خطبة عن (غزوة تبوك أو العسرة الأسباب والنتائج والمواقف)
يوليو 19, 2016خطبة عن ( الصحابي : أبو الدرداء)
يوليو 20, 2016الخطبة الأولى ( غزوة تبوك ، أو العسرة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ) (38) ) التوبة ،وقال تعالى :(انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (41) التوبة ،وروى البخاري في صحيحه : (قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم « مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ » . فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ
إخوة الإسلام
بعد استقرار الوضع الداخليّ في مكّة ، توجّه النبي – صلى الله عليه وسلم – بالنظر إلى الخارج لإكمال مهمّة الدعوة والبلاغ ، خصوصاً وأنّ الأنباء كانت قد وصلت إليه أنّ الروم بدأت بحشد قوّاتها لغزو المسلمين ، فأراد النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يبادرهم بالخروج إليهم ، في غزوة عرفها التاريخ باسم ” غزوة تبوك ” وقد جاءت تسمية هذه الغزوة من ” عين تبوك ” التي مرّ بها المسلمون وهم في طريقهم إلى أرض الروم ، وسُمّيت أيضاً بــ” غزوة العسرة ” لما اجتمع فيها من مظاهر الشدّة والعسرة، حيث حرارة الجوّ ، وندرة الماء ، وبعد المكان ، وفوق هذا وذاك كان المسلمون يعيشون حالة من الفقر وضيق الحال ،وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحال في قوله تعالى : ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (117) التوبة ، ونظراً لتلك الظروف الصعبة ، فقد استقرّ رأي النبي – صلى الله عليه وسلم – على التصريح بجهة الغزو على غير عادته ، وذلك لإدراكه بعد المسافة وطبيعة العدوّ وحجم إمكاناته ، مما يُعطي الجيش الفرصة الكاملة لإعداد ما يلزم لهذا السفر الطويل ، إضافةً إلى إن وضع الدولة الإسلامية قد اختلف عن السابق ، حيث تمكّن المسلمون من السيطرة على مساحاتٍ كبيرةٍ من الجزيرة العربية ، ولم يعد من الصعب معرفة وجهتهم القادمة .
أيها المسلمون
وهكذا أعلن النبي – صلى الله عليه وسلم – النفير ، وحث الناس على الإنفاق في سبيل الله قائلاً : « مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ » رواه البخاري ، فاستجاب الصحابة لندائه ، وضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء ، فأما عثمان بن عفان رضي الله عنه فانطلق مسرعاً إلى بيته وأخذ ألف دينار ووضعها بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وتكفّل بثلاثمائة بعير بكامل عدّتها ، فاستبشر النبي – صلى الله عليه وسلم – من فعله وقال صلى الله عليه وسلم :« مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ » رواه الترمذي ،وفي سنن أبي داود وغيره (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِى فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قُلْتُ مِثْلَهُ. قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ – رضى الله عنه – بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ لاَ أُسَابِقُكَ إِلَى شَىْءٍ أَبَدًا.) ،وتصدّق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بألفي درهم ، إلى جانب الصدقات العظيمة التي قدّمها أغنياء الصحابة كالعباس بن عبد المطلب ، وطلحة بن عبيد الله ، ومحمد بن مسلمة ، وعاصم بن عدي ، رضي الله عنهم أجمعين . وكان لفقراء المسلمين نصيبٌ في الصدقة ، حيث قدّموا كل ما يملكون في سبيل الله مع قلّة ذات اليد ، فمنهم من أتى بصاعٍ من تمر ، ومنهم من جاءّ بنصف صاعٍ أو أقلّ .
