خطبة عن (صحيح السيرة النبوية وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم) 1
مارس 12, 2016خطبة عن ( من مواقف جعفر بن أبي طالب وفضائله)
مارس 13, 2016الخطبة الأولى ( الصحابي جعفر بن أبي طالب: جهاده واستشهاده )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في “صحيحه” (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي غَزْوَةِ مُوتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ » . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِى طَالِبٍ ، فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى ، وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ) وفي رواية: ليس منها شيء في دُبُرِه . وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: 23]. وروى الحاكم في “المستدرك” (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة و هو مخضب الجناحين بالدم أبيض الفؤاد )، وفي المستدرك للحاكم (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس و أسماء بنت عميس قريبة منه إذ رد السلام ثم قال : يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل و ميكائيل و إسرافيل سلموا علينا فردي عليهم السلام ، وقد أخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا و كذا قبل ممره على رسول الله صلى الله عليه و سلم بثلاث أو أربع فقال : لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاثا و سبعين بين رمية و طعنة و ضربة ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت ثم أخذت بيدي اليسرى فقطعت فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل و ميكائيل أنزل من الجنة حيث شئت و آكل من ثمارها ما شئت ،فقالت أسماء : هنيئا لجعفر ما رزقة الله من الخير و لكن أخاف أن لا يصدق الناس فاصعد المنبر فاخبر به ،فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس إن جعفر مع جبريل و ميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه سلم علي ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقي المشركين فاستبان للناس بعد اليوم الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن جعفر لقيهم فلذلك سمي الطيار في الجنة )وفي “صحيح البخاري” (عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ – رضى الله عنهما – كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ . ) . روى مسلم في “صحيحه” عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) قَالَ أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ « أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلاَعَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِى وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا ».
أيها المسلمون
ولقد حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفراق ابن عمه جعفر رضي الله عنه، تقول السيدة عائشة 🙁 لمّا أتى وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحزن )، وفي سنن أبي داود والنسائي ومسند أحمد واللفظ له (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَيْشاً اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ : « فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ أَوِ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ فَإِنْ قُتِلَ أَوِ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ». فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَأَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَتَى خَبَرُهُمُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ « إِنَّ إِخْوَانَكُمْ لَقُوا الْعَدُوَّ وَإِنَّ زَيْداً أَخَذَ الرَّايَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ أَوِ اسْتُشْهِدَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ بَعْدَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِى طَالِبٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ أَوِ اسْتُشْهِدَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ أَوِ اسْتُشْهِدَ ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ». فَأَمْهَلَ ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلاَثاً أَنْ يَأْتِيَهُمْ ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ « لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ادْعُوا لِي ابْنَىْ أَخِي ». قَالَ فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ فَقَالَ « ادْعُوا لِي الْحَلاَّقَ ». فَجِيءَ بِالْحَلاَّقِ فَحَلَقَ رُءُوسَنَا ثُمَّ قَالَ « أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِى طَالِبٍ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي ». ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَها فَقَالَ « اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَراً فِي أَهْلِهِ وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللَّهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ ». قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ – قَالَ – فَجَاءَتْ أُمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ فَقَالَ « الْعَيْلَةُ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( جعفر بن أبي طالب جهاده واستشهاده )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وروى أحمد في مسنده (عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِى طَالِبٍ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ دَبَغْتُ أَرْبَعِينَ مَنِيئَةً وَعَجَنْتُ عَجِينِي وَغَسَّلْتُ بَنِىَّ وَدَهَنْتُهُمْ وَنَظَّفْتُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ائْتِينِي بِبَنِى جَعْفَرٍ ». قَالَتْ – فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ فَشَمَّهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا يُبْكِيكَ أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَىْءٌ قَالَ « نَعَمْ أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ ». – قَالَتْ – فَقُمْتُ أَصِيحُ وَاجْتَمَعَ إِلَىَّ النِّسَاءُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ « لاَ تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَاماً فَإِنَّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ »
أيها المسلمون
هؤلاء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنهم أجمعين ، وهذا هو جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنهم رجالٌ باعوا نفوسهم لله تعالى، فهم أفاضل البشر على الرغم من أنوف المنافقين والمارقين، فيجب أن تقرأ سيرتهم، وأن تحفظ مكانتهم كما حفظها الله تعالى؛ فقد ترضَّى عنهم، فقال سبحانه: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]. فما أجمل أن يربَّى على سيرتهم شباب المسلمين وناشئتهم، وأن يقرأها كبارهم. وما أحسن أن تعطَّر بها المجالس، ويُقضى بسماعها وقت الفراغ؛ ففيها أحكام الشَّرع، وأخبار الجهاد والكفاح، وأنباء البطولات والملاحم، وفيها العبرة والعظة؛ فرضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين .
الدعاء