خطبة عن حديث ( لاَ يُدْخِلُ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ)
نوفمبر 5, 2016خطبة عن ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)
نوفمبر 6, 2016الخطبة الأولى ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : “وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) (113) هود
إخوة الإسلام
إنّ هذه الآية الكريمة من كتاب الله ، لَتستوقف كلَّ ذي لُبّ ، وتنبّه كل ذي حسّ، فهيا إلى وقفة مع تلك الفئة من النّاس ، التي تُعمّر بنيان الاستبداد ، وتعظم سواده ، وتسترضي الظلم ، ولا تنفر منه، وهذه الفئة تتواجد في مختلف الفئات الاجتماعية باختلاف مستواها العلميّ أو ميلها الفكريّ وهي فئة الراكنين إلى الظلمة ، قال تعالى : (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) ، ولنا مع هذه الآية وقفات : الوقفة الأولى: في قوله تعالى ” وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا” فهو نهيّ لم يتكرر في القرآن الكريم، وقد تفرّدت به هذه الآية من سورة هود ، والتي اشتملت على قصص سبعة أقوام يجمعهم وصفهم بالظلم والطغيان في أكثر من موضع في كتاب الله تعالى، ومما جاء من أقول السلف في هذه الآية : فلابن عباس رضي الله عنهما قولان: أحدهما: النهي عن الركون إلى أهل الشرك. ثانيهما: النهي عن مداهنة أهل الظلم، على معنى قوله تعالى: { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } (القلم:9)، والمداهنة نوع من النفاق والمصانعة، ومداهنتهم تكون بالرضا على ظلمهم وعدم الإنكار عليهم. وروي عن أبي العالية ، قوله: { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } ،
يقول: لا ترضوا أعمالهم. وروي عن قتادة ، قوله: { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا }، يقول: لا تلحقوا بالشرك، وهو الذي خرجتم منه. وقال الطبري في معنى النهي: ولا تميلوا، أيها الناس، إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله، فتقبلوا منهم، وترضوا أعمالهم. قال ابن كثير تعقيباً على قول الطبري: وهذا القول حسن، أي: لا تستعينوا بالظلمة، فتكونوا كأنكم قد رضيتم بصنيعهم ،ويتضح لنا أن مما ذهب إليه المفسرون أن من معاني( الركون) : الميل والسكون والمحبة والرضا بالظالمين وأفعالهم ، والاشتراك بتزيين الظلم، والمداهنة للظالمين من زيارة ومصاحبة ومجالسة والحديث عنهم بالفضل، والاعتماد عليهم، حتى أنّ الإمام الزمخشريّ قد أضاف أنّ من هذا الركون التزيّي بزيّ الذين ظلموا
أمّا المراد بالذين ظلموا : فهم مرتكبوا الظلم فعلاً ، أيّ كل من اتصف بصفة الظلم وكان متحققاً فيه، أو هم تلك الفئة التي بات الظلم صفة غالبة عليهم فعُرّفوا بفعلهم لشدة التصاقه بهم، والمعنى العام للآية : أي: لا تَسكُنوا إلى أهلِ الظُّلمِ ولا تَرضَوا بظُلمِهم، لا تَميلوا إلى الجَبّارينَ الطُّغاةِ الذينَ يَظلِمونَ عبادَ الله، ولا تَستَعينُوا بهم، ولا تَستَنِدوا إليهم، فتَكونوا كأنَّكمْ قدْ رَضِيتُمْ بأعْمالِهم، ويكونُ ركونُكمْ إليهمْ إقرارًا لهمْ على ما يُزاوِلونَهُ منْ ظُلمٍ ومُنكَر.
