خطبة عن قوله تعالى(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
يوليو 1, 2017خطبة عن قوله تعالى ( كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ)
يوليو 1, 2017الخطبة الأولى ( إذا الإيمان ضاع فلا أمان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } (الأنعام/82) ،وقال سبحانه :{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور/55)
إخوة الإسلام
إن أَمْنَ الناسِ في أوطانهم وأمانهم في معيشتهم لمن أجلِّ وأعظمِ النعم التي منَّ الله تعالى بها على عباده . والأمان للفرد شعورٌ داخلي يجعل المرء مطمئناً في حياته، والأمان للمجتمع والدولة هو ذلك السمت الذي يسيطر على واقعها فيجعل الحياة فيها تسير في مقوماتها بانسياب وطمأنينة. والأمن ضد الخوف، وهو: عدم توقع مكروه في الزمان الآتي. وبهذا الأمن يطمئن الناس على دينهم وأموالهم وأنفسهم وأعراضهم، وبذلك يتفرغون لما يصلح أمرهم ويرفع شأنهم وشأن مجتمعهم. والأمن مقصود في سائر الشرائع السماوية سواء في العبادات أو المعاملات، فالعبادة يقصد بها سلامة النفس والمال والعرض والدين والعقل ، والمعاملات يُقصد بها تنظيم الحياة الاجتماعية بكل وجوهها. ومن أجلِ ذلك كان أول دعاء دعاه نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ بعد أن عهد الله تعالى إليه عمارة المسجد الحرام وتطهيره للعابدين فيه . كان دعاؤه ـ عليه السلام ـ : {رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (البقرة/126)، وقد استجاب الله تعالى لدعائه ـ عليه السلام ـ فجعله حرماً آمناً لا يُسفك فيه دمُ إنسان ولا يُظلم فيه أحدٌ ولا يُصاد صيده ولا يختلى خلاه . ولكن العبيد عندما يكذبون رسل ربهم ،ويعرضون عن دينه سبحانه الذي هو دين الإسلام ، والذي لن يُقبلَ من أحدٍ دين سواه ، قال تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (آل عمران/85) ،فهم بذلك يعرِّضون أنفسهم لعقابِ الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة ، ومن ألوان هذا العقاب سلب الأمن والأمان منهم . قال تعالى : {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ . وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (النحل/112،113) يقول الشاعر : إذا الإيمان ضاع فلا أمانَ *** ولا دنيا لمن لم يحي دينَا
ومَن رَضِيَ الحياة بغير دِين *** فقد جعل الفناء لها قرينَا
أيها المسلمون
والأمَّة الإسلاميَّة اليوم تمرُّ بحقبة زمنيَّة لا تُحسد عليها ، لما اعتراها من الضّعف والذِّلَّة والهوان أمام أمم الكفر والطُّغيان وعبَّاد الصُّلبان، وصار المسلمون عرضةً للإهانة ومثلا للشَّماتة، ولم يعدْ يُخشى لهم جانبٌ، ولا يبالي بهم عدوٌّ ولا صاحبٌ، وما ذاك إلَّا لأنَّ الأمَّة التي شرَّفها الله بأكمل دين وأفضل نبيٍّ قد قَصَّرت في الأخذ بسبب العزِّ والتَّمكين، وتخلَّت عن طريق الرُّشد والهداية، وسلكت سُبلاً مختلفة عن سبيل الله فألقت بهم في أودية الغيِّ والرَّدى، وباتت الدُّنيا أكبر الهمِّ على النُّفوس، وخفتت شعلةُ الإيمان في القلوب، وصار النَّاس أكثر إيمانًا بما يرون ويشاهدون من الإيمان بما أُخْبِروا به عن طريق الوحي من الغيوب، وكأنَّهم لم يسمعوا إلى ربِّهم وهو يَعِدُهم الوعود الكثيرة من أنَّ سعادتهم في الدُّنيا والآخرة منوطةٌ بتحقيق الإيمان، قال الله تعالى: ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]، وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ [غافر: 51]، وقال تعالى: ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ [الصف: 14]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 68]، وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 19]، وقال تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ [النساء: 141]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: 38]. فهذه الآيات ضمانٌ من الله تعالى لمن حقَّق الإيمان الَّذي أمر الله به رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – علمًا وعملاً وحالاً، أن يحقِّق له العلوَّ والعزَّة والنُّصرة والتَّأييد والأمن ، وولايته له ومعيَّته ودفاعه عنه في كلِّ الأزمنة وجميع الأمكنة، فبقدر ما يكون في الأمَّة من الإيمان يكون حظُّها ونصيبُها من هذِه الأمور، فإذا ضعُفت حقائقُ الإيمان وواجباتُه علمًا وعملاً، ظاهرًا وباطنًا، هَزُلت الأمَّة وذهبَ علوُّها وعزُّها، وفقدت أمنها، ولم يحالفها النَّصر والتَّأييد، ولم تَحْظَ بحفظ الله وعنايته وولايته، وفاتها دفاعُ الله عنها.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إذا الإيمان ضاع فلا أمان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
من أراد لهذه الأمَّة أن تستعيد مجدها وسموَّها، وتستردَّ رِيادَتَها وعافيتَها ، وأمنها ، فليدعُ أفرادَها ليأخذوا بالإيمان ويتحلَّوْا به علمًا وعملاً وحالاً، وأنَّ أيَّ سَعْيٍ لتحقيق المجدِ والرِّفعة والأمن على غير هذا المنهج القويم فهو سعي وراء السَّراب، ولن يجني صاحبُه غيرَ العذاب، وتأخيرَ النَّصر أحقابًا أخرى، وفقد الأمن والأمان على مستوى الفرد والجماعة والأوطان . وليُعلم أنَّ من ظنَّ أنَّه حقَّق الإيمانَ ،ثمَّ لم يجد هذه الثِّمار الموعودِ بها، فليرجع على نفسِه باللَّوم والعِتاب؛ لأنَّه ليس أحد أصدق من الله قيلاً، ولا أوفى منه عهدًا، وسنن الله لا تتبدَّل ولا تتحوَّل؛ والواجبُ الَّذي لا يجوزُ غيرُه إساءةُ الظَّنِّ بالنَّفس وحسن الظَّنِّ بالله – عزَّ وجلَّ -؛
أيها المسلمون
هذه هي نعمة الأمن والأمان ، وتلك هي نقمة البعد عن شرع ربنا الرحمن . فواجب على الناس كل الناس أن يعودوا إلى الله تعالى بأن يعبدوه سبحانه وتعالى وحده ويتبعوا رسوله (صلى الله عليه وسلم) ،يقول الله سبحانه وتعالى في محكم آياته : {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ } (المائدة/66)
الدعاء