ما عليه، في أي بقعة كان ومن أي شعب أو لغة كان ما دام على عقده وميثاقه التوحيدي مع الله سبحانه وتعالى، فالأخوة الإيمانية فوق كل الحواجز والعلائق الأرضية، وفي هذا إلماح إلى ضلال أولئك الذين يفرقون المسلمين والموحدين على أساس ولاءات عصبية، وجنسيات وتابعيات مقيتة، تفتت الأمة وتمزقها، وتضع الحدود التي تفصل بين أبنائها. ورحم الله القائل:
يا أخي المسلم في كل مكان وبلد أنت مني وأنا منك كروح في جسد
وكان أول عمل قام به الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته إلي المدينة -بعد بناء المسجد- هو مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار، إذ بهذه المؤاخاة شدت لبنات المجتمع الإسلامي إلى بعضها البعض، وارتفع صرح الجماعة الإسلامية عالياً متيناً، فاستعصى على محاولات الهدم والتخريب التي سعى بها يهود المدينة وأعوانهم من المنافقين والمرجفين، وقد ضربوا في ذلك أروع الأمثلة مما تفيض به كتب التاريخ وتزدان به مصنفات التراجم والسير، حتى قال القائل واصفاً موقف الأنصار من المهاجرين :
أبوا أن يملونا ولو أن أُمَّنا تلاقي الذي يلقون منا لملَّتِ
الدعاء