أيها المسلمون
يقول الشيخ الشعراويّ رحمه الله عند هذه الآية الكريمة ، وهو يستجلي آثار الركون إلى الظالم ، وممالأته على ظلمه :
فيقول : (وأنت إذا ركنت للظالم ؛ أدخلت في نفسه أنّ لقوّته شأناً في دعوتك .! وآفة الدنيا هي الركون للظالمين ؛ لأنّ الركون إليهم إنّما يشجّعهم على التمادي في الظلم ، والاستشراء فيه . وأدنى مراتب الركون إلى الظالم ألاّ تمنعه من ظلم غيره ، وأعلى مراتب الركون إلى الظالم أن تزيِّن له هذا الظلم ؛ وأن تزيِّن للناس هذا الظلم . وأنت إذا استقرأت اليوم وضع الظلم في العالم كلّه تجد أنّ آفات المجتمعات الإنسانيّة إنّما تنشأ من الركون إلى الظالم ؛ لكنّك حين تبتعد عن الظالم ، وتقاطعه أنت ومن معك ؛ فلسوف يظنّ أنّك لم تُعرْض عنه إلاّ لأنّك واثق بركن شديد آخر ؛ فيتزلزل في نفسه ؛ حاسباً حساب القوّة التي تركن إليها ؛ وفي هذا إضعاف لنفوذه ؛ وفي هذا عزلة له وردع ؛ لعلّه يرتدع عن ظلمه . والركون للظالم إنما يجعل الإنسان عرضة لأن تمسّه النار بقدر آثار هذا الركون ؛ لأنّ الحقّ سبحانه يقول :
{ وَلاَ تركنوا إِلَى الذين ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النار ، وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاءَ ، ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } [ هود : 113 ] .
فأنتم حين تركنون إلى ظالم إنّما تقعون في عداء مع منهج الله ؛ فيتخلّى الله عنكم ولا ينصركم أحد ؛ لأنّه لا وليَّ ولا ناصر إلاّ الله تعالى . ويقول الحسن رحمه الله : جعل الله الدين بين لاءين : ( وَلا تَطْغَوْا .. وَلا تَرْكَنُوا ) ” ،وهذا الإمام الزهريّ على رفعة قدره في العلم لمّا خالط السلاطين رأى في مخالطته أخ له ناصح خطراً على دينه فكتب إليه واعظاً مذكّراً : ” عافانا الله وإيّاك أبا بكر من الفتن ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك : أصبحت شيخاً كبيراً ، وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه ، وعلّمك من سنّة نبيّه ، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء ، قال الله سبحانه : ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ، وَلا تَكْتُمُونَهُ ) …” واعلم أنّ أيسر ما ارتكبت ، وأخفّ ما احتملت : أنّك آنست وحشة الظالم ، وسهّلت سبيل الغيّ ، بدنوّك ممن لم يؤدّ حقّاً ، ولم يترك باطلاً ، حين أدناك اتخذوك قطباً ، تدور عليك رحى باطلهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم ، وسلّماً يصعدون فيك إلى ضلالهم ، يدخلون الشكّ بك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهلاء ، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا عليك ، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا عليك من دينك ، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ ، فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم 59، فإنّك تعامل من لا يجهل ، ويحفظ عليك من لا يغفل ، فداو دينك ، فقد دخله سقم ، وهيّئ زادك فقد حضر السفر البعيد ، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ، والسلام ”
أيها المسلمون
فالظاهر المشهود أنّ الركون إلى الظالمين ـ وبخاصّة من قبل العلماء ـ إنّما يبدأ بالدخول عليهم في أوّل الأمر ، ثمّ ما يلبث كثير من هؤلاء أن يستحلُوا حديثهم ، ويقبلوا تبريرهم لأعمالهم ، بل يخدعوا بأقوالهم ، ثمّ يترخّصون في قبول هباتهم وأعطياتهم ، فتسكت ألسنتهم ، ويتحوّل الدخول عليهم من دخول لله ، وابتغاء مرضاته ، إلى دخول لحظّ النفس ، وركون إليهم ، وإلى ما هم فيه من ترف الدنيا وظلم العباد .. ولا عاصم من ذلك إلاّ تقوى الله تعالى ، وإخلاص العمل لوجهه ، واستشعار هيبته وعظمته ، والوقوف بين يديه ، مع الحرص على الاقتصار على قدر الضرورة في الدخول ، وألاّ ينفرد العالم الواحد بذلك ، بل يدخل مع لفيف من إخوانه العلماء ، ويستشيرهم فيما يأتي ويذر ، فلا يستطيع الظالم استمالته إليه وإغواءه .. فيا أيّها الراكنون إلى الظالمين ، والممالئون لهم ، والمبرّرون لجرائمهم .! أما تعلمون أنّكم شركاء لهم في مآثمهم .؟! ويوشك أن تكونوا ممّن باع دينه بدنيا غيره .. أما آن لكم أن تعيدوا النظر في موقفكم ، وتصحو ضمائركم ، بعد كلّ هذه الدماء ، وما يرتكب هؤلاء الظالمون في الأرض من الجرائم والإفساد .؟!
