خطبة عن ( الطريق إلى الجنة )
يناير 20, 2018خطبة عن الصحابي: (سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ)
يناير 20, 2018الخطبة الأولى ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ » ، وفي البخاري : (أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ فَهْوَ كَمَا قَالَ ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ فِى الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهْوَ كَقَتْلِهِ ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ »
إخوة الإسلام
إن المتأمل والمتدبر للحديثين السابقين ، يتبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم وضح لنا في هذين الحديثين أن هناك خصلتين محرمتين في التعامل مع المسلمين: الأولى: سب المسلم وشتمه بأي لفظ سيء سواء أكان باللعن والتقبيح ،أو تشبيهه بالبهائم أو تعييره بعيب ،أو خلق أو غير ذلك من الألفاظ التي تؤذيه ، وتدخل الحزن عليه. فيحرم على المسلم السب والشتم لأخيه المسلم ، ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عف اللسان ، لا يسب ،ولا يشتم ،ولا يقبح أحدا ،فلم يكن فاحشا، ولا متفحشا ، حتى مع خصومه ، بل كان رفيقا في معاملاته مع الآخرين ، ففي الصحيحين (أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجَ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَتْ دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ . قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَهْلاً يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ » .فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ ». فينبغي على المسلم أن يكون لسانه عفيفا ، وكلامه طيبا ، ولا يصدر عنه إلا أحسن الكلام وأعذب الكلمات ، وأن يتجنب الفحش مع الخلق عامتهم وخاصتهم.
أيها المسلمون
وأما الخصلة الثانية مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهي قتل المسلم ، وهذا الفعل من أكبر الكبائر ، وقد ورد فيه وعيد شديد، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (93) النساء ،وقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث بالكفر ، والمراد به الكفر الأصغر ، الذي لا يخرج من الملة باتفاق أهل السنة ، لأن الله عز وجل أثبت أخوة الإيمان للمؤمنين حال اقتتالهم ونزاعهم، فقال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (9) ، (10) الحجرات ،وقال النووي في شرح مسلم: فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة، وفاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأما قتاله بغير حق فلا يكفر به عند أهل الحق كفرا يخرج به من الملة، إلا إذا استحله،، ودم المسلم له حرمة كبيرة عند الله ، وهي أعظم من حرمة البيت العتيق، فيحرم انتهاكها إلا بحق ، وفي سنن ابن ماجة (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ « مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا ». فأهل الإيمان أعف الناس في باب الدماء ، فهم لا يسفكون دما ، ولا يخفرون ذمة ، ولا ينقضون عهدا ، خلافا للمنافقين والفجار ، الذين يستخفون بدماء المسلمين ، وأموالهم وأعراضهم.
أيها المسلمون
ففي هذين الحديثين المتقدمين يرشد الرسول صلى الله عليه وسلم أمته إلى عفتين: عفة اللسان ، وعفة اليد ، وهما من أجل وأجمل خصال المؤمن. لذلك كان من الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه فإن كان خيراً تكلم ، وإلا سكت فسلم ، والسكوت في هذه الحالة عبادة يؤجر عليها، ففي الصحيحين ، يقول صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ » ، ومن المعلوم أن اللسان هو ترجمان القلب، وقد كلفنا الله عز وجل أن نحافظ على استقامة قلوبنا ، واستقامة القلب مرتبطة باستقامة اللسان، ففي مسند أحمد (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ وَلاَ يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ » ، وفيه : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ رَفَعَهُ قَالَ « إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ أَعْضَاءَهُ تُكَفِّرُ لِلِّسَانِ تَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّكَ إِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا ». وفي سنن الترمذي : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِى مِنَ النَّارِ. قَالَ « لَقَدْ سَأَلْتَنِى عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ »….. ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ « كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ». فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ » ، ومن حافظ على لسانه ، وطاب كلامه ، ضمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة ، فقد روى البخاري (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ يَضْمَنْ لِى مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ » . وقال الله تعالى في محكم آياته : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (70) ،(71) الاحزاب ، ولهذا فلقد كان خوف السلف من آفات اللسان عظيماً. فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: ( وما من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ). وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول : ( أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعلت أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تكلم به ) .وقال عمر رضي الله عنه: ( من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به ) .وكان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بلسانه ويقول: ( ويحك قل خيرا تغنم، واسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم . )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما قوله صلى الله عليه وسلم (وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) : أي أن قتال المسلم يُعد أحد الموبقات المهلكات ، فمن المعلوم أن من الضرورات الخمس التي أجمعت عليها أمم الأرض ،من يوم خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة، حفظ الأنفس ، وعدم الاعتداء عليها، ولهذا شدد في عقاب من قتل نفسا بغير حق في الدنيا والآخرة .. فعقابه في الدنيا إزهاق نفسه، كما أزهق نفس غيره. ففي الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِى ، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ » .وقد بين هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية وبعده ابن القيم وفرّقوا لنا بين النوعين من الكفر وقالوا : هناك كفر اعتقادي : كأن يؤمن الواحد من القلب أن الله ليس واحدا .وهناك كفر عملي : كأن أقوم بفعل من أفعال الكفار ، والعياذ بالله .فمن كفر كفرا عمليا فقد قام بعمل كبيرة ، إلا أن هذه الكبيرة لا تمنعه من دخول الجنة ولا تخلده في النار ، فهو كفر دون كفر.
أيها المسلمون
فـلا يجوز في شرع الله سباب المسلم أو ستمه ، كما يحرم قتل المسلم بغير حق أو ترويعه، بل وكل سبب يحزن المسلم ويؤذيه يجب الابتعاد عنه، وهو محرَّم ، وفي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ..) ، والمعاداة قد تكون في القلب فقط ، بدون إيذاء محسوس، فلا يظهر أثرها، أما الأذى فهو أمر ظاهر محسوس سواء أكان بالقول ( كالسّب ) أو بالفعل ، وإذا كان السب بدون حق، تنشأ منه المعادة ، والهجر، والقطيعة ، والخصام .
الدعاء