خطبة عن ( الجليس السوء )
ديسمبر 16, 2017خطبة عن (صلاح الدين الأيوبي وتحرير بيت المقدس)
ديسمبر 18, 2017الخطبة الأولى (الْجَلِيسُ الصَّالِحُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ». وفي رواية عند الإمام أحمد يقول صلى الله عليه وسلم : (وَمَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الْعَطَّارِ إِنْ لَمْ يُحْذِكَ مِنْ عِطْرِهِ عَلَقَكَ مِنْ رِيحِهِ وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ مَثَلُ الْكِيرِ إِنْ لَمْ يُحْرِقْكَ نَالَكَ مِنْ شَرَرِهِ)
إخوة الإسلام
اقتضت حكمة الله تبارك وتعالى في خلقه ، أن جعل الإنسان ميالاً بطبعه إلى مخالطة الآخرين ومجالستهم ، ومصاحبتهم ، والاجتماع بهم، وهذه المجالسة ، وتلك الصحبة ، لها أثرها الواضح في فكر الإنسان ،ومنهجه وسلوكه، وربما كانت سبباً فعالاً في مصير الإنسان ، سعادته ، أو شقاؤه ،فالجليس والصاحب له تأثير مباشر على جليسه وصاحبه، فإما أن يكون الجليس صالحاً مصلحاً ،فيؤثر على صاحبه إيجاباً، فيكون صالحاً مثله، وإما أن يكون فاسداً مفسداً ،فيؤثر سلباً على صاحبه فيفسده، وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة لتدل على ذلك .وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح في الحديث المتقدم بالعطار ،وهو بائع المسك والعطور ،وهذا تقريبٌ وتشبيهٌ له بذلك، وإلا فما يحصل من الخير الذي يصيبه العبد من جليسه الصالح ،أبلغ وأفضل من المسك الأَذْفَر: فالجليس الصالح إمَّا أن يعلِّمك أموراً تنفعك في دينك، وإما أن يعلِّمك أموراً تنفعك في دنياك، أو فيهما جميعاً، أو يُهدي لك نصيحةً تنفعك مدة حياتك ، وبعد وفاتك، أو ينهاك عمَّا فيه مضرَّةٌ لك؛ فأنت مع الجليس الصالح دائماً في منفعة، وربحك مضمون – بإذن الله. فتجده إن رآك مقصِّرا في طاعة الله؛ أرشدك، فتزدد همَّتك في الطاعة، وتجتهد في الزيادة منها، وتراه يبصِّرك بعيوبك، ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها، بقوله وفعله وحاله. وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ». وأقل نفعٍ يحصل لك من الجليس الصالح: هو امتناع وانكفاف الإنسان بسببه عن السيئات ؛ وذلك طاعة لله ، ورعايةً للصحبة، ومنافسةً في الخير، وترفُّعاً عن الشرِّ. ومما يستفاد من الجليس الصالح: أنه يحمي عِرْضَك في مغيبك ،وفي حضرتك، فهو يدافع ويذبُّ عنك، ومن ذلك أنك تنتفع بدعائه لك حياً وميتاً. جليسك الصالح : “يأمرك بالخير، وينهاك عن الشر، ويسمعك العلم النافع، والقول الصادق، والحكمة البالغة، ويبصرك بآلاء الله، ويعرفك عيوب نفسك، ويشغلك عما لا يعنيك، جليسك الصالح: ” يسد خلتك ويغفر زلتك، ويقيل عثرتك، ويستر عورتك، وإذا اتجهت إلى الخير حثك عليه، ورغبك فيه، وبشرك بعاقبة المتقين، وأجر العاملين، جليسك الصالح: لا يمل قربك، ولا يتحمل بعدك، ويسرك بحديثه، ويرضيك بأفعاله، ويشهد مجالس العلم، وحلق الذكر، وبيوت العبادة، ويزين لك الطاعة بالصلاة والصيام والحج والإنفاق في سبيل الله، وكف الأذى، واحتمال المشقة، وحسن الجوار، وجميل المعاشرة،
أيها المسلمون
ومن الفوائد والثمرات التي يجنيها الصديق من مجالسة صديقه وجليسه الصالح : أن من يجالس الصالحين تشمله بركة مجالسهم، ويعمّه الخير الحاصل لهم، وإن لم يكن عمله بالغًا مبلغهم، كما دلَّ على ذلك ما جاء في الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ . قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا . قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ ، وَيُكَبِّرُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ . قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ . قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً ، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا ، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا . قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ . قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا . قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا ، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا ، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً . قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ . قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْهَا . قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا ، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً . قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ . قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ . قَالَ هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ » ،الفائدة الثانية: من مجالسة الصالحين: الاقتداء بهم، فالمرء على دين خليله ، وطبع صاحبه ، وأخلاق جليسه ، ففي مسند أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ » ، والفائدة الثالثة: من مجالسة الصالحين: أن جليسك الصالح يبّصرك بعيوبك، ويدلك على مواضع النقص عندك ، ومواطن العلل في نفسك وخلقك، فتنطلق نحو العلاج ،وإصلاح العيوب، فالمؤمن مرآة أخيه المؤمن، وما أصدق المرآة فهي لا تجامل أحدًا، وكذلك الصديق الصدوق، وفي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَحَدَكُمْ مِرْآةُ أَخِيهِ فَإِنْ رَأَى بِهِ أَذًى فَلْيُمِطْهُ عَنْهُ ». والفائدة الرابعة: من مجالسة الصالحين: أنك تحفظ وقتك الذي هو حياتك، وهو رأس مالك ، فمع الجليس الصالح لن تمر عليك دقيقة إلا وأنت إما في ذكر ،أو نصح ،أو علم، أو مرح مباح، وكل ذلك له مردود عليك ، ففي سنن الدارمي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : (اغْدُ عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً أَوْ مُسْتَمِعاً ، وَلاَ تَكُنِ الرَّابِعَ فَتَهْلِكَ ) . أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الْجَلِيسُ الصَّالِحُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما الفائدة الخامسة من مجالسة الصالحين: أن الجليس الصالح يحفظك في حضرتك ومغيبك، فلا يفشي لك سرًّا، ولا ينتهك لك حرمة، ويدافع عنك في المواطن التي تحتاج فيها إلى نصرته، فالجليس الصالح : أنس في الرخاء، وعدة في البلاء ،وهو خير معين لك على تخفيف همومك وغمومك، وحل مشكلاتك، لا سيما إذا ألمَّت بك الخطوب -لا قدر الله – وضاقت بك الدروب، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “عليك بإخوان الصدق، فعش في أكنافهم؛ فإنهم زين في الرخاء وعُدة في البلاء”. والفائدة السادسة: من مجالسة الصالحين: أنك تنتفع بدعائهم في ظهر الغيب في حياتك وبعد مماتك،( فعَنْ صَفْوَانَ – وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ – وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ قَالَ قَدِمْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَقَالَتْ أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ فَقُلْتُ نَعَمْ. قَالَتْ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ « دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ » رواه مسلم. كما أنك تنتفع بمحبتهم وخلتهم في الآخرة ، قال الله تعالى : { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف: 67 – 68]، ومجالسة الصالحين: سبب لمحبة الله ( فعَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا أَنَا بِفَتًى بَرَّاقِ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ حَوْلَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَنِي بِالْهَجِيرِ – وَقَالَ إِسْحَاقُ بِالتَّهْجِيرِ – وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّى فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلاَتَهُ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَقَالَ آللَّهِ فَقُلْتُ آللَّهِ. فَقَالَ آللَّهِ فقلتُ آللَّهِ. فَأَخَذَ بِحَبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ » رواه أحمد وصححه الألباني. وبالجملة فالجليس الصالح منفعة لك من كل وجه، ورصيد سمعة طيبة حسنة بين العباد في الدنيا؛ فأنت -بين الناس- صديق فلان الصالح، ورصيد أجر وثواب عند الله سبحانه وتعالى؛ أليس الجليس المؤمن هو كما وصفه المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، حيث قال صلى الله عليه وسلم : ” وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ تَغَيَّرْ وَلَمْ تَغَبَّرْ وَلَمْ تَنْقُصْ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّباً وَوَضَعَتْ طَيِّباً وَوَقَعَتْ عَلَى عُودٍ فَلَمْ تَكْسِرْ وَلَمْ تُفْسِدْ ». رواه أحمد وصححه الألباني.
الدعاء