أيها المسلمون
واستغلّ المنافقون هذه المواقف المشرّفة للسخرية من صدقات الفقراء ، والتعريض بنوايا الأغنياء ، وقد كشف القرآن عن خباياهم ،فقال سبحانه : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( التوبة : 79 ) . وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ قَالَ لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نَتَحَامَلُ فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا ، وَمَا فَعَلَ هَذَا الآخَرُ إِلاَّ رِئَاءً . فَنَزَلَتْ ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِى الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ ) ( التوبة : 79 ) . كما حاولوا أن يصدّوا الناس عن الخروج ، بالترهيب من لقاء العدوّ تارةً ، والترغيب في الجلوس والإخلاد إلى الراحة تارةً أخرى ، خصوصاً أن الغزوة كانت في وقت شدّة الحرّ وطيب الثمر . قال تعالى : (وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (81) ) التوبة ، وجاء الفقراء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يطلبون منه أن يعينهم بحملهم إلى الجهاد ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يعتذر بأنّه لا يجد ما يحملهم عليه من الدوابّ ، فانصرفوا وقد فاضت أعينهم أسفاً على ما فاتهم من شرف الجهاد مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فخلّد الله ذكرهم إلى يوم القيامة ، وأنزل فيهم قوله: { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } ( التوبة : 91 – 92 ) ، وكانت رغبتهم الصادقة في الخروج سبباً لأن يكتب الله لهم الأجر كاملاً ، فقد جاء في صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ « إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ « وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( غزوة تبوك ، أو العسرة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما المنافقون فقد تخلّف معظمهم عن الغزو ، وقاموا بادّعاء الأعذار الكاذبة ، فمنهم من اعتذر بعدم القدرة على السفر ، ومنهم من اعتذر بقلّة المتاع ،ومنهم من اعتذر بشدّة الحرّ ، ومنهم من اعتذر بإعجابه بالنساء ، وخوف الفتنة بنساء الروم ، فقبل النبي – صلى الله عليه وسلم – أعذارهم ، وأنزل الله آياتٍ في سورة التوبة تفضح أمرهم ، وتكشف حقيقة كذبهم ، وتنذرهم بالعذاب الأليم . وبدأت البلابل والأراجيف وقام المنافقون بالتململ والاعتذار عن المشاركة في الغزوة وخافوا على أنفسهم من القتل والأسر بسبب قوة الروم وكثرتهم وأخذوا يثبطون المسلمين ويوهنون عزائمهم ويبثون بينهم الخوف والفزع ويقولون لهم غداً سنراكم مقيدين في السلاسل ونسمع أخباركم بأنكم أسرى عند الروم ،وقال بعضهم لبعضٍ: أتحسبون جلاد بني الأصفر، كقتال العرب بَعضِهم لبعض؟ واللهِ لكأنَّا بكم غدًا مقرَّنين في الحِبال، إرجافًا وترهيبًا للمؤمنين ،قال تعالى : ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ * قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ التوبة 50، 51. وأنزل الله فيهم : ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ التوبة 47 ، 48. وجاء الجد بن قيس وكان منافقاً فاعتذر عن اللحاق بالجيش الإسلامي خشية أن تفتنه نساء الروم – نساء بني الأصفر – وقال يا رسول الله ائذن لي ولا تفتني فأنزل الله ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ التوبة 49. وفي سنن البيهقي (وَتَخَلَّفَ الْمُنَافِقُونَ وَحَدَّثُوا أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ أَبَدًا وَثَبَّطُوا عَنْهُ مَنْ أَطَاعَهُمْ وَتَخَلَّفَ عَنْهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لأَمْرٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ عُذْرٌ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ وَأَتَاهُ جَدُّ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ جَالِسٌ فِى الْمَسْجِدِ مَعَهُ نَفَرٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى فِى الْقُعُودِ فَإِنِّى ذُو ضَيْعَةٍ وَعِلَّةٍ لِى بِهَا عُذْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « تَجَهَّزْ فَإِنَّكَ مُوْسِرٌ لَعَلَّكَ تُحْقِبُ بَعْضَ بَنَاتِ الأَصْفَرِ ». فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى وَلاَ تَفْتِنِّى بِبَنَاتِ الأَصْفَرِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ وَفِى أَصْحَابِهِ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِى وَلاَ تَفْتِنِّى أَلاَ فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) التوبة 49. وفي سنن البيهقي (وَكَانَ فِيمَنْ تَخَلَّفَ ابْنُ عَنَمَةَ أَوْ عَنَمَةُ مِنْ بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَقِيلَ لَهُ : مَا خَلَّفَكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ : الْخَوْضُ وَاللَّعِبُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وأنزل الله فيهم : ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾. ومن المنافقين من تعذر بالحر ورضي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب في الحر ولم يرضى لنفسه الحر وكأنه خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيهم : ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ إلى أن قال الله ﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾. وقال تعالى عنهم: ﴿ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا ﴾– أي لو كانت المسافة إلى الروم قريبة والسفر مناسباً – ﴿ لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ﴾ – أي المسافة – ﴿ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ﴾ – يحلفون كذباً ونفاقاً –﴿ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾ – بهذه الأيمان الكاذبة والحلف الزائف – ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [التوبة: 42] ،وقال تعالى : ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46]. فلامهم الله على قعودهم مع القاعدين والعجزة والنساء وعدم مشاركتهم في الغزوة وهجر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الصحابة لأنهم لم يخرجوا معه في الغزوة وآثروا الراحة والدعة ،ثم تاب الله عليهم بعد الغزوة عندما تابوا واعتذروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأنزل الله فيهم :﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118]. ونستكمل أحداث الغزوة إن شاء الله
الدعاء