خطبة عن (المؤمن والبلاء) (إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ)
سبتمبر 23, 2017خطبة عن (مِنَ الْهُدْهُد نتعلم): (فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)
سبتمبر 23, 2017الخطبة الأولى (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (208) ،(209) البقرة
إخوة الإسلام
في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} : هذا أمر من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين به ، المصدّقين برسوله صلى الله عليه وسلم ، أن يأخذوا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ونواهيه ، ما استطاعوا من ذلك ،وقد جاء في تفسير قوله تعالى : {فِي السِّلْمِ} أي : في الإسلام ، وقيل: في الطاعة ، وفي قوله تعالى :{كَآفَّةً} قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة والضحاك: {كَآفَّةً} أي : جميعاً، وقال مجاهد: {كَآفَّةً} أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر. وقال ابن كثير: أن المؤمنين أمروا كلهم أن يعملوا بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام، وهي كثيرة جدًا ما استطاعوا منه ، ففي هذه الآيات البينات ينادي الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين، آمراً إيَّاهم بالدخول في الإِسلام دخولاً شمولياً، بحيث لا يتخيرون بين شرائعه وأحكامه ، فما وافق مصالحهم وأهواءهم قبلوه ، وعملوا به، وما لم يوافق أهواءهم ردوه ، أو تركوه ، أو أهملوه، فواجب عليهم أن يقبلوا شرائع الإِسلام وأحكامه كافة، كما نهاهم الله تبارك وتعالى عن اتباع خطوات الشيطان في تحسين القبيح وتزيين المنكر ، وقد حذر القرآن الكريم النبي-صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين ، من مطاوعة المشركين في الإعراض عن بعض المنهج الرباني حين قال سبحانه في محكم آياته : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة (49) ،(50) ، ودين الاسلام يشمل قضايا الدنيا والآخرة من كل نواحيها ، فيقدم لها حلاً ناجعاً، ورداً مقنعاً، فالإسلام دين الفرد والمجتمع، ودين الخاصة والعامة، ودين الرجال والنساء، ودين المسجد والسوق، فهو دين الدنيا والآخرة، والإسلام عقيدة في القلب، نعم عقيدة حية متحركة دافعة، وينبثق عن هذه العقيدة عبادة تتحدد فيها صلة الإنسان بربه- تبارك وتعالى-، ويقوم عليها منهج متكامل للحياة، ينظِّم هذا المنهج علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وعلاق الإنسان بالكون من حوله، ويضع معالم العلاقة بين الأمة المسلمة وغيرها من الأمم الأخرى، فهو الدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى -على رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم -، فأكمله ، وأتم به النعمة ، ورضيه لنا ديناً ، قال تعالى : (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً) [المائدة: 30]. ولذلك أمر الله – سبحانه وتعالى – بالدخول في الإسلام كله، فقال سبحانه : (يَا أَيٌّهَا الَذِينَ آمنوا ادخُلُوا فِي السِّلمِ كَافَّةً). ويتحقق هذا عندما يأخذ المسلمون بجميع عُرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره وأحكامه، وترك جميع زواجره ونواهيه ، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا . فمن الواجب على المؤمنين أن يستسلموا لله بكليّاتهم ، في ذوات أنفسهم، وفي الصغير والكبير من أمرهم، واجب عليهم أن يستسلموا الاستسلام الكامل لله ، وأن يطبقوا الدين وأحكامه كلها مجتمعة ،وأن يستسلموا لله استسلام الطاعة الواثقة المطمئنة، إنه الاستسلام لأوامر الله التي تقود خطاهم، وهم واثقون أنها تريد بهم الخير والنصح والرشاد، وهم مطمئنون إلى الطريق والمصير في الدنيا والآخرة ، والمسلم حين يستجيب لله هذه الاستجابة الكاملة، يدخل في عالم كله سلام، عالم كله ثقة واطمئنان، وكله رضىً واستقرار، لا حيرة و لا قلق، و لا تردد، ولا ضلال. نعم هو سلام مع النفس والضمير، وسلام مع العقل والمنطق، وسلام مع الناس والأحياء ، سلام مع الوجود كله، ومع كل موجود،
إنه سلام يرفّ في حنايا السريرة، وسلام يُظِلٌّ الحياة والمجتمع ، وسلام في الأرض، وسلام في السماء
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) : فهذه قاعدة عظيمة وجامعة، وهي تفيد وجوب أخذ الإسلام بجملته، بأن ينظر في جميع ما جاء به الشارع في كل مسألة ، من نص قولي ، أو سنة متَّبعة، ونفهم ذلك كله ، ونعمل به كله ، لا أن يأخذ كل واحد منا بكلمة ،أو آية ، أو سنة ، أو حكم ، ويجعلها حجة على الآخر، ومن الآيات والعبرة في هذا المقام أيضا : أننا نجد في كلام كثير من علمائنا هدى ونوراً، لو اتبعته الأمة في أزمنتهم لاستقامت على الطريقة، ووصلت إلى الحقيقة، بعد الخروج من مضيق الخلاف والشقاق إلى بحبوحة الوحدة والاتفاق. ولذلك نعى الله – تعالى- ووبَّخ أولئك الذين جعلوا القرآن عضين، فجزّؤوا كتبهم المنزلة عليهم، فآمنوا ببعضها وكفروا ببعض، فقال الله تعالى : (الَذِينَ جَعَلُوا القرآن عِضِينَ * فَوَرَبِّكَ لَنَسأَلَنَّهُم أَجمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعمَلُونَ) [الحجر: 91-93]. وقال تعالى :(أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وتَكفُرُونَ بِبَعضٍ, فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إلاَّ خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا ويَومَ القِيَامَةِ يُرَدٌّونَ إلَى أَشَدِّ العَذَابِ ومَا اللَّهُ بِغَافِلٍ, عَمَّا تَعمَلُونَ). [البقرة: 85]. ففي هذه الآيات إنكار شديد على أولئك الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، أي: يعملون ببعض منه على أنه الدين، ويتركون بعضاً منه، بتأويل أو غير تأويل، فواجب على المؤمنين أن يأخذوا القرآن والدين بجملته وفهمُ هدايته من مجموع ما ثبت عمن جاء به أمر مقرر في ذاته، إنها دعوة للمؤمنين كافة ،أن يدخلوا (فِي السِّلْمِ كَافَّةً) ، والسلم هو دين الاسلام ، وما تضمنه من عقائد شرائع وأحكام .
الدعاء