أيها المسلمون
وقوله تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) هي من الآيات الواضحات في التحذير من ولاية غير المؤمنين. بل إن الآية تنهى عن مجرد الركون والاطمئنان إليهم، فما لنا من دون الله من أولياء، ولئن ابتغينا منهم مساعدة أو نصرا، فإن النصر من عند الله وحده. وأنى لعدوك أن يكون صادقا معك في أي شأن عادي، فكيف بمسألة متعلقة بنصرك وتفوّقك؟
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن بين الركون إلى الظلمة ، الولاء لهم ، وعدم البراء من ظلمهم ، وإن القرآن واضح كل الوضوح في مسألة الولاء والبراء، بل جعلها من مسائل التوحيد. والآيات كثيرة في توضيح الولاء، وأنه لله ورسوله وللمؤمنين؛ وليس أي مؤمنين، بل الذين خضعوا لله تعالى واتضحت هويتهم ومقاصدهم. ولذلك جاء في سورة المائدة التي حذرت من ولاية اليهود والنصارى على وجه التحديد فقال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” (المائدة، الآية 51)، وبينت بعدها أن الذين يسارعون فيهم هم المنافقون. وبعدها جاء السياق بالحديث عن الردة، وكأن الله يقول إن اتخاذ غير الله وليا قد يقود إلى الردة، وبعدها جاء النص حاسما: “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ” (المائدة، الآيتان 55 و56). ولا بد من إدراك حقيقة هذا الصراع العالمي، ليس الآن فقط، بل على مر التاريخ، حيث سنة المدافعة بين الحق والباطل. فلا يمكن أن يكون غيرنا محبا وعينا لنا لسواد عيوننا، فإن كان فلأهداف يريدونها. وانظروا ما حل بالمؤمنين عبر التاريخ حين خسروا أرضهم في أكثر من مكان بسبب الولاء، وحصل الاقتتال بينهم بسبب الولاء والنزاع. ولا أستبعد ما يجري اليوم من مؤامرات على الأمة المسلمة، فالقوم يضحكون بوجوهنا ويظهرون حرصهم علينا، ولكن إذا نظرنا إلى أي مكان دخلوه فهي الفتن والقتل والدمار، فلا يمكن لعدوك أن يكون نصيرك ومعينك، فله أهدافه كما لك أهدافك، ولا بد من إدراك هذه الحقيقة. ومع هذا، فالولاء على وجه التحديد لا يكون مع غير المؤمنين كما نصت النصوص صراحة، خاصة حين يكون المسلمون في حال الضعف، فعندها يملي الآخر شروطه ويضر بالمسلم، وهذا ما ينبغي أن نفهمه، فلا نركن إلى الذين ظلموا. والعجيب في النص أنه ينقلنا مباشرة إلى الحديث عن الآخرة (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) (113) هود ،فاستحضار صورة العذاب الأخروي ضروري للتنفير من هذا الأمر في الدنيا، فما لنا من أولياء من دون المؤمنين، وحين نتخذ غير الله ولي فلن ننتصر، كلام واضح لا لبس فيه. فمن الضروري تماسك المجتمع وتفاهمه، وبناؤه على الثقة بالله أولا وبأنفسنا جميعا ثانيا، أما الركون إلى أعدائنا ومد يد العون لهم، فهم وإن أعانونا وبكوا معنا أو فرحوا معنا، فوراء ذلك ما وراءه، ولن يكون كلام الله عبثا، وفي ذلك ذكرى لأولي الألباب. فيا أيها الظلمة ويا أعوان الظلمة وأشباه الظلمة ، ويا من برى لهم قلما أَوْ لاقَ لَهُمْ دَوَاة (أي ليّن لهم المحبرة فهيّأها للكتابة ) ،وإلى كلّ من يعمل لصالح أعداء الملة والدين ، ولكلّ من اعانهم وأيّد اعمالهم وكلّ من أيد افكارهم ، وكل من وقف بجانب الظالمين ،انتبهوا ، فالله يناديكم ويحذركم بقوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾ [ هود: 113]
الدعاء