خطبة عن حديث (أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى)
سبتمبر 5, 2023خطبة عن (أَرْسَلْنَاكَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
سبتمبر 5, 2023الخطبة الأولى ( فَأَنَا اللَّبِنَةُ ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ ، وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي مثل فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموكب الكريم موكب الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) وتعاقب إرسالهم إلى الناس بالبيت الذي أسست قواعده ، ورفع بنيانه , وقد اعتنى صاحبه عناية شديدة بعمارته ،وتزيينه ، حتى بلغ الغاية في الحسن والجمال , ولم يبق له إلا موضع حجر في زاوية به ، يتم هذا البناء ويكتمل حسنه وجماله , فشبه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ،وما بعث به من الرسالة الخاتمة , بهذا الحجر الذي اكتمل به هذا البنيان , فبمبعثه عليه الصلاة والسلام ختمت الرسالات , وتمت الشرائع , وقامت الحجة على العباد , وجمع الله عز وجل في هذه الشريعة ما تفرق في الشرائع السابقة ، من الخير والهدى , فجاءت بجميع مصالح العباد الدنيوية والأخروية , منظمة لنواحي حياتهم المختلفة , مغنية لهم عما سواها في جميع شؤونهم , ولو طال بهم الأمد , واختلفت الأحوال والظروف , حضارة وثقافة , وقوة وضعفاً
فمحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين ،وبالأولى خاتم المرسلين، فلقد ختم الله تعالى به النبوة ، فطبع عليها ،فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة ،وختم به النبوة صلى الله عليه وسلم لأنه شرع له من الشرائع ما ينطبق على مصالح الناس في كل زمان وكل مكان، لأن القرآن ما ترك أما من أمهات المصالح إلا جلاها ، ولا مكرمة من أصول الفضائل إلا أحياها ، فتمت الرسالات برسالته إلى الناس أجمعين. قال العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى: “وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا بعده فهو كذاب دجال ضال مضل”. كما بين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن النبوة انقطعت بنبوته الخاتمة ، وأنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤية الصالحة، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ) ، وفي سنن ابن ماجه : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلاَ فَخْرَ وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ ».وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِى ، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ)، فهذه النصوص وكثير غيرها تبين لكل ذي عينين وعقل صريح وقلب سليم، أنه لا نبي بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأن سلسلة الأنبياء قد انتهت به، وأن كل من ادعى النبوة في حياته أو بعد مماته إنما هو كذاب ضال مضل.. فهذه النصوص النبوية تجزم بما لا يدع مجالاً للشك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو النبي الخاتم، وقد انقطع الوحي بوفاته، صلى الله عليه وسلم. يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: “إن الأمة فهمت بالإجماع من هذا اللفظ أي (وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِى)، ومن قرائن أحواله أنه أفهم عدم نبي بعده أبداً، وإنه ليس فيه تأويل ولا تخصيص، فمنكر هذا لا يكون إلا منكر الإجماع” ، وقال الزمخشري: “فإن قلت كيف كان آخر الأنبياء وعيسى ينزل في آخر الزمان؟ قلت: معنى كونه آخر الأنبياء أنه لا ينبأ أحد بعده، وعيسى مما نبئ قبله، وحين ينزل، ينزل عاملاً على شريعة محمد مصلياً إلى قبلته كأنه بعض أمته” ، وقال البيضاوي في تفسيره: “محمد، صلى الله عليه وسلم، آخر أنبياء الذي ختمهم أو ختموا به، ولا يقدح فيه نزول عيسى بعده، لأنه إذا نزل كان على دينه” ، فالمسلم يجب أن يكون معتقداً اعتقاداً جازماً بأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو خاتم الأنبياء، وإن عدم الإيمان بختم النبوة بمحمد، صلى الله عليه وسلم، فهذا جزم بأن صاحب هذا الاعتقاد كافر وليس بمسلم على الإطلاق، فالإيمان بختم النبوة من المسلمات ومن الأمور المعروفة في الدين بالضرورة، وقد ادعى رجل في عصر الإمام الأعظم أبي حنيفة النبوة وقال أنه عنده دليل على صحة نبوته فقال الإمام الأعظم رضي الله عنه: من طلب منه الدليل فقد كفر، لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال في الحديث الصحيح:(وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِى )
أيها المسلمون
وإن المتدبر والمتأمل لهذا الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة « إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ ، وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ »، هنا يتصور الإنسان نفسه أمام بناء حضاري كبير، متين في أساسه، شامخ في عظمته، مرصوص في بنيانه، رائع في هندسته، متناسق في ألوانه، جميل في مناظره، استغرق بناؤه أحقاباً طويلة، وتعاضدت في إنشائه خبرات المهندسين، وجهود البنّائين، وأيدي العاملين على مر العصور، وتعاقب الأجيال، إذ إنه في كل جيل يرسل الله تعالى من يبني فيه لبنة، ويزيد فيه حسنة، حتى تكامل البناء من جميع جوانبه. هذا البناء الشامخ المتكامل هو الإنسان، إذ جعله الله تعالى خليفة في الأرض، وسخر له ما في الأرض جميعاً من بحار وأنهار، وجبال وأشجار، وطير وحيوان، وسماء وهواء، ومخلوقات وكائنات؛ ليقوم بواجب عمارة الأرض وبنائها، ويحسن أداء الأمانة التي حمله الله إياها بمقتضى عبوديته الخالصة لله تعالى. وقد زود الله هذا الإنسان بقدرات هائلة، ووهبه صفات عظيمة، ومنّ عليه بالعقل والحرية، وأودع فيه ملكات تعينه على أداء مهمته المنوطة به، وأرسل إليه الرسل ليجعلوا منه الإنسان الخليفة الفاضل، فقاموا ببناء عقيدته وأخلاقه، وتهذيب سلوكه وصفاته، وتنمية عقله وملكاته، واستغلال طاقاته وقدراته، والحد من كبريائه وعنفوانه، ليعمر ولا يدمر، ويبني ولا يهدم، ويصلح ولا يفسد. وإن الدارس لسير الأنبياء ليجد أنهم قد تعاونوا جميعاً في بناء الإنسان، إذ قام كل نبي بما أوحى الله إليه ببناء لبنة في صرح الإنسانية، بدءاً من آدم – عليه السلام -وانتهاءً بخاتم النبيين سيدنا محمد بن عبدالله – صلى الله عليه وسلم- الذي وضع آخر لبنة اكتمل بها البناء، ولم يعد بعده من حاجة إلى أنبياء ومرسلين، لأن الهدف من إرسال الرسل هو بناء الإنسان، وقد اكتمل بناؤه، فانقطع الوحي، وختمت الرسالات السماوية بالإسلام.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَأَنَا اللَّبِنَةُ ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد الكثيرة والمتعددة ، والتي يمكن ان نستنبطها من خلال قراءتنا لهذا الحديث : أولا : حاجة البشرية إلى بعثته – صلى الله عليه وسلم-؛ لإكمال الرسالات، وختم الشرائع. قال النووي –رحمه الله -: فِيهِ فَضِيلَته – صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَأَنَّ اللَّه خَتَمَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَكْمَلَ بِهِ شَرَائِع الدِّين
ثانيا : أن الله – عز وجل- أرسل محمداً – صلى الله عليه وسلم- للإنس والجن، من مبعثه إلى أن تقوم الساعة، ولذا جاءت شريعته كاملة وشاملة، وصالحة لكل زمان ومكان إلى آخر الدهر ، وأنه لا نبي بعد النبي – صلى الله عليه وسلم-، وبه يتبين كذب كل من ادعى النبوة بعد بعثته، قديماً وحديثاً.
ثالثا : أن الأنبياء ( عليهم الصلاة والسلام) منارات يُهْتَدَى بهم، ودعاة خير يتأسى بهم، دينهم واحد وهو توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبودية، وإن اختلفت شرائعهم، فالواجب الإيمان بهم، ومحبتهم، وقد نسخت جميع الشرائع بشريعة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم-، فلا سبيل إلى السعادة والفلاح في العاجل والآجل إلا بالإيمان به ومحبته، واتباع هديه – صلى الله عليه وسلم– وَفِي الْحَدِيث جواز ضَرْب الْأَمْثَال لِلتَّقْرِيبِ لِلْأَفْهَامِ.
الدعاء